مطالبات بمعالجة انتهاكات حقوق العمال قبل الاحتفاء بعيدهم

مطالبات بمعالجة انتهاكات حقوق العمال قبل الاحتفاء بعيدهم

عمّان – رائد صبيح

يحتفي الأردن مع كل دول العالم بعيد العمّال في الأول من أيّار في كلّ عام، لكنّ المناسبة تحّل هذه المرة في ظروفٍ تتكشف من خلالها معاناة العمّال والأوضاع الصعبة التي يتعرضون لها، الأمر الذي يفرض الدعوة والمطالبة من قبل الخبراء والمراكز المختصة بالحقوق العمّالية بمعالجة السياسات الاقتصادية المطبقة لتحسين ظروف العمل ومعالجة الانتهاكات الصارخة بحقهم قبل الاحتفاء بعيدهم.

تحسين شروط العمل

وفي هذا السياق أكد المرصد العمالي الأردني أن السياسات الاقتصادية التي طبقتها وما تزال تطبقها الحكومة فاقمت التحديات التي يواجهها العمّال في الأردن، وأضعفت من مشاركتهم الاقتصادية، ما أثر سلبا على الاقتصاد الوطني.

وبين المرصد أن سوق العمل الأردني ما يزال يعاني من اختلالات عديدة أدت إلى تراجع شروط العمل، وبالتالي حرمان قطاعات واسعة من العمال من التمتع بحقوقهم والتغول عليها، أكان من حيث الأجور المتدنية أو الحمايات الاجتماعية الضعيفة أو حتى عدم توفر فرص عمل.

جاء ذلك في تقرير أصدره المرصد التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، اليوم ، بمناسبة يوم العمال العالمي.

وأشار المرصد إلى أن العديد من العاملين والعاملات يواجهون تحديات عديدة في سوق العمل تمنعهم من المشاركة الاقتصادية الفعالة، حيث التباطؤ الاقتصادي ومعدلات البطالة التي ما تزال مرتفعة مقارنة مع معدلات البطالة التاريخية في الأردن، ومعدلاتها في غالبية دول العالم، إذ كانت قبل جائحة كورونا (19.2) بالمئة ووصلت إلى (21.4) بالمئة في الربع الرابع من العام 2023.

وأوضح المرصد أن برامج التشغيل في الأردن التي تعتمد عليها الحكومة منذ سنوات في تخفيض معدلات البطالة لم تنجح في الوصول إلى هدفها، لأنها تغافلت عن الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع معدلات البطالة المتمثلة في تراجع قدرة الاقتصاد الوطني على توليد فرص عمل كافية لطالبيها، وهذا يعود إلى اختلالات في السياسات الاقتصادية التي أرهقت الاقتصاد والمجتمع بالضرائب غير المباشرة.

كما أسهمت سياسات التعليم بشكل ملموس في زيادة معدلات البطالة، حيث التوسع في التعليم الجامعي الأكاديمي على حساب التعليم المتوسط والتقني والمهني، بينما حاجات سوق العمل تتجه نحو الوظائف الفنية والمهنية والتكنولوجية.

مشكلة الأجور والحماية الاجتماعية

وفيما يخص مستويات الأجور، لفت المرصد إلى أن مستويات الأجور في الأردن متدنية جدا مقارنة مع المستوى المعيشي الذي يشهد ارتفاعات مستمرة بين فترة، ونبّه إلى أن هناك احتمالات لمواصلة الارتفاعات في معدلات التضخّم خلال الفترة المقبلة، جرّاء العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، والاضطرابات في البحر الأحمر وباب المندب، ما يتطلب إعادة النظر بالأجور ورفعها، بما يُمكّن المواطنين من استيعاب آثار تلك الارتفاعات وتخفيف الأعباء عنهم.

وبالنسبة للحمايات الاجتماعية، بين المرصد أن نحو نصف القوى العاملة في الأردن ما تزال غير مشمولة بمظلة الضمان الاجتماعي، ورأى أن منظومة الحماية الاجتماعية في الأردن تتراجع أكثر فأكثر كل عام، وبخاصة بعد التعديلات التراجعية الأخيرة التي طرأت على قانون الضمان الاجتماعي والتي سمحت للقطاع الخاص بتخفيض نسبة الاشتراكات الشهرية لتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة بنسبة أقصاها 50 بالمئة عن المؤمن عليهم الأردنيين الذين لم يكملوا سن الـ30 ولم يسبق لهم الاشتراك بالضمان الاجتماعي وفق نظام يصدر لهذه الغاية، على أن يتم شمولهم بتلك التأمينات بشكل كامل اعتبارا من تاريخ إكمال سن الثلاثين.

الاستثناءات وضعف التشريعات

وأكد المرصد أن استثناء الشباب من أهم تأمين يوفره الضمان الاجتماعي يتعارض مع جوهر عمل المؤسسة التي تهدف الى توسعة الشمول وبكافة التأمينات، ويحمل تمييزا ضد الشباب.

أما فيما يتعلق بالسلامة والصحة المهنية، فقال المرصد إن هناك ضعفا في تطبيق التشريعات الخاصة بالسلامة والصحة المهنية على المنشآت، ما أدى إلى تفاقم وفيات وإصابات العمل.

إذ ارتفعت نسبة إصابات العمل المعتمدة لدى المؤسسة لعام 2022 بنسبة (13.1) بالمئة عن العام 2021، وأن معدلات وقوع الإصابة ما تزال مرتفعة نسبيا من حيث الشدة، إذ سجّلت المؤسسة إصابة عمل كل (30) دقيقة في جميع القطاعات.

وأوصى المرصد بمراجعة سياسات التشغيل للوصول إلى هدفها، والتركيز على تأسيس المشاريع الإنتاجية التي تولد فرص عمل حقيقية في صفوف العاطلين عن العمل وبخاصة الشباب.

كما أوصى بضرورة إعادة النظر بسياسات الأجور باتجاه رفعها بما يتناسب مع المستوى المعيشي في الأردن، وتطوير نظم إنفاذ التشريعات العمالية، لوضع حد للتجاوزات التي تجري عليها، وتمكين العاملين والعاملات من التمتع بظروف عمل لائقة.

معالجة الانتهاكات

من جانبه قال الخبير في التأمينات الاجتماعية موسى الصبيحي في كل عام نسمع تصريحات مخملية من المسؤولين بمناسبة عيد العمال، لكننا لا نسمع منهم كلمة واحدة عن الانتهاكات التي يتعرض لها العمال في مواقع وقطاعات وبيئات عمل عديدة.!

ولفت إلى أنّ من بين الانتهاكات أن أكثر من 18% من المشتغلين في القطاعات المنظّمة ما زالوا غير مشمولين بمظلة الضمان الاجتماعي (التهرب التأميني)، وكذلك المعلمون والمعلمات العاملون في مجال تعليم اللاجئين السوريين لا يحظون بحقوق كاملة.

وأوضح الصبيحي أن من بين الانتهاكات أيضًا إقرار الشمول الجزئي للشباب بتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة، وكذلك معلمو ومعلمات مراكز محو الأمية وتعليم الكبار وبقية العاملين في هذه المراكز ما زالوا محرومين من حقوقهم الأساسية.

وأشار إلى أنّ الكثير من موظفي شراء الخدمات العاملين في وزارات ومؤسسات رسمية وعامة ما زالوا محرومين من الشمول بمظلة الحماية الاجتماعية للضمان، فيما ارتفعت معدلات حوادث وإصابات العمل وفقاً لبيانات مؤسسة الضمان الاجتماعي بسبب عدم توفر بيئة عمل صحية آمِنة.

ومن الانتهاكات التي أبرزها الخبير: إرغام الآلاف من الموظفين والعاملين في القطاع العام على التقاعد المبكر عبر إنهاء خدماتهم بسبب استكمالهم شروط التقاعد المبكر دون طلبهم، فضلاً عن أمراض مهنية عديدة يُصاب به العمال دون أن يتم تشخيصها واكتشافها إلا في أوقات متأخرة.

ويؤكد الصبيحي، أنّه وفقاً للتقديرات فإن ما لا يقل عن (100) ألف طفل يعملون في سوق العمل الأردنية ومنهم مَنْ يعمل في بيئات عمل خطرة.

وينوه إلى أنّ من بين الانتهاكات: غياب الحماية للعاملين في قطاعات العمل غير المنظمة والذين يُقدّر عددهم بأكثر من (900) ألف عامل وعاملة في المملكة.

ويوضح الصبيحي أنّ إصرار الحكومة على عدم رفع الحد الأدنى للأجور، والتراجع عن قرار سابق برفعها، يشكّل انتهاكاً أيضاً لحقوق العمال.

ويقول: إنّ فئات واسعة من العمال محرومون من أي نوع من أنواع التأمين الصحي والطبابة، فضلا عن  العاملين في مهن خطرة غير مُسجَّلين لدى الضمان، وكذلك حرمان حوالي (25) ألف عامل توصيل طلبات (Delivery ) من الشمول بأحكام قانوني العمل والضمان الاجتماعي.

كما يشير إلى أنّ هناك حقوقًا منتقصة للكثير من معلمي ومعلمات المدارس الخاص، ومن ضمنها عدم تقاضي الحد الأدنى للأجور.

ويسلط الصبيحي الضوء على الواقع المؤلم للعاملات في الحيازات الزراعية، وما فيها من انتهاكات.

ويحذر الخبير من غياب الكثير من معايير العمل اللائق للعمال مثل: الأجور العادلة، تحريم السخرة في العمل، حظر العمل الجبري، حظر التمييز في مجال التشغيل والمهنة، ضمان تكافؤ الفرص والمساواة، حظر عمل الأطفال، توفير آليات وأنظمة مرنة للشكاوى العمالية الفردية والجماعية، مظلة حماية اجتماعية شاملة للعامل تشمل التعويضات والإعانات المتعلقة بإصابات العمل. وتدابير السلامة والصحة المهنية. السكن العمالي الملائم. المساواة في المعاملة بين الرجال والنساء. توفير التدريب والمشاركة الحرة في التعبير عن الرأي.إتاحة إمكانيات التطوير والإدماج الاجتماعي.

 حملة “أسبوع العمّال”

من جانبه أطلق مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية والمرصد العمالي الأردني حملة “أسبوع العمّال” من يوم الأربعاء الموافق 24 نيسان وحتى الثالث من أيار.

ويأتي إطلاق الحملة بمناسبة يوم العمّال العالمي الذي يصادف الأول من أيار، واليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية الذي يُصادف 28 من نيسان.

وتهدف الحملة إلى تسليط الضوء على واقع السلامة والصحة المهنية في أماكن العمل، وظروف العاملين والعاملات والانتهاكات الواقعة عليهم، ورفع الوعي لدى العمّال وأصحاب العمل بالنصوص القانونية العمّالية.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: