محادين يحذر: تقرير مؤشر السعادة العالمي رسالة لصنّاع القرار لتعديل المسار

محادين يحذر: تقرير مؤشر السعادة العالمي رسالة لصنّاع القرار لتعديل المسار

أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين محادين لـ “البوصلة”:

– تذيل الأردن لمؤشر السعادة العالمي لا يمكن تجاهله فهو يعكس الواقع الحقيقي.

– الدراسة رسالة لصانع القرار بكل عناوينه للالتفات للداخل وتصحيح الأخطاء.

– مؤشر السعادة المتدني للأردنيين سيشكل انعكاسًا واخزًا لنفسية المواطن.

– سنبقى تحت المجهر الدولي حتى نتجاوز نقاط الضعف

– ارتفاع نسب البطالة والفقر والطلاق والعنف مؤشرات على “تعاسة الأردنيين”

عمّان – رائد صبيح

حذر الخبير وأستاذ علم الاجتماع بجامعة مؤتة الدكتور حسين محادين في تصريحاته لـ “البوصلة” من أنّ النتائج التي أظهرها مؤشر السعادة العالمي الصادر عن الأمم المتحدة للعام 2021، لا يمكن تجاهله لا سيما وأنّه يمثل مرآة اممية تضعنا أمام الواقع والحقيقة، مشددًا على ضرورة أن تشكل هذه الدراسات التي تمثل مخزونًا معرفيًا دقيقاً رسالة لافتة وموجهة لصانع القرار بكل عناوينه نحو الانتباه إلى الداخل.

واكد محادين أن النتائج المشار إليها في التقرير تمثل انعكاسًا واخزًا على نفسية المواطن الأردني، لا سيما وأن ارتفاع نسب البطالة والفقر ونسب الطلاق والعنف المجتمعي مؤشرات واضحة لصدقية ما أورده التقرير.

وطالب صنّاع القرار بضرورة أن نقف وقفة تحليلية من شأنها أن تدلنا على نقاط الضعف والقوة وأن نعمل إجرائياً على السعي لتجاوزها لأننا في كل عام سنبقى تحت المجهر الدولي.

مقدمة لا بد منها

وقال محادين: لنعترف بداية أنّ من مصاحبات العولمة بعيد تسعينيات القرن الماضي هو تسيد المفاهيم والمؤشرات الإنسانية العابرة للجغرافيا وسيادة الدول الوطنية.

ونوه إلى أنه لم يعد ذكر الحقائق والمعطيات من منظور علمي مرتبط بقرار سياسي لهذه الدول، فأصبح العالم بعيد العولمة وسيادة التكنولوجيا وظهور المؤشرات الحقيقية لوقائع الدول النامية، في المنظمات الدولية المختلفة، مرتركزات أساسية لإعطاء المواطن الكوني “المواطن الجديد” بعد العولمة، معرفة دقيقة وحرية لحظية، في تحديد موقع ومناسيب حياته مقارنة بالدول المتقدمة والأقل تقدمًا.

وأضاف، لذلك جاءت الشرعية الدولية ومنظماتها بما فيها الأمم المتحدة كي تمثل إرادة إنسانية بالمجمل، وبالتالي لم يعد هناك إمكانية للدولة الوطنية أيًا كانت في إخفاء الحقائق أو تضليلها أو حتى منع تدفق المعلومات التي أصبحت نوعًا من “المشاع البشري” وبكل اللغات.

وأشار إلى أنه يكفي أن نتعلم من هواتفنا الخلوية التي بوسعها أن تربط الفرد مع كل لغات الأرض خلال ثواني، وبالتالي يصبح هذا الإنسان من كائنٍ متلقٍ للتفصيلات والآراء الرسمية الحكومية إلى إنسانٍ مطلع وواسع الاطلاع على ما يجري في العالم.

دراسات لا يمكن تجاوزها

واستدرك الخبير بعلم الاجتماع بالقول: لذلك لا نستطيع علميًا أن نتجاوز مثل هذه الدراسات الأممية لأنها مرتبطة أيضًا بشبكة العلاقات التي تؤكد على الشرعية الدولية وضرورة سيادتها كجزء من الأمن والسلام العالمي، وثانيا دعم وتقديم المساعدات للدول النامية التي تتطور أداءاتها على مثل هذه المقاييس العالمية، وثالثًا لأن الاتفاقيات الدولية قد تقدمت من حيث وجوب التطبيق على القوانين المحلية.

ولفت إلى أن هذه المؤشرات الثلاث، تجعلنا بحاجة ماسة إلى النظر لهذه المرآة الأممية التي لا تخذلنا بل تضعنا أمام وقائعنا الرقمية والعلمية والتطور.

ا.د. حسين محادين: الدراسة مرآة أممية تضعنا أما واقعنا بالحقائق والأرقام

الأردن والتأثر بالإقليم

وأضاف بالقول: الآن على صعيد الأردن لا بد من التذكير أن الأردن خلال السنوات والعقود الأخيرة تأثر كجزء من الإقليم في كثيرٍ من الأمراض السياسية والكثير من الضغوط الاقتصادية، وما جائحة كورونا ومصاحباتها وتوالداتها عنّا ببعيد.

ونوه إلى أن هذا شقٌ تشخيصيٌ أولي لكن التحدي الأكبر للأردنيين حكومات ومواطنين، كيف استطاع الأردن أن يتكيف مع هذه المعطيات وما هي مؤشرات النجاح أو الإخفاق التي يمكن أن نرصدها على المسيرة الاقتصادية أو الاجتماعية للدولة الأردنية منذ تسعينيات القرن الماضي، أي بعيد سيادة القطب الواحد وسطوة الخصخصة على حياة المواطنين في ظل غياب اقتصاد اجتماعي يحمي الشرائح الفقيرة ويتدرج معها وصولاً إلى حرية السوق المعمول بها الآن.

وتابع محادين: هذه التغيرات التي شهدها الأردن قادت إلى تمزق وتدني منسوب الحياة بصورة واضحة، فارتفاع نسب البطالة والفقر وارتفاع نسب الطلاق والعنف المجتمعي الأردني، كلها مؤشرات دالة على أنّ هناك نوعًا من الارتخاء في النسيج الاجتماعي والوجداني لدى المواطن الأردني، نحو مسيرة وإنجازات الحكومات المختلفة في المجمل.

واستدرك بالقول: لذلك يمكن أن نعزوا مثل هذه الأرقام الأممية إلى طبيعة التغيز المزدوج على صعيد تغير المجتمع الأردني باتجاه حرية السوق المفتوحة، وجشع رأس المال باتجاه الأرباح، وغياب توزيع مكتسبات التنمية، وضعف العلاقات المختلفة بين الدول، وتدني نسب المساعدات التي كنّا نتكئ عليها عربيًا وعالميًا.

انعكاس واخز لنفسية المواطن

وتابع محادين حديثه لـ “البوصلة” بالقول: بالتالي أصبحت هذه النتائج المشار إليها في التقرير تمثل انعكاسًا واخزًا على نفسية المواطن الأردني، فلا يكفي أن نتحدث عن ثبات الرواتب على سبيل المثال دون زيادات وتحسن في ظل كل هذه الضغوط، ولكن نقول أن الإنسان الأردني يشعر أحيانًا أنه بحاجة لسيادة العدالة ومحاربة الفساد بالمعنى القانوني والواضح، وبحاجة لإعادة توزيع فرص المشاركة الشعبية بصورة ديمقراطية ذات منسوب أعلى ممّا هي عليه.

وأشار إلى أنّه “من الطبيعي أن نشعر أن هناك تراجعًا نسبيًا في أداء مؤسسات الحكومات المختلفة، وتراجعات في دافعية الإنجاز لدى المواطن الأردني في ظل هذه المعطيات خصوصًا وأن الإقليم الذي نعيش فيه يشكل قاعدة ومرجلاً مضافًا لجعل نفسية المواطن الأردني أعلى توترًا وأعلى نقصًا في الخدمات وفرص التطور المستقبلي من مثيلاتها”، منوهًا في الوقت ذاته إلى أن الأردن كان على مدار عقود طويلة بصورة منافسة على صعيد الدول العربية ودول العالم النامي، لكن ما ذكره التقرير وهو يستند إلى مؤشرات علمية معلومة وطبقت على العالم برمّته، دون تمييز.

رسالة لصنّاع القرار

وشدد على أن هذه النتائج التي قرأناها والتي أتمنّى أن يستفيد منها صانع القرار السياسي وأن يعمل على إعادة تفعيل التشاركية وتحسين مستوى العيش وعناوين الحياة اليومية.

ونوه إلى أن الأهم من ذلك العمل على زيادة واقع وحقيقة التشارك في ميزانية الدولة وكيفية توزيعها، سواء عبر مجلس النواب أو عبر المؤسسات المجتمع المدني وبمشاركة المواطن.

وقال محادين: نحن بحاجة أن نقف وقفة تحليلية من شأنها أن تدلنا على نقاط الضعف والقوة وأن نعمل إجرائياً على السعي لتجاوزها لأننا في كل عام سنبقى تحت المجهر الدولي وفي كل يومٍ نحن مسكونون فيما يمكن أن تفرزه مثل هذه المؤشرات من حيث انعكاسها وارتباطها مع شكل وحجم المساعدات التي تصل الأردن كبلدٍ نامٍ في ظل ارتفاع تكاليف الحياة في المجتمع وزيادة نسبة البطالة، واتساع الفجوات التنموية بين المحافظات والعاصمة، واستئثار القطاع الخاص بحركة الاقتصاد مقابل انسحاب متسارع للقطاع العام، فيما يتعلق بالتوظيف  والحماية الاجتماعية بالمجمل، وبما في ذلك ضبط الأسعار وغيرها من الواجبات الأساسية التي يجب أن تقوم بها الحكومات كونها أحد أذرع الدولة الأردنية التي يالتي تحتفل بالمئوية الثانية وباتجاه المستقبل.

وختم محادين حديثه لـ “البوصلة” بالقول: أخيرًا، إن مثل هذه الدراسات تمثل مخزونًا معرفيًا دقيقاً من شأنه أن يلفت ويوجه صانع القرار بكل عناوينه نحو الانتباه إلى الداخل وإيلائه جل عنايته لأنّ الذي من شأنه أن يعمّق النسيج الاجتماعي والوجداني الشعبي الوطني، هو الذي بوسعه أن يتفاعل مع الآخر الأبعد بصورة متوازنة قائمة على اساس تبادل المنفعة ولكنها قائمة أيضًا على مستوى فتح الأسواق وإمكانية حركة المواطن وانتقاله لهذا العالم الرحب الذي لم يعد يأبه بلون البشرة أو بالمعتقد أو بالانحدار الاجتماعي للمواطن الكوني الجديد، ويركز بالدرجة الأساس على الكفاءة والتطور وإمكانية المنافسة للأفراد والجماعات في زيادة الإنتاج وتحقيق ما من شأنه أن يرتقي بمستوى وتكاليف الحياة بصورة أفضل.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: