حلمي الأسمر
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

كيّ الوعي الإسرائيلي

حلمي الأسمر
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

نشر “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية”، أخيرا، نتائج استطلاع ضمن سلسلة استطلاعات شهرية يجريها تحت عنوان “مؤشّر الصوت الإسرائيلي”. وقد لوحظ أنه بعد شهري إبريل/ نيسان ومايو/ أيار السابقين اللذين سُجّل خلالهما ارتفاع متواصل وملحوظ في درجة تفاؤل الجمهور “الإسرائيلي” حيال الوضع الأمني في دولة الاحتلال، شهد الشهر الماضي (يونيو/ حزيران انخفاضاً حادّاً (بنسبة 12%) في نسبة المتفائلين، من 43% في مايو/ أيار إلى 31%. والأخيرة إحدى النسب الأدنى التي سُجّلت في هذا المجال منذ البدء بقياسه إحصائياً منذ 1998.

يعني هذا، ببساطة، أن ثمة تغييرا كبيرا حدث في الحياة، جعل نسبة التشاؤم تقفز على هذا النحو الزائد، وفي تفاصيل الاستطلاع التي نشر المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) عرضا له يمكن أن نفهم حجم ما يمكن تسميته كيّ وعي للعقل الجمعي الصهيوني، وهو أمر طالما “تغنّى” بتحقيقه الناطقون الرسميون باسم الكيان من موظفين ومسؤولين وكتّاب، حيث دأبوا على ترديد ما يسمونها “قوة الردع” للجمهور الفلسطيني خصوصا والعربي عموما، بسبب “الإنجازات” التي يحقّقونها في مختلف المجالات، وهو يعني، فيما يعنيه، أن هذا الجمهور “مردوع” ويائس من أن يمسّ الوعي الجمعي الصهيوني، فوعيه “ملسوعٌ” أو مكويّ. ولهذا هو في حالة هزيمة نفسية داخلية، فكيف انتقل هذا الحال من الجمهور العربي إلى الصهيوني؟ وما دلالاته العميقة على مستقبل الصراع؟

في الرد على السؤال “كيف تشعر حيال وضع إسرائيل الأمني في المستقبل المنظور؟”، قال 63.8% من المشاركين من مستوطني الكيان في الاستطلاع إنهم “متشائمون” أو “متشائمون جداً”، بينما قال 30.9% فقط إنهم “متفائلون” أو “متفائلون جداً”. وفي التصنيف حسب الانتماء للمعسكرات السياسية المختلفة، أو كما تقسّمها اللغة السياسية الإسرائيلية عموماً إلى معسكري اليمين واليسار، الأساسين، أظهرت نتائج الاستطلاع أن نسبة المتفائلين في معسكر “اليسارـ الوسط” أقل بقليل من نسبتهم في معسكر اليمين: 43% و45% على التوالي. لكن الأبرز هنا أن نسبة المتفائلين بمستقبل إسرائيل الأمني في معسكر اليمين انخفضت من 64% في استطلاع شهر مايو/ أيار إلى 45% فقط في استطلاع شهر يونيو/ حزيران الذي تلاه.

ما الذي حصل خلال شهر، وغيّر “مزاج” الجمهور الصهيوني؟ ببساطة، أهم ما شهده الكيان تصاعد المقاومة الفلسطينية الشعبية، إضافة إلى الحراك الشعبي والرسمي الداخلي، على خلفية تحويل الكيان من الحالة الديمقراطية إلى كيان “الشريعة”، وما فجّره هذا من صراع شعبي مرير تجلّى في الشارع وفي أخطر مؤسّسات الكيان وأهمها، وهي المؤسّسة الأمنية، وظهور حالات التمرّدين، المدني والعسكري، أو بالأصح التهديد باللجوء إليها، في حال استمرّ تغوّل المهووسين دينيا في إجراء تعديلاتهم على قوانين الكيان. وهنا يمكن أن نلحظ أثر هذا الأمر في المزاج الصهيوني المجتمعي، ففي الإجابة عن السؤال “ما هو شعورك حيال وضع النظام الديمقراطي في إسرائيل في المستقبل المنظور؟”، قال 61% من المشاركين في الاستطلاع و56.6% من المشاركين اليهود و82.7% من المشاركين العرب إنهم “متشائمون” أو “متشائمون جداً”؛ بينما قال 33.9% من مجمل المشاركين في الاستطلاع و38.1% من المشاركين اليهود و13.2% فقط من المشاركين العرب إنهم “متفائلون” أو “متفائلون جدا”ً. وفي ما يخصّ تعزيز الأمن الشخصي ومحاربة الجريمة، قال 78.4% من مجمل المشاركين في الاستطلاع، و65% من المشاركين اليهود، و85.4% من المشاركين العرب إن أداء الحكومة في هذا المجال “سيئ” أو “سيئ جداً”، مقابل 13.4% فقط من مجمل المشاركين في الاستطلاع، و15% من المشاركين اليهود و4.7% فقط من المشاركين العرب، قالوا إن أداء الحكومة في هذا المجال “جيد” أو “ممتاز”.

أنت تتحدّث هنا عن كيان “مدلّل” دوليا، وتتوفر له حماية من نوع “شيك على بياض” وقوة عسكرية وعلمية فاقت كل تصوّر. ومع هذا، تشهد هذا “الانهيار” النفسي لجمهوره، وفقدان الشعور بالأمن الشخصي، رغم أنه يملك من الأدوات العسكرية والتكنولوجية ما يجعله في حالة مخيفة من التفوّق على الشعب الذي يتعرّض منذ قرن لعمليات ممنهجة من الاعتداء والاقتلاع والخذلان من القريب والغريب. ومع هذا، أمكنه أن ينفذ بقوة إرادته إلى أكثر المناطق تحصينا في العقل الجمعي للاحتلال، ويغيّر من قناعاته تجاه المستقبل، وزيادة نسبة الشعور بالتشاؤم. هذا كله بأدوات مقاومة بسيطة لا تُقاس بما لدى عدوّه من تفوّق أسطوري.

نتائج الاستطلاع كلها مثيرة، وتفاصيله على غير صعيد تقول إنك تتحدّث عن “دولة” من العالم الثالث، وليس عن كيانٍ أريد له أن يكون “خارقا” وقادرا ليس على كيّ وعي الشعب الذي يذيقه كل يوم مرارة الاحتلال، ويتفنّن في إذلاله، بل على “إخضاع” أمة الثلاثمائة مليون بأسرها، وإبقائها في حالة استقالة من الفعل والحضارة والتاريخ، وارتماء في حضن التخلف والاستبداد!

إنها المقاومة فقط، هي ما تستطيع ليس كيّ وعي المحتل، بل تفكيك هذا الوعي، مقدمة لتفكيكه ككيان، ولو بالفعل البسيط والطويل، بالضبط كما تفعل قطرات المياه حين تفتّت الصخرة العاتية، ولو ببطء. ولهذا، يطلب الجميع رأس المقاومة، عربا وعجما من الرسميين، ويصنّفونها “قانونيا” بوصفها “عنفا متبادلا” أو “دوّامة صراع” أو حتى إرهابا، ولكنها ماضية في طريقها ولو كره الجميع. وطبعا، يترافق هذا بالتآكل الداخلي الذي تعدّ المقاومة أحد أسبابه العميقة، الأمر الذي دفع المؤرّخة “الإسرائيلية” أنيتيا شبيرا إلى أن تكتب في مقال في “هآرتس” إن “صعود الأصولية اليهودية في نسختها الخلاصية المتطرّفة إلى الحكم سيفضي إلى زوال إسرائيل وتشريد اليهود مجدّدا”، وتلك نبوؤة قديمة كانت في ما مضى أسطورة في عالم الغيب، لكنها بدأت تتحوّل اليوم إلى حقيقة عالم الشهادة.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts