ما مصير موظفي إذاعة بي بي سي عربي بعد التحول الرقمي؟

ما مصير موظفي إذاعة بي بي سي عربي بعد التحول الرقمي؟

البوصلة – توقّف بثّ إذاعة بي بي سي عربي عبر الأثير بشكل نهائي في 27 كانون الثاني الماضي، وذلك ضمن خطة شاملة لخفض تكاليف هيئة الإذاعة البريطانية وتعزيز محتواها على المنصات الرقمية. منذ افتتاح المذيع المصري أحمد كمال سرور بثّها عام 1938، تحولت إلى إحدى أهم الإذاعات في العالم العربي، وطوال أكثر من 8 عقود، جذبت المستمعين من أنحاء مختلفة إلى برامجها ونشراتها الإخبارية.

وكانت “بي بي سي” قد أعلنت، في أيلول الماضي، عن نيّتها خفض التكاليف سعياً لتوفير 31 مليون دولار، كجزء من تخفيضات أوسع تتجاوز 500 مليون دولار، ورفعت شعار “الزمن يتغير، ولكن لا يتوقف”، معلنةً عن تسريع وتيرة تحول خدماتها صوب المحتوى الرقمي، معتبرةً أنّ قرار الإغلاق “يتماشى مع التغيرات التي طرأت على احتياجات الجمهور حول العالم، وتحول المزيد من الناس صوب المنصات الإخبارية الرقمية”. ولم يكن الإغلاق حكراً على الإذاعة العربية، بل طاول إذاعات “بي بي سي” الناطقة بالفارسية والقرغيزية والهندية والبنغالية والصينية والإندونيسية والتاميلية والأوردية. ومن المتوقع أن يخسر قرابة 400 شخص وظائفهم، من بينهم 71 شخصاً في القسم العربي. وعلى الرغم من توقف البث، فإن بعض البرامج المختارة سيتواصل بثها عبر موقع بي بي سي عربي، إضافةً إلى نشرتين إذاعيتين يومياً؛ إخبارية ورياضية.

وفي هذا الشأن، قال متحدث باسم “بي بي سي”، إن “إعادة هيكلة الخدمة العالمية كانت مدفوعة بالتحديات الشديدة التي يتطلبها تجميد رسوم الترخيص. بذلنا قصارى جهدنا لحماية الخدمات اللغوية من الإغلاق، واتخذنا تدابير لإدارة حالة عدم اليقين التي يشعر بها الموظفون خلال فترة كانت متقلبة وصعبة”.

مصير الموظفين في الإذاعة العربية ليس واضحاً، المعدّة والمقدمة في “بي بي سي عربي” ومساعدة رئيس الاتحاد الوطني للصحافيين في المملكة المتحدة، شيرين يونس، قالت: “لا أستطيع ذكر أسماء بموجب القانون البريطاني، لكن هناك مجموعة من الموظفين تبلغت بأنّها ستغادر الإذاعة، ويفترض حصولها على تعويض مناسب. آخرون لا يزالون ينتظرون من أجل التقدّم للوظائف التي سيعلن عنها داخل بي بي سي، أو سيُختارون من ضمن الفريق الذي سيبقى للعمل في لندن عبر الإنترنت”.
وأضافت يونس، أن 30 في المائة من موظفي الفريق سيبقون في لندن، بينما سينتقل الباقون من فريق الموقع الإلكتروني إلى الأردن. وأكدّت أنّ المؤسسة لم تجبر أي موظف على مغادرتها إلى الآن. أمّا أولئك الذين توقّفت وظائفهم في الإذاعة، فقالت إنّهم لا يزالون يتولون مهام أخرى داخل “بي بي سي”، وذلك “حتى الإعلان عن الوظائف الجديدة وتقرير من سيبقى ومن سيغادر، وعندها سنعلم إن كان هناك إجحاف وظلم بحق أي من الموظفين”.

من جهة ثانية، نشر موقع ذا فويس الإخباري، في 3 شباط الحالي، تقريراً زعم أنّ موظفي إذاعة بي بي سي أفريقيا أُعلموا، من خلال اجتماع عقد عبر تطبيق زوم، عن تعليق البرامج التي يعملون فيها، وأن مديرة الخدمة العالمية لمؤسسة البث البريطانية، ليليان لاندور، رفضت الاستماع إلى أسئلتهم. لكن مسؤولة الاتصالات في “بي بي سي” فيلي سبير أكدت، لـ”العربي الجديد”، أن التقرير “غير دقيق”. وأضافت أن لاندور “لم تطرد أي موظف من خلال اجتماع عبر زوم، كما لم ترفض الإجابة عن الأسئلة”. وقالت سبير: “وضعنا تفاصيل الاقتراحات لجميع الموظفين في سبتمبر، وتابعنا ذلك أيضاً بمكالمات مع الفريق الإقليمي. وخلال هذه الجلسات، أجابت ليليان (لاندور) وفريقها عن أكبر عدد ممكن من الأسئلة، كما سجلت الجلسات وأتيحت داخلياً لمن فاتتهم. وقمنا بإعداد جلسات منتظمة للموارد البشرية، وصندوق بريد إلكتروني مخصص لمزيد من الأسئلة والتعليقات. ومنذ ذلك الحين، عقدنا أيضاً العديد من جلسات مشاركة الموظفين للزملاء، لتقديم آرائهم واقتراحاتهم حول الخطط المقترحة، بالإضافة إلى تقديم حزمة دعم لمساعدة الموظفين على تجاوز هذه الفترة”. وعن المناسبة الوحيدة التي لم تُطرح فيها أسئلة، بيّنت المتحدّثة باسم “بي بي سي”، لـ”العربي الجديد”، أنّها كانت أثناء مكالمة موجزة مع قادة الفريق، للتأكد من حصولهم على التفاصيل كافة قبل مكالمة الموظفين، كي يتمكنوا من الإجابة عن الأسئلة.


جاء في تقرير “ذا فويس”، الذي استند إلى تصريحات موظفين لم تكشف هوياتهم، أنّ بعض التخفيضات في الوظائف حصلت فعلاً، بينما ينتظر الموظفون بقلق أنباء عن إعادة التوزيع للوظائف المتوقعة هذا الشهر. وتشمل التخفيضات الوظائف في تلفزيون بي بي سي في الصومال الذي أغلق في يناير. ومن المقرّر انتقال بعض برامج بي بي سي أفريقيا التي ألغيت إلى المنصّات الرقمية.

من جهة ثانية، تحاجج هيئة الإذاعة البريطانية بأنها لا تقلص الخدمات، بل تحدّثها، مع تحولها من البث الخطي التقليدي على التلفزيون والراديو. ومع ذلك، فلن تصبح “بي بي سي الصومال” رقمية، لأنّ المديرين التنفيذيين للشركات قرّروا أن تغطية الإنترنت في الصومال ليست جيدة كفاية.

ويرى الاتحاد الوطني للصحافيين أنّ وزارة الخارجية يجب أن تموّل الخدمة العالمية لـ”بي بي سي” مباشرة، كما كانت تفعل قبل عام 2011، لافتاً إلى الفوائد المباشرة التي تحظى بها الحكومة من خلال القوة الناعمة والتأثير الذي تحصل عليه في أنحاء العالم كافة من خلالها.

بدوره، علّق الكاتب والصحافي ورئيس منتدى التفكير العربي في لندن، محمد أمين، في حديثه لـ”العربي الجديد”، عن إغلاق إذاعة بي بي سي عربي، فقال إنّه “أمر محزن، لأنّ العالم العربي يحتاج باستمرار لفضاءات ومساحات إضافية للحرية”. وأضاف: “عقب إغلاق بي بي سي، برز جدل وردود أفعال مختلفة ومتباينة. لكني أرى أنّها كانت لفترة طويلة منبراً وصوتاً حراً وفّر للمستمع العربي نافذة لأخبار بلاده بمصداقية، بعيداً من الإعلام الحكومي الشمولي الذي كان يسيطر على المنطقة العربية في ذلك الوقت ويبث الأكاذيب، خاصة في الخمسينيات والستينيات. وخير مثال على ذلك، الإعلامي المصري أحمد سعيد الذي كان يبث الانتصارات، بينما استيقظ المواطن العربي على هزيمة نكراء عام 1967. وظلّ المواطن العربي، خلال حقبة ما بعد الاستعمار، يعاني من حصار إعلامي واحتكار الحكومات الإعلام والخطاب الإعلامي. لذلك، كان يلجأ إلى الإذاعات الغربية لسماع أخبار بلاده. وظلت الإذاعات والتلفزة العربية أجهزة دعاية للأنظمة وأداة في صراعاتها الإقليمية والدولية، ومنبراً لتوزيع التّهم على المعارضين ونعتهم بالخونة. واستمر ذلك حتى نهاية التسعينيات عندما بدأت الفضائيات العربية الخاصة تكسر هذا الاحتكار”. وأضاف أمين: “حقيقة على الصعيد السياسي، يعكس تخلّي المملكة المتحدة عن القوة الناعمة تناقضاً، في الوقت الذي تقول فيه إنها تريد أن تقدم نفسها كقوة عالمية بعد بريكست (انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي)، ويؤشر عإلى الأزمة المالية واضطراب الرؤية السياسية لبريطانيا التي تعاني أزمات متعددة بعد هذه الاتفاقية”.

العربي الجديد

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: