هل بات إلغاء “دولرة” الاقتصاد العالمي أمرًا حتميًا في ظل نظامٍ ماليٍ مفلسٍ أخلاقيًا؟

هل بات إلغاء “دولرة” الاقتصاد العالمي أمرًا حتميًا في ظل نظامٍ ماليٍ مفلسٍ أخلاقيًا؟

عمّان – رائد صبيح

لم تكن “الحرب الروسية” على أوكرانيا، وحدها ورقة التوت التي سقطت وكشفت عورة النظام الدولي الذي تقوده أمريكا في صراعها مع باقي الأقطاب، بل إنّ “الانتهازية” وانعدام الأخلاق عبثت في كل شيء لنرى هذا الواقع العالمي المفلس أخلاقيًا واقتصاديًا بكل تبعاته وآثاره المرعبة على العالم أجمع وخاصة الشرائح الفقيرة، بحسب قادةٍ دوليين.

كلّ ما يجري في العالم اليوم في ظل غياب عدالة النظام الدولي وانشغاله في الحرب للسيطرة على السلع الإستراتيجية وفرض الهيمنة والنفوذ، وفي ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية بدعمٍ أمريكيٍ وغربيٍ منقطع النظير وإصرارٍ روسيٍ لتحقيق أهداف الحرب المرجوة، دفع الأمين العام أنطونيو غوتيريش لاتهام النظام الدولي بالإفلاس أخلاقيًا وتعطيل نموّ دول العالم وخاصة النامية منها.

لكنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ترك الحرب التي يقودها على أوكرانيا خلف ظهره ونظر للمشكلة العالمية من زاوية أنّ “دولرة” الاقتصاد العالمي هي محل المشكلة الحقيقية التي بات إلغاؤها أمرًا حتميًا لازمًا، فيما تستمر أمريكا باتباع نظريتها الاقتصادية في الثروة وطباعة الدولارات بلا حسيبٍ ولا رقيب رغم الآثار المدمرة على الاقتصاد العالمي وما تركته من ارتفاعاتٍ هائلة في التضخم والأسعار دون أيّ اعتبارٍ لمراعاة مصالح العالم والدول الضعيفة والفقيرة خاصة.

البشير: الأزمة العالمية جوهرها أخلاقي و”الدولرة” تلقت صدماتٍ قوية

من جانبه قال الخبير الاقتصادي محمد البشير في تصريحاته لـ “البوصلة“: أكدت أكثر من مرة عبر صحيفتكم الموقرة أنّ هناك أزمةً ماليةً عالميةً جوهرها أخلاقيّ باعتبار أنّ ما تتصرف به قوى راس المال في العالم تصرف يساهم في انفجارات في أكثر من موقع على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي.

ولفت البشير إلى أنّ ما ذهب إليه جاء “استنادًا إلى أنّ هناك تغولاً حقيقيًا على السلع الإستراتيجية في العالم من قبل النظام العالمي بالإضافة إلى تحكم كثير من قوى رأس المال في الكتلة النقدية لدى البنوك بشكلٍ أو بآخر”.

واستدرك بالقول: “إن تعبيرات ذلك تتمثل في مديونية دول العالم التي غالبيتها تخضع لمديونية عالية تخضع بشكلٍ أو بآخر بالضغط على هذه السلع الإستراتيجية ذات المساس الواسع في الفئات الفقيرة في العالم على وجه الخصوص”.

وأضاف، “بالتالي يكون القاسم المشترك لهذه الأزمات المالية والاقتصادية، هو الأخلاق باعتبار أنّ المنظومة المالية لا تعترف بالأخلاق بقدر ما تعترف بالأرباح وبالتالي تجليات ذلك نرى أنّ قطاع الآي تي على سبيل المثال الذي لا ينتج حليبًا ولا ينتج قمحًا ولا شعيرًا هناك أرباح هائلة تصل إلى مليارات الدولارات في العالم”.

ولفت الخبير الاقتصادي في حديثه إلى “أنّ القوى التي تتحكم بمعارك متعددة على ساحات مختلفة، هدفها الاقتصادي الوصول إلى ثروات هذه الدول خدمة لرأس المال عبر الشركات متعددة الجنسية، بالإضافة لتطويع كثير من مؤسسات المالية المتمثلة في الأسواق المالية على سبيل المثال في السيطرة على ملكيات الكثير من الطبقة المتوسطة والفقيرة التي لديها حصص في بعض الشركات المحلية على وجه الخصوص”.

وتابع، “بهذا المعنى أستطيع القول أنّ الجانب الأخلاقي مغيّب تمامًا من المنظومة الاقتصادية التي تتحكم في العالم، وهذا ينسحب على الدول بالإضافة إلى القطاعات الاقتصادية أي الشركات”.

“نظرية الثروة” فقاعة ستنفجر

وقال البشير: بالنتيجة ما يحصل في أمريكا على وجه الخصوص هو اعتمادهم على “نظرية الثروة” التي نظّر لها اقتصاديون أمريكيون تقول (إطبع إطبع ولا رقابة على الطباعة)، فهذه الطباعة للدولار المنتشرة في العالم قد تكون مدخلاً لفقاعة انفجارية في المستقبل تجعل من مطالبات كثير من القوى والدول خاصة الشرقية منها والدول الآسيوية التي تحاول الاعتماد في تجارتها وعلاقاتها الاقتصادية بعيدًا عن “الدولار”.

وحذر من أنّ “هذا كله سيسهم مستقبلاً في الابتعاد عن الدولار، وإذا حصل ذلك فإنّ حصارًا هائلاً وانفجارًا في الاقتصاد الأمريكي الذي قد يصبح الثاني أو الثالث في الاقتصاديات العالمية”، مؤكدًا على ما ذهب إليه بالقول: خاصة ونحن نشهد التحسن والتطور الكبير في الاقتصاد الصيني على وجه الخصوص بالإضافة غلى اقتصاديات أخرى ذات علاقة في “البريكس” (وهي الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، ودول العشرين.

وشدد على أنّ “الدولار ما زال يتعرض لصدمات وأزمات، لكن بالنتيجة ما زالت قوى رأس المال التي تتحكم بالسلع تتداول به”.

الازدواجية الغربية

“وقلنا في السابق إنه من الغريب جدًا أن لا تتوقف الدول عند الأسعار التضخمية للطاقة، بينما نجد صيحاتٍ أوروبية أمريكية ترغب وتحاول وتسعى لتسقيف النفط الروسي”.

وتساءل البشير: كيف نستطيع القول إنّ لدى الغرب أخلاقيات في هذا السياق، ونشهد كيف يسعون لوقف ارتفاع سعر النفط الروسي دعمًا لأوكرانيا في حربها مع روسيا، بينما لا يفعلون ذلك لوقف الارتفاع الجنوني للأسعار على النفط وباقي السلع على الصعيد العالمي الذي يكتوي بها المواطن الفقير في العالم”.

وختم الخبير الاقتصادي تصريحاته لـ”البوصلة” بالتأكيد على أنّ “هذه مفارقة حقيقية تؤكد مرة أخرى على أنّ الأخلاق غائبة والدولار يتعرض لضغوط متعددة في أكثر من جهة”.

إلغاء دولرة الاقتصاد العالمي أمرٌ حتميٌ

وفي هذا السياق قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الإثنين، إن عملية إلغاء “دولرة” الاقتصاد العالمي باتت “أمرا حتميا”.

واقترح بوتين، خلال اجتماع في موسكو مع الحكومة، مناقشة ميزانية روسيا للسنوات الثلاثة المقبلة، والتي قال إنها ينبغي أن تركز على التنمية وتنفيذ مشاريع بنية تحتية كبرى وتحفيز الأنشطة الاقتصادية.

وأضاف: “ما إن صارت عملية إنهاء الدولرة أمرا حتميا، حتى ظهرت خلافات حول ما يتعين التركيز عليه أكثر، وأين نوجه المزيد من الأموال وما إذا كان من الأفضل التوفير أكثر وخلق وسادة أمان”.

كما أكد الرئيس الروسي أن بلاده تتعامل بكل ثقة مع الضغوط الخارجية التي وصفها بـ “العدوان المالي والتقني من قبل بعض الدول”.

النظام المالي العالمي مفلس أخلاقيًا

وحذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الإثنين، من تعميق معدّلات الفقر وعدم المساواة بين الدول الأعضاء بالمنظمة الدولية (193 دولة)، واتهم النظام المالي العالم بالإفلاس أخلاقيًا وإعاقة نموّ البلدان النامية.

جاء ذلك في كلمته أمام ممثلي الدول الأعضاء في الاجتماع الختامي للدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، في المقر الدائم في نيويورك.

وقال غوتيريش: “عدت للتو من باكستان، ولا يمكن تصوّر رؤية منطقة تبلغ 3 أضعاف حجم بلدي (البرتغال) وهي غارقة في الفيضانات والمعاناة والدمار، على خلفية الصراعات الشرسة التي تعرّض ملايين الأرواح للخطر كل يوم”.

والجمعة، زار غوتيريش باكستان، للتضامن مع ضحايا الفيضانات المدمّرة التي تجتاح البلاد منذ يونيو/حزيران الماضي.

وأضاف أن “تعميق الفقر وعدم المساواة لا يزالان يعيقان الانتعاش والتنمية”، لافتًا إلى “حالة طوارئ مناخية تؤدّي حرفياً إلى إشعال النار في كوكبنا” وفق تعبيره.

وتابع أن “النظام المالي العالمي مفلسٌ أخلاقياً، ويعاقب البلدان النامية ويعيق طريقها نحو الانتعاش المستدام”.

وأكد أن الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة “تميّزت بسلسلة من التحديات العميقة، منها ارتفاع الأسعار وتآكل القوة الشرائية، وتزايد انعدام الأمن الغذائي، وتجمّع ظلال الركود العالمي”.

وأشار إلى التحديات “جائحة كورونا، وظهور حالات طوارئ صحية أخرى مثل جدري القرود، وموجات حرّ قاتلة، وعواصف وكوارث طبيعية أخرى”.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: