محادين لـ “البوصلة”: يجب تعميق مبادرة “لا لهدر الطعام” وتعميمها بكل المدن الأردنية

محادين لـ “البوصلة”: يجب تعميق مبادرة “لا لهدر الطعام” وتعميمها بكل المدن الأردنية

أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين لـ “البوصلة”:

– نسبة التعليم الكبيرة في الأردن لم تنعكس على سلوكاتنا الاستهلاكية

– لنا في بنوك الطعام قدوة حسنة ومقدرة لمساعدة إخوتنا المحتاجين

– المظهرية في المناسبات وثقافة الصورة وهدر الطعام تجرح مشاعر إخواننا الفقراء  

– لا ضروة لإشهار المناسبات التي يقدم فيها الطعام بمواقع التواصل الاجتماعي

– علينا أن نعمّق مضامين التكافل الاجتماعي الصامت بمشاركة الفقراء طعامنا

– المبادرات الداعية لوقف هدر الطعام يجب أن تترافق بحملات توعية حقيقية

– لمواجهة هدر الطعام علينا إعادة النظر في ترتيب الأوزان والمقاسات وطرائق التقديم

– الإستراتيجية الوطنية للحماية المجتمعية مبادرة تسهم بتخفيف وطأة الفقر

عمّان – رائد صبيح

أشاد أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين بمبادرة “لا لهدر الطعام” التي أعادت إحياءها وزارة الزراعة بالتعاون مع العديد من الجهات المختصة، مؤكدًا على ضرورة تعميم مثل هذه المبادرات لما لها من آثار إيجابية تخفف من حدة الفقر وتوصل الطعام للأسر الأردنية الأشد حاجة بطريقة تحفظ كرامتهم وعفتهم. 

وقال محادين في تصريحاته لـ “البوصلة“: لا شك أنّ الطعام يمثل العنصر الأساسي لاستمرارية الحياة، وبالتالي نجده حاملاً لقيمٍ متنوعةٍ ولكنّها أساسية في تحقيق الجتماع أي الإنسان، لعلّ في أولها قيم التكافل التي ألفها المجتمع الأردني كمجتمعٍ انتقاليٍ من أطراف البادية إلى أطراف المدينة مرورًا بالريف.

وتابع بالقول: بالتالي بقيت كثيرٌ من العادات تحمل جذورًا مرتبطة بقيم الصحراء المختلفة، وأقول الصحراء تشخيصًا لأنّ الفضاء المفتوح أمام الناس ارتبط بكبر الحجم، وبكبر الأدوات التي نتعامل معها.

ولفت إلى أنّ الأردنيين دائمًا يحبون كل ما هو كبير، يحبون الوعاء الكبير والبيت الكبير والديوان الكبير وألقاب كبيرة.

د. حسين محادين: استمرار التعاطي مع الطعام بالطريقة التقليدية الخاطئة يحرم الفقراء

وأضاف أنه “بقيت كثيرٌ من هذه الجذور مؤكدة في التعامل حتى الآن رغم انحسار النسب المئوية لأهلنا الموجودون في البادية، وكثيرة الهجرات من البادية للريف فالمدينة، وهكذا، وبقيت هذه الجذور لأنها مرتبطة بالقيمة المعنوية والتنشئة الاجتماعية التي عاش عليها أفراد الأسرة الأردنية عبر الأجيال”.

وقال محادين: كثيرًا ما نسمع أنّ “العين التي تأكل، وليس البطن أو الفم”، فالعين تعني بالضرورة أنّ هناك شيئًا كبيرًا، وليس بعيدًا عنّا فكرة المنسف كوجبة جامعة للأردنيين بكل المعاني، في دورة حياتهم من الميلاد إلى الوفاة، وما بينهما من مناسبات مرتبطة بـ “اللمّة الاجتماعية” والكثرة.

نسب التعليم والتصرفات الاستهلاكية

واستدرك بالقول: لكن الذي نلاحظه أنّ هناك نسبة مرتفعة في التعليم لدى المجتمع الأردني لكنّها لم تنعكس على تصرفاتنا الاستهلاكية، وبقيت طرائق تفكيرنا ودعواتنا للناس، وطرائق استضافتنا وهي قيمة نبيلة يجب التأكيد عليها، لكن أيضًا مطلوب التحذير منها بأنّ هناك مبالغات شاسعة ولا تستقيم مع حالة الضغوط الاقتصادية التي يعيشها الأردنيون أفرادًا ودولة.

وشدد محادين أنه يجب علينا إعادة النظر في ترتيب آلية توزيع الطعام وتقديمه ومظهره، مع الاحتفاظ بهويتنا التي نعتز بها وهي هوية الكرم والقيم الإنسانية والاستضافة.

ولفت بالقول: لكن هذه ليست متناقضة على الإطلاق مع ما يأكل الإنسان أو يخصص للفرد، ضمن الوجبات المتبادلة، أو المستضافون عليها، بحصة منطقية معقولة.

وتابع: فنلاحظ استمرار تعاطي الناس مع المنسف بالطريقة التقليدية، يحرم الكثير من الآخرين الذين نؤمن أننا جزء منهم، وأننّا وهم جزء من الإنسانية الأكبر.

وقال محادين: فحريٌ بنا أن نعيد النظر في ترتيب الأوزان والمقاسات وطرائق التقديم، وبالتالي نقول أيضًا أنّ هناك هدراً واضحًا والدراسات تشير إلى أن الأرقام التي يهدرها الأردنيون في الطعام دون استخدامه مرتفعة جدًا ولا تستقيم مع الإمكانيات الحقيقية لهم.

الجرأة في إدارة شؤون الطعام

وأشار محادين في تصريحاته لـ “البوصلة” أنّه إذا كان الأردني أحيانًا يستدين كي يكرم ضيفه، فعليه بالجرأة نفسها على الاستدانة، أن يكون جريئًا في تنظيم وإدارة شؤون الطعام شكلاً ومضمونًا وواجبًا للضيف.

وعبر عن أسفه من أنّنا أبناء الثقافة مسكونون بالآخر، “كل على كيفك، وإلبس على كيف الناس”، والآخرون يشغلون كثيرًا من حياتنا رغم أنّهم لا يسهمون معنا في تدعم النفقات وهكذا.

وقال محادين: حريٌ بالتذكير بما يجري في الأعراس، حيث نلاحظ مظهرية مبالغ بها جدًا، ولعلّ وسائل التواصل الاجتماعي منحت بعض الناس من خلال ما أسمّيه بـ “وهم الصورة” أن يزيد من مظاهر ما يقدم دون حسابٍ منطقي ومعقول.

وأشار إلى أنّه “لا يختلف إثنان بأنّ هناك واجباتٍ اجتماعية، لا نستطيع التخلي عنها، لكن يتفقان على ضرورة ترشيد الاستهلاك”.

كل ما هو زائد عن الحاجة إسراف

وقال محادين: نحن لا نتحدث عن إنقاص ما يقدم للضيف أو الزائر، لكن نقول إنّ كل ما هو زائد عن الحاجة هو شكلٌ من أشكال الإسراف، وبالتالي المبادرات التي من شأنها أن تجعل من هذه المناسبات فرصة للتكافل والتعاضد في المجتمع الأردني يجب أن نعمقها، لماذا؟ لأنه لا يعقل ونحن نعيش في منطقة أو حيٍ ما بعضنا يساهم في استضافة الآخرين بأعدادٍ هائلةٍ من خارج المنطقة، والمجاورون والأكثر قربًا لا يشاركوننا بمثل هذه المناسبات المرتبطة بالغذاء.

واستدرك بالقول: دون أن ننسى أنّ الطعام بطبعه جامعٌ للناس وكأنه الفطرة الأولى للإنسان، وبالتالي علينا أن يكون عنواننا “المشروك مبروك”، وأن يكون عنواننا، أنّنا نبالغ في إظهار مثل هذه المناسبات التي من شأنها أن تخدش عفة كثير من الفقراء الذين نحترم ونقدر، من خلال ثقافة الصورة وبثها عبر مواقع التواصل المختلفة.

وأضاف بالقول: لا أرى ضرورة في إشهار بعض المناسبات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذا لا يعقل أن تستضيف شخصًا ما وتقوم بتصوير ما قدمته، أو من باب الأدب يسعى الضيف إلى شكر مضيفه، ويقوم بنشر صور أنواع المائدة المتنوعة مقابل أناس قد لا يستطيعو أن يجدوا الحد الأدنى للكفاف.

وشدد محادين على أننا عمليًا وأخلاقيًا عرب ومسلمون نحتاج للعلم أن فكرة التكافل ليست فقط في تقديم الأشياء المادية، ولكن الحيلولة دون خدش مشاعر من لم يتمكن من توفير الحد الأدنى لأسباب العيش، خصوصًا أنّ الأسرة الأردنية بطبعها ذات عدد كبير والضغوط الاقتصادية في تنامٍ مطّرد.

ولفت إلى أنّ “علينا أن نعمّق مضامين التكافل الاجتماعي الصامت، وليس الهدف منه إعلام أو تشهير أو إشهار، نحن نتحدث عن علاقة مرتبطة بقيمة مهمة في ثقافتنا العربية الإسلامية، وهي قيمة الزكاة والتكافل مع الفقراء وتقديمها بأشكالها المختلفة، ومن بينها الطعام والاستضافة”.

يجب أن تكون للفقراء حصة كريمة من طعامنا

وقال محادين: أعتقد أنّ أهلنا من الفقراء والذين نحبهم، هم الأولى أن ينالوا حصة كريمة بما يليق بعفتهم على الدوام.

وأضاف، نحن في المجتمع الأردني ألفنا أن قيم الجوار والقيم الإنسانية هما محركان أساسيان لتوجيه سلوكاتنا وإظهارها على الملأ.

ونوه بالقول: إنّ مثل هذه المبادرات يجب أن تترافق معها حملات توعية، فصحيح أنّ العمل مع المؤساست المتخصصة عمل مقدر للقائمين عليه ولأصحاب المؤسسات، لكنّي اعتقد أننات بحاجة لحملة مستدامة تقوم على إظهار المزايا الدينية والاجتماعية للتكافل مع الفقراء والحيلولة دون الإسراف.

وقال محادين إنّ “الاقتصاد لا يعني البخل، ونؤكد أنّ مثل هذه الريادة من وزارة حكومية والمشاركين فيها أفرادًا ومؤسسات محط احترام وتقدير ونسعى أن نعممها بشكلٍ يطال كل مناطق الوطن الحبيب، مع التذكير دائمًا أنّ تقديم المساعدة والطعام للآخر يجب أن يكون بشكلٍ لائقٍ وبشكلٍ مقبول وأن يحترم الضيوف أيضًا، خصوصًا في المناسبات التي تحتوي فيها على المنسف، وأن يحترم الضيوف أنّ هناك من سيأتي من بعدهم على مائدة الطعام ويكملوا ما بدأوا فيه، وهذا واضح في المناسبات التي يكثر فيها المنسف ونجد أنّ البعض خطأ يمارس نوعًا من الخراب في المائدة دون أن يتذكر أنّ هناك أناسًا آخرين بحاجة ويمكن أن يستفيدوا من ذلك”.

ونوه محادين إلى أنّ “لنا في بنوك الطعام قدوة حسنة ومقدرة، ونريد أن نتذكر أنّ هناك أخًا أو أسرة بحاجة للاهتمام به وإن لم يكن حاضرًا بيننا لكنّ حضوره يتجلى في نوعية وكيفية تقديم المساعدة له لأنّ الناس المتعففون هم الفئة الأكثر من الفقراء في أردننا الحبيب”.

الإستراتيجية الوطنية للحماية المجتمعية تساهم بتخفيف حدة الفقر

وفي سياقٍ آخر، قال محادين في سياق إشادته في المبادرات التي تخفف من الفقر والبطالة وتساعد الأسر الأردنية على توفير العيش الكريم، إنّ النظر لمبادرة “لا لهدر الغذاء” يذكرنا بأنّ هناك الاستراتيجية الوطنية للحماية المجتمعية التي تقودها الحكومة عبر أجيال، وهي مبادرة مستمرة حتى عام 2025، وتقوم على دعم من هم الأكثر فقرًا من جهة أساسية، وهناك الدعم التكميلي التي تقوم به هذه الإستراتيجية، إضافة إلى أنّ كل الجهات التي تمول حالات الفقر كاملة، تسعى لتخفيف حدة هذا الفقر بأشكاله المختلفة، ومنها دعم أجور الطلبة في المدارس، ودعم الكهرباء، وكلها سعي حقيقي للوصول إلى الشرائح المستحقة.

وأضاف، أنّ المهم في الموضوع أنّ الدولة الأردنية تشجع مثل هذه المبادرات، ونحن في الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية، نقول إنّ هناك إنجازاتٍ كبيرة، وقد تم الإشادة بهذه الإستراتيجية لنجاحاتها المختلفة، وهذه الإستراتيجية التي تقودها وزيرة التنمية الاجتماعية وكل المؤسسات الوطنية الداعمة التي من شأنها أن تدعم تنوع اختصاصاتها ولكنها تهدف بالمجمل للتخفيف من ضغوط الحياة ودعم الناس الذين يستحقون هذا الدعم من الطلبة كشريحة متخصصة، ومعيلي الأسر بشكل أو بآخر، والأماكن الأشد فقرًا والأكثر حاجة للدعم.

ولفت إلى أنّ كل هذه العوامل تدعم نجاح هذه الإستراتيجية نحو تعميق قيم العمل وتطويرها في ظل تعديل اتجاه الشباب نحو القبول بالعمل المتاح في السوق بعيدًا عن النظرة الاجتماعية الخاطئة أحيانًا التي تحول دون التحاق شبابنا ببعض الأعمال المعروضة وهي مقدرة، لأنّ العمل برمته ضمن هذه الإستراتيجية هو عملٌ مقدسٌ ومقدر، واليد الخشنة مفضلة على اليد التي تتلقى الدعم أو تمد نفسها لتلقي ما يمكن أن يجود به آخرون، وهذا ما نتمنّى أن نعمل جميعًا من أجله وكلٌ من زاويته لتحقيق فرص الحياة الكريمة لجميع الأردنيين.

وزارة الزراعة تنسق مع 15 مبادرة مجتمعية لوقف هدر الغذاء

تواصلت وزارة الزراعة مع نقابة أصحاب المطاعم وجمعية الفنادق الأردنية، للاستفادة من الطعام الزائد في مؤسسات لديها عضوية فيها وإعادة تدويره أو توزيعه، وفق رئيسة قسم المنظمات ومقررة اللجنة الوطنية للأمن الغذائي ندى فريحات.

وقالت فريحات لـ “المملكة”، الاثنين، إن الوزارة لا تزال مستمرة في العمل ضمن مبادرة “لا لهدر الغذاء” التي أطلقها وزير الزراعة خالد الحنيفات في تشرين الثاني 2022، والتنسيق بين الجهات المعنية.

وتسعى وزارة الزراعة، في إطار الجهود الرامية إلى تحسين إدارة هدر الغذاء في الأردن، إلى تعزيز حوكمة إدارة الهدر عن طريق إنشاء مظلة وطنية لتعزيز قدرات المبادرات التي تُعنى بإدارة هدر الغذاء بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي.

وأجرت الوزارة بالتعاون مع البرنامج العالمي تقييما أولياً لمبادرات تعمل على إدارة هدر الغذاء ووقفه، حيث تبيَّن أن هنالك عددًا من المبادرات المحلية التي ينفّذها أفرادٌ ومشاريع ومؤسسات تلعب دوراً حيوياً في مجال إدارة هدر الغذاء، من خلال جمع الفائض، وإعادة تدويره أو توزيعه.

كميات الهدر: 950 ألف طن سنويا تشكل 30% من غذاء الأردنيين

وقال وزير الزراعة ورئيس مجلس الأمن الغذائي خالد الحنيفات، في وقت سابق، إن الوزارة أطلقت بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة مشروعاً لتمكين ودعم المبادرات المحلية التي تعمل في مجال إدارة هدر الغذاء في الأردن.

وأشار إلى أن لدى الأردن “هدراً كبيراً جدا” في الغذاء لا يتناسب مع دولة تعاني من قضايا اقتصادية صعبة، موضحا أن الطعام المهدور في الأردن يصل لحوالي مليون طن، مبينا أن كميات الهدر في الغذاء، وفق دراسات سابقة، تصل إلى 950 ألف طن سنويا تشكل 30% من غذاء الأردنيين وتعمل على هدر 50% من حلقات الإنتاج.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: