لماذا لن تتحمل أمريكا خسارة سباق القوة الناعمة مع الصين؟

لماذا لن تتحمل أمريكا خسارة سباق القوة الناعمة مع الصين؟

يُعد مصطلح القوة الناعمة، مصطلحاً حديثاً بعض الشيء، حيث روّج له عالم السياسة جوزيف ناي عام 1990. ويصف هذا المصطلح القدرة على فرض النفوذ عبر الثقافة والقيم والسياسة الخارجية، وهو ما يمسّ اليوم كل أركان المنافسة الأمريكية-الصينية. وفي السطور التالية يسلط هذا التقرير الأسباب التي تحتم على أمريكا عدم خسارة سباق القوة الناعمة مع الصين، خصمها اللدود.

سباق القوة الناعمة.. أمريكا لن تتحمّل الخسارة أمام الصين

يقول راجا كريشنامورثي، النائب الديمقراطي في مجلس النواب الأمريكي وعضو اللجنة المختارة لشؤون التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وبين الصين، في مقالة له بمجلة Foreign Policy الأمريكية، إن هناك تركيزاً عالياً في جلسات مجلس النواب الأمريكي على قضية صعود القوة الناعمة الصينية عالمياً وكيفية مواجهتها. 

وبحسب كريشنامورثي، فإن الولايات المتحدة تستطيع “الفوز” في منافسة القوة الناعمة الصينية عبر 3 خطوات رئيسية: أولها جعل القوة الناعمة جزءاً رئيسياً من مساعيها لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، وحماية التمويل الضروري من مناوشات السياسات الحزبية، والتركيز على نقاط قوة الولايات المتحدة مع الاعتراف بنقاط ضعفها.

وبالنسبة للنقطة الأولى المتعلقة بتحويل القوة الناعمة إلى جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الأمريكية؛ فسنجد أنه لا يمكننا تحقيق ذلك من دون حلفائنا وشركائنا بكل بساطة، كما يقول كريشنامورثي.

إذ إنه من مصلحة الولايات المتحدة مثلاً أن تعزز أمن واستقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وذلك عبر ردع الهجوم الصيني في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي. وقد أحرزت الولايات المتحدة تقدماً على صعيد تحقيق هذا الهدف عبر سلسلةٍ من خطوات القوة الناعمة مثل ترقية العلاقات مع فيتنام، وتعزيز التعاون الثلاثي بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، وتقوية التحالف الأمريكي الفلبيني، وتوسيع وجودنا الدبلوماسي في منطقة المحيط الهادئ.

وعلى نحوٍ مماثل، سنجد أنه من الضروري للولايات المتحدة تنويع سلاسل توريدها وخلق حمية للشعب الأمريكي لوقف الاعتماد المفرط على الصين، وعلى بيئة أعمالها التي تزداد خطورة ولا يمكن التنبؤ بها، بحسب كريشنامورثي. 

بايدن يقود حراكاً دبلوماسياً مضاداً للقوة الناعمة الصينية

وقد قطعت إدارة بايدن أشواطاً كبيرة على هذا الصعيد أيضاً عبر توظيف القوة الناعمة لخدمة هذا الهدف. حيث أسفرت زيارة بايدن لفيتنام عن تأسيس شراكة جديدة لاستكشاف فرص سلاسل توريد أشباه الموصلات. كما أن مبادرة الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي، برعاية مجموعة السبع، تعمل على جمع 30 مليار دولار لتمويل مشروعات البنية التحتية. 

وتسعى المبادرة كذلك إلى جذب قادة جدد من القطاع الخاص إلى الطاولة، وخلق الظروف المواتية لاستثمار مليارات الدولارات الأخرى أيضاً. فضلاً عن أن الولايات المتحدة تتعاون مع الحلفاء والشركاء لضمان حصول واشنطن على المواد الضرورية اللازمة لتأمين التقنيات المستدامة الجديدة، وذلك من خلال جهود مثل شراكة الأمن المعدني.

يقول كريشنامورثي: يُمكن القول إن اتباع نهج متعدد الأصعدة للتعامل مع المنافسة الثنائية قد نجح حتى الآن -وليس علينا سوى البناء على ذلك النجاح. ونستطيع تحقيق ذلك بالعثور على أرضية مشتركة في ما يتعلق بنهج الاستثمار الخارجي في الصين، وإنفاذ حقوق الإنسان في مواجهة الإبادة الجماعية المتواصلة للأويغور، والقواعد العالمية للبيانات والخصوصية. وتُعد جميع المسائل السابقة مهمة لمواجهة التحركات الصينية، علاوةً على أنها ترفع المعايير العالمية وتحدد وتيرة المضي قدماً في المستقبل.

تطوير برامج القوة الناعمة الأمريكية

ثانياً، يرى كريشنامورثي أن أمريكا تحتاج إلى ضمان حصول جميع الموجودين في الخطوط الأمامية على الدعم الكامل حتى نفوز في منافسة القوة الناعمة، وذلك عبر معارضة تخفيضات الميزانية الشديدة لأنها تُقوّض قدرتنا على الريادة. 

إذ يشهد الكونغرس كل عام تمرير قانون تفويض الدفاع الوطني، الخاص بالبرامج العسكرية، على اعتباره قانون “لا بد من تمريره”. وفي الواقع، سنجد أن الاعتمادات المالية التي يجري تمريرها لتمويل ذلك القانون تتجاوز الحد الأقصى الذي يطلبه الرئيس في العادة. مما يعني أننا نتعامل مع القوة الصلبة بصورةٍ صحيحة على اعتبارها أولوية. 

لكن برامج القوة الناعمة التي تديرها وكالات مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وشركة تمويل التنمية الدولية والوكالة الأمريكية للإعلام العالمي، لا تحظى مع الأسف بالمعاملة نفسها من بعض أعضاء الحزب الجمهوري. فضلاً عن النظر إلى هذه البرامج عادةً، باعتبارها مجرد بيادق سياسية يمكن التلاعب بها أثناء عملية المفاوضات.

إذ يمثل الدبلوماسيون، ومسؤولو التجارة، وقادة التنمية، وغيرهم أهم أصول قوتنا الناعمة في المنافسة مع الصين بطول منطقة المحيطين الهندي والهادئ وقارتي أفريقيا وأمريكا اللاتينية. وتبدأ جهودهم بقيادة التفاعلات بين الأشخاص، وصولاً إلى إدارة البرامج، وانتهاءً بمكافحة أزمة المناخ. ولا شك أن عرقلة جهود هؤلاء الأشخاص، في سبيل تحقيق بعض المكاسب السياسية خلال مفاوضات الميزانية، لن تؤدي سوى إلى منح الصين فرصةً لانتقاد النظام الديمقراطي الأمريكي.

وإذا أردنا الفوز في هذه المنافسة، فعلينا أن نحافظ على وجود فريقنا على الساحة. ومن المؤكد أن تحقيق ذلك يتطلّب منا مقاومة تخفيض الميزانية بهذا الشكل، يقول النائب كريشنامورثي.

وأخيراً، يجب التركيز على نقاط قوة أمريكا للفوز في منافسة القوة الناعمة مع الصين. إذ أجرى مركز Pew Research Center مؤخراً استطلاعاً لآراء أشخاص من 23 دولة حول العالم، بينها الهند وإندونيسيا ونيجيريا. وكشف الاستطلاع أن القيادة والابتكار والثقافة الأمريكية تمثل “نقاط قوة”. 

وبحسب كريشنامورثي، لا تزال الولايات المتحدة تتمتع بقوة ثقافية، ولديها القدرة على تحقيق الاستفادة الكاملة من كل نقطة قوة مذكورة ضمن استراتيجية أوسع للفوز في المنافسة مع بكين. حيث يرى النائب الأمريكي أنه “يمكننا البدء بمجرد الحضور فحسب. حيث إن مشاركة بايدن في الجمعية العامة للأمم المتحدة وقمة العشرين، ووجود نائبة الرئيس كامالا هاريس في قمة آسيان، وزيادة التفاعل الوزاري الأمريكي مع دول المحيطين الهندي والهادئ وقارتي أفريقيا وأمريكا اللاتينية هي خطوات مهمة. لكننا نستطيع فعل المزيد حتى نُظهر للعالم أن القيادة الأمريكية ستظل قائمة بحق”، حسب تعبيره.

تعزيز الشراكات التمويلية واستغلال النفوذ الثقافي

يرى كريشنامورثي أن واشنطن عليها استغلال أفضليتها على صعيد الابتكار حتى تعزز اتصال العالم بالمخترعين والمبتكرين الأمريكيين. إذ حققت الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي بدايةً كبيرة باستثمارات منها تمويل بنك التصدير والاستيراد لمشروعات الطاقة الشمسية في أنغولا، وجهود شركة تمويل التنمية الدولية للمساعدة في تمويل مراكز البيانات بغانا. 

ويجب أن تستغل هذا الزخم بتقديم دعم قوي لشركة تمويل التنمية الدولية، والتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والوقف الوطني للديمقراطية من أجل تحسين الحوكمة، فضلاً عن مكافحة الفساد وتأسيس شراكات بين القطاعين العام والخاص على مستوى العالم في قطاعات رئيسية مثل: التقنية المتقدمة والمعادن الحيوية والطاقة الخضراء.

ويمكن لواشنطن استغلال نفوذها الثقافي، إذ يجب أن تزيد التفاعلات بين الناس من أجل تكوين تفاهمات أفضل بين الثقافات والدول، بما في ذلك إعادة تبادلات منحة فولبرايت مع الصين. ويجب أن نضمن حصول برامج مثل “الموسيقى الأمريكية في الخارج” و”المعسكر التقني” على الموارد التي تحتاجها لبناء جسور التواصل بين الناس. علاوةً على أننا يجب أن نعزز دعمنا للصحفيين المستقلين في الخارج، حتى يعلو صوت الحقيقة على أصوات الدعاية.

في النهاية يقول كريشنامورثي: من المؤكد أن جميع هذه الخطوات تُعتبر في متناول أيدي واشنطن، لكننا قد نخسر السباق بسهولة لو تركناها تنسل من بين أصابعنا. حيث زادت الصين ميزانيتها الدبلوماسية بأكثر من 12% خلال العام الجاري، بينما يبلغ عمر مبادرة الحزام والطريق نحو عقدٍ كامل. 

وربما تعاني تلك المبادرة من تراجع رغبة بكين في تمويل مشروعات البنية التحتية القديمة الضخمة، لكن المبادرة تواصل تكيفها مع الواقع بالتركيز على المشروعات الأصغر. وحتى لو فوّت شي جينبينغ حضور اجتماعات قمة العشرين والجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر/أيلول؛ فسنجد أن الحزب الشيوعي الصيني يفرش السجادة الحمراء لزعماء العالم بصفةٍ دورية.

ولا يمكن أن نقبل بخيارات مواكبة الصين أو التخلف عنها في السباق. بل يجب علينا أن نكون أكبر، وأسرع، وأكثر جرأة في نهجنا. ويجب أن نشارك في اللعبة بهدف الفوز. ونحن نعرف كيفية فعل ذلك؛ فكل الأمور تبدأ بمصافحة بسيطة.

(عربي بوست)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: