محاكاة التوهج الشمسي.. محاولة لفهم آلية توليد الجسيمات العالية الطاقة

محاكاة التوهج الشمسي.. محاولة لفهم آلية توليد الجسيمات العالية الطاقة

محاكاة التوهج الشمسي.. محاولة لفهم آلية توليد الجسيمات العالية الطاقة

تعددت النظريات التي تحاول تفسير نشأة المجال المغناطيسي للأرض، فمنها ما يقول إنه ناتج عن وجود رواسب كبيرة من الحديد النقي التي تمغنطت مع مرور الوقت مكونة مغناطيسا دائما عملاقا، ومنها ما يقول بوجود تيار كهربائي قوي يمر عبر القلب الخارجي السائل للأرض الذي يحتوي على كميات من الحديد المنصهر الشديد التوصيل مكونا مجالا مغناطيسيا.

ولكن الثابت هو أن هذا المجال المغناطيسي يمثل درعا واقيا من موجات التوهجات الشمسية التي تحتوي على الجسيمات العالية الطاقة الضارة والأشعة السينية وتشتيتها إلى الفضاء، والتي كان يمكنها إحراق سطح الأرض بما عليها من حياة.

آلية غير معروفة

وعلى الرغم من معرفة العلماء لهذه الحقيقة، فإن آلية توليد الشمس لهذه الجسيمات العالية الطاقة والأشعة السينية كانت غامضة، وذلك يرجع إلى أن تسارع الجسيمات يحدث على نطاق أصغر من دقة المشاهدة التي توفرها التكنولوجيا الحالية، ولذلك لجأ مجموعة من العلماء من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (CalTach) إلى محاولة محاكاة حلقات كورونا في المختبر.

وحلقات كورونا أو حلقات الهالة هي أقواس من البلازما تبرز من سطح الشمس بمحاذاة خطوط المجال المغناطيسي التي تعمل كطرق سريعة للجسيمات المشحونة، وتوجه حركة الإلكترونات والأيونات التي تتكون منها البلازما.

يذكر البيان الصحفي الذي نشره معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في السادس من أبريل/نيسان الجاري أنه يمكن أن تستمر الحلقات التي قد ترتفع 100 ألف كيلومتر فوق سطح الشمس من دقائق إلى ساعات، وعادة ما تنمو الحلقات وتتطور ببطء، ولكن في بعض الأحيان يمكن أن تنفجر فجأة كمية هائلة من الطاقة إلى الفضاء أقوى بمليارات المرات من أقوى انفجار نووي على الأرض.

صورة متحركة للاستخدام الداخلي فقط - - - بيان الصحفي حول قيام العلماء بمحاكاة التوهجات الشمسية في المعمل California Institute of Technology
حلقات الهالات الشمسية لا تبدو كأنها بنية واحدة بل تتكون من خيوط كسرية مضفرة تشبه الحبل الكبير (كالتك)

التوهج الشمسي في المختبر

هذا الانفجار المفاجئ للطاقة يسمى التوهج الشمسي، وتأخذ بعض طاقة هذا التوهج شكل جسيمات مشحونة وأشعة سينية عالية الطاقة، وهي موجات كهرومغناطيسية عالية الطاقة مثل تلك المستخدمة في تصوير العظام في عيادة الطبيب، ويعرف عن هذه الطاقة أنه يمكنها تعطيل الاتصالات وشبكات الطاقة، كما أنها تشكل تهديدا مستمرا للمركبات الفضائية ورواد الفضاء في الفضاء.

قام بول بيلان أستاذ الفيزياء التطبيقية في مختبر توماس جيه واتسون، الأب، للفيزياء التطبيقية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، ببناء غرفة مفرغة بداخلها أقطاب مزدوجة، وقام بشحن مكثف بطاقة كافية لتشغيل مدينة باسادينا لبضعة ميكروثانية، ثم فرّغها من خلال الأقطاب الكهربائية لإنشاء حلقة هالة شمسية مصغرة.

تدوم كل حلقة قرابة 10 ميكروثانية ويبلغ طولها نحو 20 سنتيمترا وقطرها بحدود سنتيمتر واحد، ولكن من الناحية الهيكلية فإن حلقات بلان متطابقة مع الحلقات الحقيقية، وذلك يتيح له ولزملائه الفرصة لمحاكاتها ودراستها حسب الرغبة.

خيوط مضفرة من الطاقة

يقول بلان، الباحث الرئيسي للورقة البحثية الجديدة التي نُشرت في دورية “نيتشر أسترونومي” (Nature Astronomy)، إن كل تجربة تستهلك ما يقرب من الطاقة التي تحتاج لتشغيل مصباح بقدرة 100 وات لمدة دقيقة تقريبا، ويستغرق شحن المكثف بضع دقائق فقط”، ويلتقط بلان الصور بكاميرا قادرة على التقاط 10 ملايين إطار في الثانية، ثم يقوم بدراسة الصور، وقد اكتشف من بين الاكتشافات الحديثة الأخرى أن حلقات الهالات الشمسية لا تبدو كأنها بنية واحدة، بل تتكون من خيوط كسرية مضفرة تشبه الحبل الكبير.

Coronal loops imaged by the Transition Region And Coronal Explorer spacecraft. (NASA)
الفريق يخطط فيما بعد لاستكشاف كيفية دمج حلقات البلازما المنفصلة وإعادة تنظيمها في تكوينات مختلفة (ناسا)

يقول يانغ جانغ طالب الدراسات العليا والمؤلف الرئيسي للورقة البحثية “إذا قطعت الحبل، فستجد أنه مكون من ضفائر من خيوط فردية. افصل تلك الخيوط الفردية عن بعضها، وسترى أنها ضفائر من خيوط أصغر، وما إلى ذلك. حلقات البلازما يبدو أنها تعمل بالطريقة نفسها”.

وقد اتضح أن هذا الهيكل مهم لتوليد الجسيمات النشطة وانفجارات الأشعة السينية المرتبطة بالتوهجات الشمسية، فالبلازما موصل كهربائي قوي وعندما يحاول كثير من التيار المرور عبر حلقة الهالة الشمسية يتغير تركيبها وتتطور الحلقة إلى التواء (عدم استقرار على شكل لولبي) وتبدأ الخيوط الفردية بالانكسار، وكل خصلة مكسورة جديدة تفرغ الضغط على الأجزاء المتبقية.

حالات من عدم الاستقرار

يقول سيث بري، باحث ما بعد الدكتوراه في الفيزياء التطبيقية وعلوم المواد والمؤلف المشارك للورقة البحثية، “مثل الشريط المطاطي المشدود للغاية، فإن الحلقة تصبح أطول وأكثر نحافة حتى تنفجر الخيوط”. وعند دراسة العملية بالميكروثانية، لاحظ الفريق ارتفاعا سلبيا للجهد مرتبطا بانفجار الأشعة السينية في اللحظة ذاتها التي انكسر فيها الخيط، هذا الارتفاع في الجهد يشبه انخفاض الضغط الذي يتراكم عند نقطة الانخناق في أنبوب الماء، ويسرع المجال الكهربائي الناتج عن ارتفاع الجهد هذا الجسيمات المشحونة إلى طاقة قصوى، ثم تنبعث الأشعة السينية عندما تتباطأ الجسيمات النشطة.

بالإضافة إلى ذلك، قام جانغ بتمشيط صور التوهجات الشمسية وتمكن من توثيق حالة عدم استقرار مشابهة لتلك التي أنشئت في المختبر والتي ارتبطت بانفجار الأشعة السينية اللاحقة، ويخطط الفريق فيما بعد لاستكشاف كيفية دمج حلقات البلازما المنفصلة وإعادة تنظيمها في تكوينات مختلفة، وهم مهتمون بمعرفة ما إذا كانت هناك أيضا أحداث انفجار للطاقة أثناء هذا النوع من التفاعل.

الجزيرة

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: