من خلال التعاون العدائي.. العلماء يتسابقون لتحديد مفهوم الوعي

من خلال التعاون العدائي.. العلماء يتسابقون لتحديد مفهوم الوعي

من خلال التعاون العدائي.. العلماء يتسابقون لتحديد مفهوم الوعي

هناك نوع جديد من التجارب التي من شأنها أن تقربنا خطوة أخرى نحو استيعاب مفهوم الوعي البشري. وفي تقريره الذي نشره موقع “بلومبيرغ” (Bloomberg) الأميركي، قال الكاتب أندرياس كلوث إنه مفتون بمجموعة من التجارب القادرة على رفع الوعي البشري.

وتستهدف التجارب فهم ماهية “الوعي” وكيفية عمله، وتحديد الحيوانات التي تتمتع بوعي، ولماذا يفقد الناس وعيهم في بعض الأحيان، وما إن كان بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يجعل أجهزتنا مدركة لذاتها؟

التعاون العدائي

وذكر الكاتب أن الطريقة المتبّعة في هذه الدراسات قد تقودنا إلى نهج أفضل لإجراء البحوث في العلوم والمجالات الأخرى. وفي عالم ما وراء الحقيقة، من شأن هذا النهج أن يكشف لنا عن بعض سبل تسوية بعض النزاعات الأخرى بنزاهة فكرية.

تعرف هذه المنهجية بـ”التعاون العدائي”. وفي المجالات العلمية كما في الحياة، يوجد العديد من النظريات حول مختلف المواضيع، لكن المنطق يقول إنه لا يمكن أن تكون جميعها صائبة في الوقت ذاته. ومع ذلك، يصمد العديد من النظريات إلى أجل غير مسمى.

وفي هذه الحال، يكمن الحل في دعوة مؤيدي الروايات المتضاربة لتحديد نقطة تناقض يمكن إخضاعها للاختبار، وهذا ما يسمح بكشف زيف النظريات الخاطئة وتحقيق تقدّم جيّد.

أشار الكاتب إلى أن هذه الفكرة ليست حديثة العهد، ففي عام 1919، استخدم عالم الفلك البريطاني آرثر إدينغتون كسوف الشمس لاختبار نظريتين متعارضتين، كانت الأولى قانون الجاذبيّة لإسحاق نيوتن، والثانية نظرية النسبية العامة لألبرت آينشتاين، وكانت الغلبة لنظرية آينشتاين. ولكن لم يكن هناك بحث واسع النطاق من هذا النوع مع مشاركة نشطة للعلماء المتنافسين.

تسعى مؤسسة “تمبلتون الخيرية” العالمية (The Templeton World Charity Foundation) إلى تغيير ذلك، حيث تمول هذه المنظمة غير الربحية الأبحاث حول بعض أهمّ الأسئلة الإنسانية، خاصة تلك التي تجمع بين العلم والروحانية، ومن بينها الوعي، إذ لطالما كان البشر مفتونين بهذا المفهوم وتعتريهم الحيرة بشأنه.

سعي حثيث لفهم الوعي

يتساءل الكاتب عن سبب امتلاك البشر للوعي، وماذا يحدث عندما نفقده، كما هي الحال في الغيبوبة أو النوم بلا أحلام أو التخدير، ولماذا لا تسبب إصابة المخيخ الذي يحتوي على 69 من أصل 86 مليار خلية عصبية موجودة في أدمغتنا، فقدان الوعي، في حين أن إلحاق الضرر بمناطق أخرى يسبب ذلك؟

تكتسي هذه الأسئلة بعدا أخلاقيا.. هل لدى الأطفال حديثي الولادة أو الخدج أو الأجنة وعي؟ وإذا كان للقرود وبقية الرئيسيات وعي، فهل ينطبق الأمر ذاته على بقية الكائنات مثل الأخطبوط والنحل؟ ولعل السؤال الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للبعض هو ما إذا كانت آلاتنا وخوارزمياتنا، التي تستطيع هزيمة البشر بالفعل في لعبة الشطرنج، واعية يوما ما؟

ونقل الكاتب عن داود بوتغيتر، وهو عالم من جنوب أفريقيا يدير مشروع تمبلتون، أن فريقه حدد حوالي 12 نظرية معقولة عن الوعي، ثم قاموا بتقسيمها إلى أزواج بحيث يمكن دحض إحدى التجارب في كل مجموعة. واليوم، أصبحت أول تجربة قيد التنفيذ في 6 مختبرات منتشرة بين الولايات المتحدة وأوروبا والصين، حيث يجري الباحثون المسح الضوئي للمشاركين ويصلونهم بالأسلاك.

نظريتان

وأشار الكاتب إلى أن هذه التجارب تختبر ما يسمى بـ “نظرية مساحة العمل العالمية” (global workspace theory) التي يؤيدها ستانيسلاس ديهان، مقابل “نظرية المعلومات المتكاملة” (integrated information theory) لجيوليو تونوني.

ونظرا لصعوبة فهم كلتا النظريتين لأنهما معقدتان للغاية، طلب مساعدة لوسيا ميلوني من معهد ماكس بلانك في فرانكفورت لتشرح له هذه المفاهيم من خلال بعض الاختصارات العقلية.

ولفهم “نظرية مساحة العمل العالمية”، ذكرت ميلوني أنه ينبغي تخيل النظام العصبي على أنه مسرح هائل، حيث تجلس جميع الخلايا العصبية في الظلام وتهمس وتحفز بعضها بعضا، أي تطلق المعلومات وتتبادلها، ولكنها غير واعية بأي شيء بعد. ولكن ما إن يعتلي شخص ما المسرح (مساحة العمل) وتُسلّط عليه كل الأضواء حتى يحظى باهتمام جميع الخلايا العصبية، مما يبعث رسالة لاستبعاد الدردشة الأخرى. وهذا يعني ببساطة أن الوعي هو ما نشعر به عند إدراك مفهوم هذه الرسالة.

على النقيض من ذلك، في “نظرية المعلومات المتكاملة”، فإن الوعي ليس رسالة بل بنية سببية معقدة. ويرتكز التشبيه المجازي الذي اختاره جيوليو تونوني من جامعة ويسكونسن في ماديسون (University of Wisconsin-Madison)، على شبكة من الخلايا العصبية التي تكون مثل خريطة ثنائية الأبعاد لمانهاتن تدعم المدينة ثلاثية الأبعاد التي ترتفع منها.

لكن يجب دمج جميع الخلايا العصبية في الهيكل لتحديد أين تبدأ وتنتهي المدينة، لذلك يجب أن تكون جميع هذه الخلايا قادرة على التأثير في بعضها بعضا.

البحث عن الحقيقة

تنطلق هذه النظريات من أطر عمل مختلفة، ولكن حسب ما يتفق عليه كل من ديهان وتونوني، يقدّم كلّ بحث تنبؤات معينة تتعارض مع بعضها بعضا.

ففي “نظرية مساحة العمل العالمية”، يجب أن تُظهر قشرة الفص الجبهي النشاط الأكبر، بينما في “نظرية المعلومات المتكاملة”، يجب أن يضيء الجزء الخلفي من الدماغ في التجارب ذاتها، لذلك يجب أن تكون إحداهما خاطئة.

لا شك أن لا أحد يرغب في معرفة أن مسيرته البحثية قد ذهبت سدى، لكن الأسوأ من ذلك هو البقاء على خطأ، لذلك يعد التعاون العدائي طريقة رائعة لمساعدة العقل على التركيز.

وحسب ميلوني فإنه من الملهم رؤية كلا الفريقين يحاولان فهم النظرية المعارضة في محاولة لتحديد نقاط التداخل، ذلك أنه “لا يمكنك البقاء داخل فقاعتك الخاصة، بل يجب أن تحاول الاستماع جيدا لما يحدث”.

عليك إذًا أن تبحث عن الحقيقة وتتقبلها، ويستحق هذا التمرين أن يوظّف في أي مجال من مجالات الحياة، بما في ذلك السياسة.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: