محادين لـ”البوصلة”: هكذا نوقف استباحة الفضاء العام وانتهاك السلم المجتمعي

محادين لـ”البوصلة”: هكذا نوقف استباحة الفضاء العام وانتهاك السلم المجتمعي

عمّان – رائد صبيح

تتواصل شكوى المجتمع الأردني بحلول فصل الصيف وما يرتبط به من مناسباتٍ كثيرةٍ تتجلى فيها مظاهر انتهاك “الفضاء العام” والاعتداء على خصوصية الآخرين، من مواكب الخريجين وزفات العرسان وأبحاث التخرج، وأصوات الدراجات النارية في منتصف الليل في الشوارع بين الأحياء السكنية وحتى سيارات الإسعاف التي تطلق “زامور الإنذار” على الرغم من أنّ الشوارع تكون فارغة، وأعمال الإنشاءات والمشاريع الحكومية، وغيرها الكثير من القصص التي لا يمكن حصرها.

البوصلة” حاورت الخبير وأستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين حول هذه القضية، لتضع المجتمع والدولة أمام مسؤولياتهم، حتى تخرج أفراح الأردنيين ومشاريعهم أيًا كانت بصورة حضارية تحافظ على صورة الأردن ولا تخدش “الفضاء الخاص” ولا تقلق الراحة العامّة، وتجعل المجتمع وأفراده يتعاملون بطريقة تمتلك حساسية أكبر تجاه أي انتهاكٍ صارخٍ للفضاء العام وأيّ انتهاكٍ للسلم المجتمعي.

الأستاذ الدكتور حسين محادين: الثقافة السائدة بحاجة لضبط وتنظيم وإعلاء قيمة احترام خصوصية الآخرين

أنماط التنشئة واستباحة الفضاء العام

ويرى الأستاذ الدكتور حسين محادين في تصريحاته لـ “البوصلة”، في قراءته للمشهد من منظور علم النفس الاجتماعي وقراءتة الجذر الظاهر للمشكلة، أنّ أحد أنماط التنشئة الاجتماعية في مجتمعنا الأردني لا تركز كثيرًا على “الفضاء العام”، وهذا يجعلنا نرى أنّ كل ما هو مشتركٌ مع الآخرين يتم اختراقه في أحيانٍ كثيرة، فيما التركيز في ثقافتنا يتم غالبًا على ما هو “خاصٌ أو داخليٌ”.

ويتابع بالقول: لنأخذ أمثلة، أنّ الاهتمام بالنظافة المبالغ فيها، هو داخل المنزل، والبعض من شأنه أن يلقي بالمخلفات في الشارع العام.

ويلفت محادين إلى أنّ فكرة الشارع العام، تقوم على “الإباحة” بشكلٍ أو بآخر، أي أنّ البعض يعتقد خاطئًا أنّ بوسعه ممارسة ما يود فعله حتى لو كان هذا الفعل يؤذي الآخرين، لكنّ المهم في مثل هذه “المسيرات أو مواكب الفرح أو غيرها”، أنّ الذات الناقدة (الإنسان الواعي في الظروف العادية يحسب الأمور بأنّ هذا السلوك مقبولٌ أو  غير مقبول)، تذوب هذه الذات الناقدة، وتتحول إلى كتلة بشرية متدحرجة تعتدي على المعايير، التي كانت تضبط السلوك، وتحترم الآخرين.

إقرأ أيضًا: محادين لـ”البوصلة”: هكذا علينا مواجهة تآكل “الرأسمال الاجتماعي”

ويستدرك بالقول: لذلك، نلاحظ أنّ عددًا من هذه المواكب لا تلتزم بالإشارات الضوئية، على سبيل المثال، أو أنّها تحتك مع رجال الأمن عندما تكون هناك حالة خطرة تستوجب التنبيه وهكذا.

ويضيف إلى ما سبق: “أنّ الأصوات وهي بشكلٍ عام تستخدم وسائل تكنولوجية ذات نبرة عالية وأصوات مؤذية، وهذه الفكرة بالأساس كيف يمكن أن نتعامل مع الفضاء العام، في الأفراح في ساعات متأخرة ببعض المناطق نجد أن هناك استمرارًا للحفلات لساعات متأخرة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعتدي على خصوصيات الآخرين، وهكذا الحال مع المواكب”.

الكتل الجمعية العمياء

ويحذر محادين من أنّ الأخطر من ذلك أن السلوك الجمعي (يمثل كتلة تكاد تكون عمياء)، يتجلّى في ظهور الناس والأفراد من النوافذ أو على ظهر السيارة أو البعض يجلس إلى مقدمتها بشكلٍ أو بآخر، بحجة أنّ هذا فرح، والبعض يستخدم “وسائل طيّار مثل السبري (مادة للرش)” ويطلقها باتجاه آخرين ليسوا معنيين بالفرح.

ويلفت إلى أنّ هذا السلوك الجمعي يشكل تهديدًا و عدم انضباط، ويصعب التنبؤ بسلوكات جمعية مؤذية، ولا نستطيع التنبؤ بمآلاتها ونهاياتها، أي أن البعض يصل في تجاوزه إلى “إطلاق العيارات النارية”، رغم أنّ القانون يحظر ذلك.

ويضيف أنّ هذه الجموع تشكل نوعًا من الغرور لدى أفرادها، وبالتالي تشعر في سلوكها وتعبيراتها أنّها أقوى من النظام العام، بل تكون أجرأ على كسر هذا النظام والانتقاص من ضبطه وقدرته على الاستمرارية.

ويقول محادين: إنّه يتوقع عادة من هذه الجموع سواءً كانت في افراح أو جماهير ومظاهرات، أن ينمو لديها سلوكٌ لإثبات ذاتها عبر التحطيم، وهو نوعان: تحطيم النظام العام والاعتياد، وتحطيم الموجودات والممتلكات، ولذلك من الضروري التذكير بأنّ هناك خطورة في فقدان العقل الفردي الناضج إلى خواصه وقدرته على التحكم بنفسه أثناء انخراطنا في مثل هذه الكتل البشرية المتدحرجة.

ثقافة سائدة بحاجة لضبط

ويلفت محادين إلى أنّ هذه المنظومة التي تؤثر على مثل هذه السلوكات بحجة الفرح، هي جزء من الثقافة السائدة، التي تحتاج إلى تنظيم وضبط، والأهم من ذلك احترام الآخرين.

ويشير إلى أنّ هذه الممارسات نجدها في بعض “الكافيهات” العامّة، وأنّ البعض عندما يجلس إلى طاولة يعتقد أنّه احتلّ الفضاء العامّ لهذا المرفق أو ذاك، بصوتٍ عالٍ واعتداء على الخصوصيات وفتح الهاتف الخلوي، وفتح الأغاني الخاصة به ضمن مجموعته، الخ.

إقرأ أيضًا: محادين لـ “البوصلة”: “الوجدان الشعبي” ينبه صنّاع القرار لخطورة المساس بالأمن المجتمعي

ويخلص للقول: إذن، العلاقة بين الفضاء الخاص بالناس، والعلاقة مع الفضاء العام (أي الشارع وغيره)، هي إشكالية ثقافية وسلوكية واضحة، ومن شأنها أن تعطي تصورًا غير حضاريٍ عن المجتمع الأردني، الذي يتسم بأنّه مجتمع معلم.

ويتابع بالقول: في حين على الجهة المقابلة، فإنّ العديد من الأردنيين عندما يذهبون إلى دول العالم الأخرى، يكونون أكثر انضباطًا وامتثالاً للنظام العام.

من الجهة التي تتحمّل المسؤولية؟

وحول الجهة التي تتحمّل مسؤولية ضبط مثل هذه السلوكات الخاطئة، يرى محادين أنّ سلوك الضبط الاجتماعي يجب أن يتمّ ضمن مستويين، وهو المستوى الداخلي المتعلق بالأفراد والذي يتربط بالثقافة والقيم الدينية واحترام الآخرين والعادات والتقاليد، وهذه يجب أن نتشربها من خلال مؤسسات التنشئة بدءًا من الأسرة مرورًا في المؤسسات الدينية وغيرها، وصولاً للإعلام.

ويشير إلى أنّ المستوى الثاني يتمثل بالضبط القانوني، الذي يقوم من خلال تنفيذ السلطة التنفيذية لهذه القوانين التي من شأنها أن تنظيم وتحافظ على خصوصيات الآخرين، لا بل بعض هذه المواكب تمثل تهديدًا للوجدان العام أولاً، وتمثل تهديدًا للشارع والنظام العام، خصوصًا أنّ البعض يتفوه أحيانًا بعبارات خادشة، وعبارات ذات مغزى جهوي مناطقي أو ما شابه ذلك، ونلاحظ ذلك في جموع جماهير كرة القدم وبعض الألعاب الرياضية، مثل هذه الممارسات العامّة التي يجب أن نقف لتقييمها وضبطها والعمل على الارتقاء بالذائقة العامّة للأفراد، وصولاً لسلوك متوازن ومقبول.

ويختم محادين تصريحاته لـ”البوصلة” بالقول إنّ الأردنيين منحازون للفرح بطبعهم، لكن هذا الفرح لا يجب أن يخدش أو يؤذي وجدان الآخرين، والذين نحبهم من أهل المجتمع من أصدقائنا ومجاورينا.

 (البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: