د. محمد الموسى
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

قرار مجلس الأمن(2720) حول غزة.. تأمّلات قانونية أوليّة

د. محمد الموسى
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

تبنى مجلس الأمن بتاريخ 22/12/2023 القرار رقم 2720 بشأن توسيع وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة بأغلبية 13 صوتا، بينما امتنع كل من الولايات المتحدة وروسيا عن التصويت. وقد دعا القرار في فقرته الثانية إلى ” اتخاذ خطوات عاجلة للسماح الفوري بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل موسع وآمن ودون عوائق ولتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية” بحسب النص العربي للقرار (وإنشاء شروط الوقف المستدام للأعمال القتالية” بحسب النص الإنجليزي للقرار).  بالإضافة إلى طلبه بأن تقوم الأمم المتحدة بإنشاء آلية من أجل التعجيل بتوفير شحنات الإغاثة إلى غزة. ولم يقم المجلس بالإشارة إلى جرائم الإبادة، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي يرتكبها الكيان. فضلا على أنه لم يطالب بوقف فوري للأعمال القتالية. ومن جهة أخرى، استعملت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد اقتراح روسي بإدراج بند في القرار المذكور يطالب بوقف الأعمال القتالية.

يثير القرار المذكور الذي تمكنت الولايات المتحدة بالتعاون مع عدد من الدول العربية من إفراغ المسودة الأولى له من مضمونها؛ وهي التي كانت تدعو إلى وقف فوري للأعمال القتالية، سؤالا مهما بشأن العبارة الآتية التي وردت فيه وهي : ” ولتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية” ( وإنشاء شروط الوقف المستدام للأعمال القتالية”) مؤداه هل العبارة المذكورة تتضمن تفويضا ضمنيا للكيان الصهيوني بالتطهير العرقي لسكان قطاع غزة وتهجيرهم وإفراغ القطاع من العوامل الضرورية للمعيشة فيها على أساس أنها تدابير ملحة لتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية؟؟  وتجدر الإشارة في هذا السياق أن الممثل الدائم لروسيا في مجلس الأمن نيبينزيا قال بشأن القرار المذكور : ” لو لم يحظ بتأييد عدد من الدول العربية لكنا بالطبع استخدمنا حق النقض ( الفيتو) ضده”. وأكد على أن ” العالم العربي قادر على اتخاذ القرارات ويتحمل المسؤولية الكاملة عنها”؛ وأن ” هذا هو السبب الوحيد الذي جعلنا لا نعطل القرار”. واستطرد قائلا : ” إن المسؤولية عن كل العواقب المحتملة – المترتبة على القرار بشكله الحالي – تقع على عاتق الدول التي أعطت موافقتها على صياغة القرار” التي فرضتها الولايات المتحدة. كما أنه اشار إلى أن ” هذه اللحظة لحظة مأساوية بالنسبة للمجلس، وليست لحظة انتصار الدبلوماسية متعددة الأطراف، بل هي لحظة ابتزاز فاضح وغير مسبوق ومجرد من المبادئ، يعكس ازدراء واشنطن لمعاناة الفلسطينيين وآمالهم في أن يضع المجتمع الدولي حدا لكل هذا”.

بصرف النظر عن الفرق في صياغة الفقرة الثانية من القرار بين نسخته العربؤة والإنجليزية وهو فرق يستحق أن نقوم بتحليل أبعاده في مقال خاص بذلك رغم أنه لا يؤثر على المسائل التي سيتناولها هذا المقال، ثمة سؤالان الذي يؤرقان الأذهان بشأن القرار 2720 وهما : الأول، كيف نتعامل مع هذا القرار الذي تضمن عبارة قد تؤول من جانب الكيان الصهيوني، والولايات المتحدة والدول الأخرى الداعمة لاستمرار العدوان والجرائم في قطاع غزة بأنها تتضمن تفويضا للكيان بالسير قدما بمشروعه التطهيري والإبادي في القطاع بغية توفية الظروف اللازمة لوقف مستدام للعمليات القتالية؟  والثاني، كيف نفهم مجلس الأمن الذي صمت إزاء جرائم الكيان الصهيوني في غزة ولم يطالب في القرار المذكور، ولا في أي قرار سابق آخر، بوقف الأعمال القتالية وإدانة جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الصهاينة في غزة؟

الواقع أن السؤالين السابقين يتعلقان بسؤال أوسع  وهو هل تخضع سلطات مجلس الأمن التقديرية والواسعة المنصوص عليها في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لمقتضيات النظام العام الدولي وأحكام القانون الدولي الآمرة؟وهل بمقدور مجلس الأمن أن يعطل باسم الفصل السابع أحكام القانون الدولي القواعد الدولية الآمرة مثل تحريم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب والحق في تقرير المصير؟ وهل يمكن تفسير قرارات مجلس الأمن الصادرة استنادا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بطريقة تتيح ارتكاب مثل تلك الأفعال المخلة بقواعد دولية آمرة هي بطبيعتها تسمو على ما عداها من قواعد القانون الدولي؟ .

تتصف الأسئلة السابقة كلها بأنها تدور حول إشكالية قانونية واحدة، وهي إشكالية العلاقة بين قرارات مجلس الأمن (ومن بينها القرار رقم 2720)  تفسيرا وتطبيقا وبين القواعد الدولية الآمرة التي تعلو على جميع القواعد الأخرى في القانون الدولي.

إن القواعد الدولية الآمرة هي من قواعد القانون الدولي عام التطبيق،  فهي بالنظر للمصالح التي تستهدف حمايتها؛ تتمتع بمرتبة أسمى من غيرها من قواعد القانون الدولي، وهي قواعد حظرية لا يجوز لأشخاص القانون الدولي مخالفتها، وهي بالنتيجة تشكل قيداً على حرية التعاقد التي يتمتع هؤلاء الأشخاص بها في النظام القانوني الدولي. وهي تتصف كذلك بأنها قواعد قانونية مقبولة ومعترف بها من عموم الجماعة الدولية للدول بوصفها قواعد لا يجوز استبعادها، ولا يجوز تعديلها إلا بقاعدة مماثلة لها في المرتبة والطبيعة (المادة 53 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام  1969. أما القواعد الدولية المكملة، فهي التي يكون بمقدور أشخاص القانون الدولي استبعادها أو العمل بخلاف أحكامها. ولهذا السبب من المتصور أن يصدر مجلس الأمن قرارات تخالف أحكام القانون الدولي المكملة، ولكنه لا يتمتع بهذه الإمكانية بالنسبة للقواعد الدولية الآمرة. فالمجلس الأمن ليس مخولا أن يتصرف أو يصدر قرارات تخالف القواعد الدولية الآمرة، وذلك بمناسبة ممارسته لصلاحياته وسلطاته الواردة في الفصل السابع من الميثاق.

هناك اتجاه واسع في القانون الدولي يؤيد تطبيق قواعد القانون الدولي الآمرة على قرارات مجلس الأمن، وقد تبنته لجنة القانون الدولي في تقاريرها الأربعة المتعلقة بالقواعد الآمرة التي أصدرتها في السنوات الأخيرة، وهو اتجاه يؤكد على أن القواعد الدولية الآمرة ليست مقتصرة على قانون المعاهدات، وليست محددة بحدوده، وهي تشمل فضلاً عنه العديد من الانشطة والتصرفات الدولية الأخرى. ويتقاطع الاتجاه ذلك مع رأي قاضي محكمة العدل الدولية (لوتر باخت الحفيد) في القضية المتعلقة بتطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (البوسنة والهرسك) ضد يوغسلافيا (صربيا والجبل الاسود) (التدابير المؤقتة)، فقد تبنى (لوتر باخت) إمكانية انطباق القواعد الدولية الآمرة على قرارات وتصرفات مجلس الأمن دون أية شروط مسبقة.

يتمثل الأساس القانوني لخضوع سلطات مجلس الأمن الواردة في الفصل السابع من الميثاق للقواعد الدولية الآمرة في طبيعة القيم التي تسعى هذه القواعد الى حمايتها، وبأنها قيم سامية في النظام  القانوني الدولي بشكل عام وليس في قانون المعاهدات فحسب. فالغاية الأساسية من وراء تخويل المجلس سلطات تنفيذية واسعة وتقديرية ليست تمكينه من تغيير القواعد الأساسية للنظام القانوني الدولي التي لا يجوز استبعاد العمل بها أو مخالفتها، وانما تزويده بالسلطات والآليات المناسبة بغية القيام بمهامه الموكولة له في مجال حفظ السلم والأمن الدولي على أحسن وجه. وعلى ذلك فإن مجلس الأمن يخضع لأحكام القواعد الدولية الآمرة، وأن قراراته الصادرة وفقا لأحكام الفصل السابع من الميثاق قد تتنازع مع هذه القواعد تنازعا موضوعياً  أو مضمونياً، وإن هذا التنازع ليس مستمدا من القانون الدولي الاتفاقي ولا من قانون المعاهدات فحسب، ولكنه مستمد كذلك من القانون الدولي عام التطبيق ( العمومي).

لقد أوضحت محكمة الدرجة الأولى للجماعة الأوروبية في حكمها الصادر بتاريخ 21/9/2005 في قضية مؤسسة يوسف والبركات الدولية ضد مجلس ولجنة الجماعة الأوروبية، أن أجهزة وهيئات الأمم المتحدة تخضع لأحكام القواعد الآمرة بصفتها تشكل “نظاما عاما دوليا مفروضا على أشخاص القانون الدولي جميعه … ويتعذر عليهم التحلل منه، أو استبعاد أحكامه أو مخالفته”  .وقد استندت المحكمة فيما استندت إليه للقول بإمكانية أن تفرض رقابتها على قرارات مجلس الأمن استثناء، وبصورة عرضية بمناسبة ممارستها لاختصاصاتها، على أن القانون الدولي العمومي أو عام التطبيق يفرض قيودا على مبدأ الأثر الملزم لقرارات المجلس المتخذة  بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، فشددت المحكمة على ضرورة قيام مجلس الأمن باحترام القواعد الأسمى في القانون الدولي وهي القواعد الآمرة، التي لا يجوز – كما هو معروف – للدول ولا للمنظمات الدولية مخالفتها لانها “تمثل مبادئ  دولية عرفية حظرية”. من المتصور من الناحية القانونية أن تنطبق القواعد الآمرة الدولية على سلطات مجلس الأمن الواردة في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة استناداً الى أحكام الميثاق ذاته أومن خلال أحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1966.

وفيما يتعلق بميثاق الأمم المتحدة، تنص المادة (24/2) منه على أن مجلس الأمن يعمل في أداء الواجبات الموكولة اليه “وفقا لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها”. وتجعل المادة (25) من الميثاق الأثر الملزم لقرارات المجلس وتنفيذها مشروطا بأن يتم وفق الميثاق، أي أن قرارات المجلس لا تكون ملزمة للدول لجهة قبولها وتنفيذها إلا وفق أحكام ميثاق الأمم المتحدة وفي مقدمتها طبعا مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة  وبالرغم من الاختلاف حول تفسير ودلالة نص المادة (25) من الميثاق، وفيما اذا كان المقصود من ورائها أن قرارات المجلس لا تكون مقبولة ولا تلتزم الدول بتنفيذها الا اذا كانت وفق الميثاق، أو أن تنفيذها ذاته هو المشروط بأن يتم وفق الميثاق، فقد قيل  أن المعنى العادي للمادتين (24) (25) من ميثاق الأمم المتحدة ينصرف الى أنهما ترتبان على كاهل الدول والأمم المتحدة الامتثال لأحكام القواعد الدولية الآمرة، وأن قرارات مجلس الامن بالنتيجة لا تعد صحيحة من الناحية القانونية عندما تخالف هذه الأحكام.

قد تقوم حالة التنازع بين قرارات المجلس والقواعد الدولية الآمرة من جراء سلوك مباشر من جانب المجلس أو غير مباشر، أو أنه قد ينشأ بشكل صريح أو ضمني. بالنسبة للقرار 2720، يمكن القول أن السلوك المنشئ لخرق أحكام القواعد الدولية الآمرة مبني على امتناع مجلس الأمن عن القيام بواجبه ازاء انتهاك قاعدة دولية آمرة من، خاصة وأن عدوان الكيان الصهيوني على قطاع غزة وجرائم الإبادة الجماعية التي ينفذها بحق سكانه يشكل إخلالا بقاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي، ولم يقم المجلس بإدانتها والمطالبة بالتوقف الفوري عنها بسبب فيتو أمريكي.  ومن الأسئلة المهمة التي تثار في العادة عند دراسة الصلة بين نظرية القواعد الآمرة وصلاحيات وسلطات مجلس الأمن السؤال المتعلق بالأثر القانوني  المترتب على امتناع المجلس عن اتخاذ فعل معين في مواجهة خرق واضح لقاعدة دولية آمرة، فهل يعد امتناعه عن التدخل لوضع حد لإخلال الكياني الصهيوني بعدد من قواعد القانون الدولي الآمرة كتحريم جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وسكوته عن ذلك في القرار 2720 بمثابة إجازة ضمنيا لذلك الإخلال؟

تنهض المسؤولية القانونية عن خرق القواعد الدولية الآمرة بسبب القيام بفعل ما أو بسبب الامتناع عن القيام به، ورغم هذه الحقيقة القانونية الصلبة فإن الإجابة على السؤال السابق تستدعي دراسة بعض الجوانب ذات الصلة بتفسير السلوك ذاته، وبإثبات القصد الذي اتجهت إليه إرادة المجلس في القرار 2720. وقد برزت هذه الاشكالية القانونية في قضية تيمور الشرقية، فقد دفعت استراليا أمام محكمة العدل الدولية بأن احتلال اندونيسيا لتيمور الشرقية ينطوي على خرق جسيم للحق في تقرير المصير ؛ وهو قاعدة دولية آمرة. وأشارت الى أن مجلس الامن، ثم الجمعية العامة امتنعا عن إدانة الاحتلال الاندونيسي  لتيمور. وقد ذكرت أن الجمعية العامة في قرارها رقم 34/40 الصادر بتاريخ 12/11 1979 لم تشر إلى قرارتها السابقة بشأن المسألة، الأمر الذي يعني أن القرارات السابقة لم تعد عاملة أو معمولاً بها من قبل الجمعية العامة.

 يستطاع القول فعلا أن حكم محكمة العدل الدولية في هذه القضية جاء داعما لفكرة تمتع تيمور الشرقية بالحق في تقرير المصير، وبالنتيجة لا تتمتع اندونيسيا في حق البقاء في تيمور الشرقية. فلم تعر للمحكمة بالاً لممارسة كل من مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة بمسألة تيمور الشرقية ولم تر أنها تؤثر في حصول تيمور الشرقية على استقلالها بوصفها كياناً يتمتع بالحق في تقرير المصير.

تأسيسا على ما سبق، لا مفر بشأن القرار رقم 2720 من التمييز بين عدم وجود إدانة صريحة للسلوك الإجرامي والعدواني للكيان الصهيوني وبين عدم مشروعية السلوك أو عدم اتفاقه مع أحكام القانون الدولي الوضعي، فالأسباب والغايات التي كانت وراء إخفاق المجلس في إقرار بند يدين العدوان على غزة وجرائم الإبادة الجماعية المصاحبة له هي أسباب وغايات سياسية، وليست أسبابا قانونية.  فكما هو معلوم، تتأثر عملية صناعة القرار واعتماده داخل مجلس الأمن بمعطيات ومعايير سياسية؛  فعملية التفاوض برمتها والتصويت محكومة بتزاحم مصالح الدول وتعارضها مع بعضها البعض، وبالذات فيما يتعلق باستعمال حق النقض (الفيتو)، مما يؤدي إلى صعوبة أن نخلص إلى أن صمت المجلس أو امتناعه عن اتخاذ موقف إزاء خرق الكيان الصهيوني لعدد من قواعد القانون الدولي الآمرة هو دليل قطعي على إجازة المجلس لهذا الخرق.

قصارى القول هي أن إخفاق المجلس باتخاذ موقف إزاء خرق الكيان الصهيوني عددا من قواعد القانون الدولي الآمرة من خلال القرار ،2720 لا ينصرف الى اتجاه إرادته عملياً لدعم او تأييد الخرق المرتكب بقدر ما يتعلق بمعطيات سياسية لدى الولايات المتحدة التي استعملت حق النقض (الفيتو) لتمنع إدراج أي بند يطالب بوقف فوري للأعمال القتالية في القرار.  وقد دعمت محكمة العدل الدولية في قضية ناميبيا هذا التوجه، فأكدت أن واقعة عدم إقرار مقترح معين من جانب جهاز دولي لا تعني بالضروروة اتجاهاً جماعياً لتبني الموقف أو المعنى المخالف لمضمون المقترح.

هذا بالنسبة للسؤال الأول الذي الذي يثار بشأن القرار  المتعلق بامتناع مجلس الأمن عن التدخل بموجب القرار رقم 2720 ووعدم مطالبته بوقف فوري للأعمال القتالية ولجرائم الكيان الصهيوني في قطاع غزة. أما بالنسبة للسؤال الثاني المتعلق بإمكانية تأويل العبارة التي أدرجها المجلس في قراره المذكور التي تدعو إلى ” تهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية”، على نحو يتضمن تفويض الكيان الصهيوني بتطهير سكان غزة من سكانه ومن المقاومة الفلسطينية فيه وتهجيرهم، فهو يتعلق بمسألة تثار عادة  من في كتابات القانون الدولي  حول تأثير قرارات مجلس الأمن على خروقات القواعد الدولية الآمرة، فهل تتمتع هذه القرارات بأثر تصحيحي لاحق على هذه الخروقات؟ وهل يمكن للمجلس أن يقوم من خلال إصدار قرار سنداً لأحكام الفصل السابع بإجازة خرق لقاعدة دولية آمرة سابق على القرار و/ أو التفويض به؟

أثار الباحثون هذا التساؤل بسبب سلوك مجلس الأمن إزاء النزاع الخاص بكوسوفو، وهو النزاع الذي تبنى المجلس بصدده عدداً من القرارات المستندة لأحكام الفصل السابع في العامين 1998 و 1999. ففي اكتوبر/ 1998، أبرمت جمهورية يوغسلافيا الاتحادية اتفاقاً يقضي بعودة اللاجئين الى كوسوفو، ويمنح منظمة الأمن والتعاون الأوروبي دوراً تفتيشياً في هذا المجال. وقد كان جلياً حينذاك أن الاتفاق أبرم تحت تأثير التهديد باستخدام القوة،  وقد اعترفت الولايات المتحدة أن هذا التهديد كان ضرورياً من أجل إبرام الاتفاق. ولهذا السبب وبالذات يمكن القول بأن الاتفاق باطل بطلاناً مطلقاً عملاً بأحكام المادة (52) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 التي تحظر الإكراه العسكري كوسيلة مفضية لإبرام المعاهدات الدولية ، وتجعل البطلان المطلق من حظ أية اتفاقية او معاهدة مبرمة بنتيجة إكراه عسكري. ولم يكن بإمكان مجلس الأمن تصحيح او إجازة الاتفاق المذكور، لأن الحكم الوارد في المادة (52) من اتفاقية فيينا هو من القواعد الدولية الآمرة، ويشكل قيداً على صلاحيات وسلطات المجلس.  فالبطلان المطلق هو النتيجة القانونية للمعاهدات والاتفاقات الدولية المعقودة خلافاً لحكم هذه المادة. وهذا ثابت بموجب اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، والقانون الدولي العرفي وأحكام القضاء الدولي. لقد جرى تأويل قرار مجلس الأمن رقم 1203 (1998)، وهو القرار  الذي رحب) بالاتفاق المذكور وطلب من الجمهورية الاتحادية اليوغسلافية أن تنفذه تنفيذا  كاملاً، وذلك في ديباجة القرار وفقرته الأولى. أي أن المجلس أقر بمقتضى القرار المذكور الاتفاق المعقود تحت الإكراه العسكري؛ وكأن ذلك بمثابة إجازة لاحقة للاتفاق من جانبه. وقد تمسكت فرنسا بهذا التأويل في أثناء الأعمال التحضيرية الخاصة بالقرار، اذ بررت تأييدها له بأنه ضروري لشرعنة الاتفاق المعقود مع الجمهورية الاتحادية اليوغسلافية. لم يرق هذا التأويل لعدد من الدارسين الذين أنكروا أن يكون القرار بمثابة إجازة لاحقة للاتفاق المعقود تحت تأثير الإكراه العسكري، وقاموا بتأويل القرار رقم (1203)  على أنه استبدال من جانب مجلس الأمن للاتفاق الباطل بنظام جديد يفرض التزامات مماثلة لتلك الواردة في الاتفاق عينه، فالقرار كان من وجهة نظرهم محاولة من مجلس الأمن لاستبعاد هذا الاتفاق المشكوك بصحته قانونا بقرار ملزم يفرض التزامات مماثلة؛ ولم يستهدف المجلس منه أن يكون إجازة لاحقة لاتفاق سابق باطل، ولا يمكن افتراض هذا الموقف من جانب مجلس الأمن لأنه موقف لا المجلس اتخاذه ابتداء بسبب مخالفة الاتفاق لقاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي.

والأمر ذاته ينطبق على حالة أخرى سابقة على القرار 2720 وهي تتعلق بالادعاءات القائلة بجواز التفويض اللاحق لاستخدام القوة ضد العراق عام 2003، فلا يصح النظر الى قرار مجلس الأمن رقم(1483) الذي يحكم المركز القانوني للقوة المحتلة في العراق على أنه بمثابة إجازة أو تفويض لاحقين لغزو هذا البلد واحتلاله، فالمجلس لا يملك ألبته أن يجعل من الفصل السابع أداة لخرق النظام العام الدولي، ووسيلة لتصحيح أوضاع ناشئة عن انتهاك القواعد الدولية الآمرة.

لا غرو، أنه بالاستناد على المعطيات السابقة لا يمكن قانونا ومنطقا تفسيرولا تأويل العبارة الواردة في القرار رقم 2720 المتعلقة بتهيئة الظروف اللازمة لوقف مسستدام للأعمال القتالية ، على أنها تتضمن تفويضا للكيان الصهيوني بالاستمرار بجرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب و بتطهير وتهجير سكان قطاع غزة لأن مثل ذلك التفسير سيتعارض مع قواعد القانون الدولي الآمرة التي تحرم تلك الجرائم، ولأن مجلس الأمن لا يملك بتاتا مثل تلك الصلاحية. فإن قلنا بجواز ذلك التفسير، سيغدو القرار 2720 باطلا لمخالفته قواعد دولية آمرة. ويتمثل جزاء مخالفة القواعد الآمرة في القانون الدولي  ببطلان الإجراء أو التصرف القانوني المخالف له بطلانا مطلقا، وهي نتيجة ستزلزل أركان سلطات مجلس الأمن وصلاحياته الممنوحة له وفقا للمقاربة التقليدية التي تجعل يد مجلس الأمن حرة أو طليقة. و بسبب خطورة البطلان يتعين في البداية العمل على تفسير قرار مجلس الأم رقم 2720 تفسيرا من شأنه أن يحول دون قيام تنازع بينه وبين القواعد الدولية الآمرة التي يخل الكيان الصهيوني، وذلك انطلاقا من افتراض عدم اتجاه إرادة المجلس إلى مخالفة أحكام تلك القواعد. فإن استعصى هذا التفسير أو بات مستحيلا بسبب وضوح نص القرار( وهي حالة ليست متوفرة بالنسبة للقرار 2720)، يغدو البطلان جزاء لا مفر منه ويتوجب العمل به ، ويكون القرار عرضه للطعن فيه من جانب الدول.

مما لا شك فيه أن المجلس لا يملك بموجب سلطاته القسرية او القمعية التعدي على القواعد الدولية الآمرة. فالأصل هو أن يحترم مجلس الأمن الصلاحيات الموكولة إليه، ويتعين الانطلاق من افتراض احترامه لصلاحياته ما لم يثبت من لغة القرار المتخذ وعباراته خلاف ذلك. وهذه القرينة المفترضة تستدعي الاستعانة بطرائق ووسائل التفسير المتبعة في القانون الدولي، الأمر الذي يوجب ان تتم عملية تفسير قرارات مجلس الأمن في ضوء الإرادة الفعلية للدول الأعضاء، وعلى هدى من أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه . علاوة على أنها ستكون محكومة كذلك بأحكام القواعد الدولية الآمرة. فإذا كان جائزاً او متصوراً من الناحية القانونية وفقا لنص المادة (103) من الميثاق ان يصدر قرارات تخالف أحكام الاتفاقات الدولية الأخرى النافذة، إلا أنه من غير المتصور قانوناً أن يصدر قرارات مخالفة لأحكام القواعد الدولية الآمرة .

يتعين من الناحية العملية اذاً افتراض عدم اتجاه إرادة المجلس إلى إحداث أثر مخالف للقواعد الدولية الآمرة بمقتضى قراره رقم2720وهكذا ينبغي ابتداءً العمل على تفسير العبارات والألفاظ الواردة في القرار بطريقة لا تفضي إلى  التنازع أو التعارض بينه وبين قواعد آمرة في القانون الدولي . ولو شئنا أن نأتي بمثال على ذلك لأخذنا قرار مجلس الامن رقم 242 (1967) ، وهو الذي يتضمن النص على “إيجاد تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين”. فهذه العبارة الأخيرة قد تؤدي الى التنازع بين حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى مساكنهم وبين التسوية العادلة لمشكلتهم، مما يحتم العمل على تفسير العبارة بصورة تمنع نشوء تنازع من هذا القبيل وتكفل حق العودة للفلسطينيين، أي انه يتوجب تفسير عبارة ” التسوية العادلة” على أنها بمثابة تأكيد من جانب مجلس الأمن على حق الفلسطينيين في العودة الى مساكنهم. وهو تفسير يتفق مع مضمون قرار الجمعية العامة رقم 39/146(1986) الذي كرس فكرة أن السلام في “الشرق الاوسط” لا يقبل التجزئة، وأنه يشمل الانسحاب الكامل وغير المشروط من الأراضي المحتلة منذ عام 1967،و يتوجب أن يستند إلى حل شامل وعادل ونهائي أساسه الانسحاب من القدس والأراضي المحتلة، وأن يتاح للشعب الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف؛ بما فيها الحق في العودة والحق في تقرير المصير، والاستقلال الوطني و إقامة  دولته المستقلة ذات السيادة في فلسطين. ففي هذه الحالة يكون من الواجب افتراض أن إرادة المجلس لم تتجه في القرار 242  الى حرمان أومنع اللاجئين من العودة إلى مساكنهم وأراضيهم وديارهم التي شردوا منها، وفي القرار 2720 إلى تفويض أو تمكين الكيان الصهيوني من تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وتطهيره منهم. فمن غير المقبول ولا قانونا القول أن المجلس يملك صلاحية إصدار قرارات تجيز الطرد الجماعي للشعب الفلسطيني أو لغيره من الشعوب، خاصة وأن المادتين (7) و (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تجعلان من طرد السكان إحدى الجرائم ضد الانسانية، وجريمة من جرائم الحرب. ويكون من العسير قانونياً القول أن مجلس الأمن يملك إجازة ارتكاب جرائم كهذه.

صفوة الأمر هي أنه ينبغي العمل على تفسير وتطبيق قرار مجلس الأمن  رقم 2720 المتنازع مع قواعد دولية آمرة بصورة تمنع التنازع، وذلك بافتراض عدم اتجاه إرادة المجلس الفعلية الى إحداث أثر يخالف هذا النوع من الأحكام القانونية. وبذلك يمكننا قطع الطريق على كل من يسعى إلى تفسير عبارة ” لتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية” في غزة بطريقة تبرر أو تسوغ للكيان الاستمرار بجرائمه وعدوانه على قطاع غزة، على أساس أن المجلس لا يملك ذلك، ولا يمكنه قانونا تفويض القيام بأفعال تخل بقواعد آمرة في القانون الدولي أو تبريرها كتلك التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة. وأنه للأسباب والأسانيد جميعها التي ألمعنا إليها سابقا لم يقصد ذلك مطلقا.

* د. محمد خليل الموسىأستاذ القانون الدولي.

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts