في اليوم العربي لمحو الأميّة.. أطفال قرية أردنية بلا “أحذية” ولا “تعليم”

في اليوم العربي لمحو الأميّة.. أطفال قرية أردنية بلا “أحذية” ولا “تعليم”

عمّان – رائد صبيح

قد تبدو الأيام والمناسبات والذكريات السنوية التي تمرّ علينا فرصةً سانحةً ليطلق فيها المسؤولون الشعارات الرنّانة والخطابات المنمقة، كاليوم العربي لمحو الأميّة الذي يحلّ اليوم في الثامن من كانون الثاني في كل عامٍ، لكنّك لا تملك إلا أن تُصدم، حين يروي لك المبادرون والمتطوعون والمقاتلون لأجل محو الأميّة بأنّ قرية أردنية بأكملها لا يملك أطفالها “الأحذية”، فماذا يمكن أن نتحدث بعد ذلك عن “التعليم”.

 على أيّ حال، يروي الخبير التربوي والناشط النقابي نور الدين نديم، لـ “البوصلة” فصلاً “يدمي القلب ويبكي العين” على حد وصفه، فيما يتعلق بـ “مكافحة الأمية” والجهود المتعلقة بها في الأردن، معبرًا عن الألم الشديد الذي يعتصره ممّا تطلقه وزارة التربية والتعليم من “نظريات” غير قابلة للحياة في هذا السياق.

يقول نديم: “وصلنا القرن الحادي والعشرين، وما زال بيننا من لا يجيد القراءة والكتابة”.

ويتابع حديثه: “أنا أتجوّل بحكم طبيعة عملي، ومع أهل الخير من المبادرات والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، في بوادي وقرى الأردن من شمال وجنوب وشرق، وأكتشف أنّ نسبة عالية من أبنائنا الطلاب، لا يجيدون القراءة والكتابة”.

ويضيف: وربما هذا الأمر عندما اكتشفه الوزير محمد الذنيبات في عهده، ضجنا عليه، وقلنا إنه يشوه الصورة، بأنّه كشف الصورة بأنّ أكثر من 35% من أبنائنا الطلاب لديهم أمية في الصفوت الست الأولى.

وبشعورٍ من الحزن والأسى يلفت نديم للقول: الآن كل النظريات التي تضعها وزارة التربية والتعليم والتي يضعها الآخرون، هي عبارة عن نظريات غير قابلة للحياة، وهذه مشكلة حقيقية.

كيف يمكن أن تكون الأمور إذا لم نوفر البيئة التعليمية الحقيقية، يتساءل نديم، ويتابع بالقول: ما زال لدينا بدو رُحّل، وما زال لدينا من الأهالي من ينتقلوا في الصيف والشتاء من مكان لآخر، سواء في وادي الموجب أو منطقة ديموم أو قريقرة أو شرق الأردن، وهذه قصص رأيتها بأمّ عيني ومطلع عليها.

وينوه إلى جزءٍ من المعاناة أنّ هؤلاء الأطفال الملزمون مع أهلهم لأنهم لا يلكون بيوتا، بأن ينتقلوا من مكانٍ لآخر.

ويلفت نديم الأنظار إل مشكلة أخرى، فيقول: خلال حملات التبرعات التي عملنا فيها كان هناك تبرعات بالخيام، فطموح العائلة أن تسكن في خيمة تقيها المطر والعواصف في فصل الشتاء، وتوزيع حرامات أو فروة.

ويقول نديم: عندما بالأمس عجوز بعمر الثمانين نقول لها ماذا تريدين يا خالة، تقول: ذبحنا البرد، وتطلب أي شيء.

ويستهجن: عندما نأتي ونتحدث عند هؤلاء عن “أولوية التعليم” كيف سنتحدث عن ذلك؟

طموح الطفل أن يحصل على حذاء

ويتابع نديم حديثه، بالقول: عندما نأتي لإحدى القرى الأردنية ونجد أنّ الأطفال جميعًا فيها بلا أحذية، الأطفال بلا أحذية بتاتًا، في منطقة بأقصى الجنوب، طموح الطفل أن يحصل على حذاء، وعندما قمنا بإحضار الأحذية لهم، لم يرتدوها وقاموا بتخبئتها، فيسألهم صديقي: لماذا لم ترتدوا أحذيتكم،  فيجيبه أحد الطلاب: أنت قلت يا أستاذ أنك تريد إحضار كرة قدم لنا، فنحن نخاف أن نرتديها فتتلف قبل أن تحضر لنا كرة القدم، ونريد أن نخبئها حتى نحصل على الكرة ونلعب بها.

ويستدرك بالقول: كان أمرًا مبكيًا جدًا، أنّ الطفل يفتقد للثقة ويفتقد للشعور بالأمان، يشعر أنّ هذا الحذاء وصل له لمرة واحدة فقط في العمر، ويجب أن يستفيد منه فقط بعد أن تحضر كرة القدم.

ويتساءل نديم: عندما نرى قصة مثل هذه، كيف سنتحدث عن مكافحة الأمية؟

ويشدد على أن مكافة الأمية تكون بالارتقاء بالمستوى المعيشي للناس، وتكون بعمل استقرار معيشي، تجميع الناس في أماكن خدماتية فيها سكن وصحة ومدارس، وهناك الكثير لنفعله.

ولفت إلى أحد المبادرات الجيدة التي تعمل في هذا السياق، قائلا: إخواننا في “مسار الخير” أقاموا مبادرة اليومين الماضيات اسمها (مبادرة إقرأ) في منطقة البادية، الأطفال يجلسون مع معلميهم المتطوعين على الأرض، وأهاليهم يجلسون معهم، والرغبة في التعليم موجودة عند الأطفال والأهالي.

وعبّر نديم عن ألمه الشديد بالقول: شيء يدمي القلب ما تفعله وزارة التربية والتعليم هو نظريات غير قابلة للحياة، لا تتواءم، إلا مع أحياء في عمّان والزرقاء وإربد والمدن الرئيسية، ومراكز محو الأمية هي مراكز تقتصر على مراكز في المدن الرئيسية والأماكن الحيوية التي يوجد فيها خدمات، وفيها قدرة على التعليم، وقدرة على أدوات الحياة.

واستدرك بالقول: لكن الأماكن النائية، والأقل حظًا والمعدومة الحظ والأدوات، لا يوجد من يكترث أو يهتم بها، لأنّ الوزارة تعلم أنها لا تمتلك القدرة ولا الكوادر وليس لديها الإمكانيات لخدمة هؤلاء الناس وتفيهم حقهم وتصل إليهم في أماكنهم.

ويتابع نديم بالقول: إنّ من يصل إلى هؤلاء ويخدمهم، هم مؤسسات المجتمع المدني والمبادرات، وهذا الأمر لا يكفي، لأنه في النهاية هذا بحاجة لجهد جمعي وجهد منظم تقوم به وتقوده الدولة، ثم تتضامن وتساند وتدعم مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات.

ويختم بالقول: أمّا أنّ مؤسسات المجتمع المدني هي التي تبادر وهي التي تخطط وتطلب الدعم والمساندة من الدولة فهذا فيه خلل ولا يمكن القبول به.

اليوم العربي لمحو الأمية

قال وزير التربية والتعليم الأستاذ الدكـتور عزمي محافظة إن التعليم يعّد موردًا متجددًا يسهم برفد المجتمع بالكوادر البشرية المدربة والمؤهلة، وركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة، وأداة فاعلة تعزز قدرات الأفراد وتمكنهم من الاستفادة من فرص التدريب والتشغيل المتجددة، وتحسين مستوى أدائهم الوظيفي، وزيادة إنتاجيتهم، ورفع مستوى دخلهم.

جاء ذلك في كلمة له بمناسبة الاحتفال باليوم العربي لمحو الأمية الذي يصادف الثامن من كانون الثاني، والذي أقرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم من خلال “الجهاز العربي لمحو الامية وتعليم الكبار” .

وأضاف “انه إدراكًا من الأردن لخطورة مشكلة الأمية باعتبارها عقبة أمام تحقيق التنمية الشاملة للمجتمع، وتأكيدًا منه على الدور الفاعل للوزارات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية ووسائل الإعلام كافة في محو الأمية باعتبار التعليم مسؤولية مجتمعية؛ يحرص الأردن سنويًا على مشاركة الدول العربية في الاحتفال بمناسبة اليوم العربي لمحو الأمية، والذي يصادف في الثامن من شهر كانون الثاني من كل عام، وتنفيذ حملات التوعية حول أهمية التعليم ومخاطر الأمية”.

واشار محافظة إلى أنه انطلاقًا من أهمية برامج تعليم الكبار في مجال محو الأمية، وتعزيز فرص التعلم والتدريب المستمر لأفراد المجتمع، تم العمل على إدراج برنامج تعليم الكبار ومحو الأمية ضمن أولويات البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي في الأردن، حيث تقوم وزارة التربية والتعليم بفتح مراكز لتعليم الكبار ومحو الأمية وتوسعت فيها حتى شملت جميع أرجاء المملكة، وذلك لتوفير الفرص التعليمية للمواطنين الذين حالت ظروفهم دون مواصلة تعلمهم.

وأوضح أن الوزارة تقدم مستلزمات الدراسة للدارسين مجاناً، حيث بلغ عدد مراكز تعليم الكبار ومحو الأمية 162 مركزًا تم افتتاحها للعام الدراسي 2022/2023 بواقع 137 مركزًا للإناث و25 مركزًا للذكور، التحق فيها 1896 دارسًا ودارسة، منهم 1544 دارسة و352 دارسًا.

وبين أنه نتيجة للبرامج والأنشطة التي تنفذها الوزارة في مجال تعليم الكبار ومحو الأمية انخفضت نسبة الأمية إلى أن وصلت النسبة العامة إلى 4.9 بالمئة وبواقع 2.4 بالمئة بين الذكور و 7.3 بالمئة بين الإناث، وذلك حسب إحصائيات دائرة الإحصاءات العامة.

وقال: إدراكاً من الوزارة لمخاطر التسرب وما يترتب عليه من آثار تسهم في رفد الأمية وتغذيتها، وتأكيداً منها على أهمية تحقيق مبدأ التعليم للجميع، عملت الوزارة على تنفيذ برنامج تعزيز الثقافة للمتسربين إذ تم افتتاح 204 مراكز لتعزيز الثقافة للمتسربين، التحق فيها ما يقارب الــ 4020 دارسًا ودارسة، كما تم تنفيذ برنامج التعليم الاستدراكي بهدف توفير التعليم للأطفال ممن هم خارج التعليم من عمر 9-12 عامًا، إذ تم افتتاح 76 مركزًا التحق فيها 1378 دارسًا ودارسة.

“اقرأ ”.. مبادرة لـ”مسار الخير” في وادي الموجب

وأطلقت مسار الخير للتنمية المستدامة، مبادرة “اقرأ” لأستهداف  اطفال وادي الموجب الذين لم يذهبوا للمدرسة بسبب ظروفهم الصحية والمعيشية، وايضا من يرتادون المدرسة، من اجل دعم مسيرتهم التعليمية وشمول الأهالي بهدف محو الأمية، وفقًا لـ “صدى الشعب”.

ويأتي إطلاق هذه المبادرة ضمن  مشروع المكتبات النموذجية التي انشأتها مسار الخير في قرى ومحافظات المملكة، وهي تهدف في مجملها إلى إحداث أثر  إيجابي في بنية المحافظات والقرى النائية على المستويين الثقافي والمعرفي، والتشجيع على القراءة، وعلى امتداد الجغرافيا الأردنية.

ويعيش اهالي وادي الموجب في منطقة وعرة، حرمت بعضهم الوصول الى المدرسة خصوصا ممن يعانون من مشاكل صحية في البصر والسمع و ذوي الأحتياجات الخاصة.

من جهته أكد مؤسس مبادرة مسار الخير الزميل محمد القرالة أن القائمين على هذا المشروع  متطوعون يسعون  إلى نشر العلم والثقافة بين اهالي الموجب، ليتمكن الأطفال والشباب من المطالعة والقراءة للنهوض بالمستوى الثقافي وتعزيز قدراتهم العلمية لشق دروبهم نحو العلم والمعرفة.

وثمن القرالة دور كوادر مدرسة الموجب من ادارة ومعلمين ومديرية تربية لواء ذيبان، على جهودهم الكبيرة وعدم تقصيرهم في اداء رسالتهم التعليمية تجاه الطلاب، لتكون هذه المبادرة رديف لعملهم، ومتابعة التعليم خارج المدرسة.

والجدير بالذكر ان احد المتطوعين في هذه المبادرة من أهل المنطقة، طالب يدرس في جامعة مؤته في السنة الثانية، كان قد عاش المعاناة وواجه الصعوبات والتحديات التي نتحدث عنها اليوم.


(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: