لماذا لم تمرّ 4 سنوات على اغتيال رئيس

لماذا لم تمرّ 4 سنوات على اغتيال رئيس

مرّت الذكرى الرابعة لرحيل الرئيس محمد مرسي من دون ذكر أو خبر في الفضائيات التي كانت قبل عام فقط، أو عامين على الأكثر، تحتشد لتغطية الحدث النادر في تاريخ السياسة العربية.
مفهومٌ أن مياها جديدة جرت في أنهار السياسة الدولية والإقليمية ومستنقعاتها، فرضت حساسية جديدة ومقاربات مختلفة للمسألة المصرية، جعلت بدورها تراجيديا التجربة المريرة للدكتور محمد مرسي تتراجع في الأهمية عند أصحاب القرارين، السياسي والإعلامي، وهذا وارد الحدوث في كل الأزمنة، إذ للزمن السياسي دورته الهادرة مثل كل شيء.
غير أن ذلك لا ينفي أن الموضوع، بالمعايير المهنية الخالصة، يستحقّ ألا يمر هكذا من دون إشارة، وكأنه لم يكن هناك على وجه الأرض رئيس دولةٍ منتخب اسمه محمد مرسي، أو أنه لم يتم اغتياله بالإهمال الطبي، أو أن أربع سنوات لم تمرّ على ما جرى.
بعيدًا عن السياسة والقيم الإنسانية والأخلاقية، ومن منظورٍ مهنيٍّ بحت، نحن بصدد قصة صحافية تتوفر لها كل العناصر اللازمة التي تجعلها ذات أهمية وتستحق التفاتة، ولو بالحدّ الأدنى خبر في إحدى النشرات من بضع كلمات يقول “تمرّ اليوم أربع سنوات على رحيل الرئيس المصري السابق الدكتور محمد مرسي الذي سقط من الإعياء أمام هيئة المحكمة المصرية التي كان يمثُل أمامها”.
يمكن الزعم أن تجاهل الإشارة إلى مرور سنوات أربع على غياب أول رئيس مدني في تاريخ الجمهورية المصرية، بعد انتخابه في أول انتخابات حقيقية يعرفها الشعب المصري بعد ثورة شعبية، هو إخلالٌ بالقيم المهنية واستخفافٌ بالمشاهد، فما بالك ومن ضمن مكونات القصّة أن الرجل هو أول رئيس جمهورية يلقى حتفه في قاعة المحكمة، في أثناء محاكمته بعد إطاحته من السلطة بعد انقلاب عسكري، حسب التوصيف الذي كانت تستخدمه الفضائيات التي تجاهلت الذكرى.
يُدهشك أن المنابر التي لم تتذكّر أو لم يصل إلى علمها واهتمامها مرور أربع سنوات على رحيل الرئيس أحيت ذكرى مرور ربع قرن على رحيل الداعية محمد متولي الشعراوي في التاريخ نفسه، ووجدت بعد 25 عامًا كاملة ما يمكن تقديمه للمشاهد وللقارئ، لكنها لم تجد ما يستحقّ التنويه في ذكرى مرور أربع سنوات فقط على وفاة زعيم سياسي شكّل وصوله إلى رئاسة الدولة حدثًا استثنائيًا نادرًا في التاريخ الحديث.
هي الفضائيات نفسها التي تجد بعد ستين عامًا على إعدام الرئيس التركي المنتخب عدنان مندريس ما يجب تقديمه للمشاهد، لكنها اكتشفت، فجأة، أن قصّة محمد مرسي لم تعد مادة صحافية مغرية.
لا أحد يعلم كيف يمكن للمنابر التي كانت تنحو إلى المبالغة في ذكرى المناسبة ذاتها قبل عامين فقط أن تبرّر إسقاطها تمامًا من اهتمامها هذه المرّة، لكن المؤكد أن المشاهد يعلم أن هذا التصرّف بمثابة اغتيال آخر للرجل الذي مات واقفًا، وآخر كلماته للقضاة أنه يطلب من المحكمة أن تسمح له بمقابلة هيئة الدفاع عنه لنقل رسالته الأخيرة إلى الشعب المصري، لكن هيئة المحكمة رفضت طلبه.
هذا الطلب المرفوض، وبالمعيار المهني، من المفترض أن يثير شهية الصحافة للبحث والاستقصاء والسؤال بعد أربع سنوات ما هو مضمون الرسالة التي طلب إيصالها إلى شعبه قبل دقائق قليلة من إعلان وفاته، لكن شيئًا من ذلك لم يحدُث، أو بالأحرى لم يُسمح به في الظرف العربي والإقليمي الجديد، الذي يكاد يعتذر لقوى الطغيان المهيمنة عن تورّطه يومًا في الانحياز للشعوب وثوراتها، والتغرير به من هؤلاء المدنيين الأوغاد الذين حلموا بربيع عربي ديمقراطي.
مخجلٌ أنه في اللحظة التي كان فيها المقدسيون يحيون ذكرى استشهاد الرئيس مرسي، كان إعلامٌ عربيٌّ يبث على الهواء مباشرًة فعاليات التظاهرات الإسرائيلية ضد حكومة نتنياهو، ويشنف أذان المشاهد العربي بالهتافات والأغاني الصهيونية، وكلمات قياداته على منصّة الميدان، وكأنه أدار ظهره لآخر ما تبقى من ملامح ربيع عربي، واحتضن ربيعًا صهيونيًا بديلًا.

(القدس العربي)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: