هل طوت القمّة العربية صفحة “الربيع العربي” وأحلام الشعوب؟

هل طوت القمّة العربية صفحة “الربيع العربي” وأحلام الشعوب؟

المحلل السياسي د. منذر الحوارات: الأنظمة العربية أجهزت على الربيع العربي مرحليًا لكنّه سيعود في لحظةٍ ما أكثر زخمًا وأشدّ عنفًا

عمّان – رائد صبيح

على الرغم من الجدل الدائر والطروحات المستمرة حول انتهاء حقبة “الربيع العربي” وإسدال الستار عليه، خاصة بعد القمة العربية الأخيرة في جدة، والتي استقبل فيها النظام الرسمي العربي بشار الأسد الأسد وغيره من المنقلبين على الديمقراطيات في بلدانهم بالأحضان الساخنة؛ إلا أنّ البواعث والأسباب التي أدت لهبوب رياح ثورة الربيع العربي وأيقظت أحلام الشعوب العربية بالحرية والعيش الكريم والمشاركة في صنع القرار ما زالت موجودة بقوة، بحسب مراقبين.

ويرى المحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات في تصريحاته لـ “البوصلة” أنّ من الخطأ الكبير أن يعتقد النظام الرسمي العربي بأنّه “أطلق رصاصة الرحمة” على الربيع العربي وأحلام الشعوب العربية بعد قمّة جدة وما أظهرته من استمرار النظام الرسمي بشكله السابق قبل حقبة الربيع العربي، مؤكدًا أنّ الثورة المضادة استطاعت إنهاء الربيع العربي “مرحليًا” لكنّها لم تستطع اجتثاث أسبابه وموجباته التي يمكن أن تشكل في لحظة مستقبلية “صاعق تفجير” لثورات جديدة قد تطيح بكلّ شيء.

وقال الحوارات: يبدو أن الجامعة العربية أرادت أن تطوي صفحة الربيع العربي بالاعتراف بالنظام الرسمي العربي كما هو بدون أي تغيير يحصل، فبقي النظام في أكثر من بلدٍ عربيٍ دون أيّ تغيير، ولكن هذه المحاولة لإلغاء الربيع العربي لا تعني أنها فازت أو انتصرت، حتى وإن أظهرت أنّ ما حصل هو مجرد انتصار للثورات المضادة.

عناصر انبعاث الربيع العربي ما زالت

وأضاف أنّ النظام الرسمي العربي يحاول أن يتهم الربيع العربي وحركة الجماهير العربية أنّها هي السبب في التوترات والحروب التي حصلت، ولكن هذا الأمر غير حقيقي، لأنّه لو قبل النظام الرسمي العربي بالتفاهم مع الناس، والجماهير التي خرجت للمطالبة ببعض الحقوق، لما وصلنا إلى هذا المستوى من الاحتراب الأهلي، ولما وصلنا إلى هذه الدرجة من حالة التشتت.

واستدرك الحوارات بالقول: في الحقيقة، لو حصل أدنى شكل من اشكال النقاش مع مطالب الشارع العربي، لتحقيق أقل المطالب الممكنة، برأيي كنا تجنبنا الكثير من الدماء التي سالت في كثيرٍ من الحروب، ولكن مع الاسف جوبهت المطالب الشعبية بردود قاسية من السلطات في أكثر من مكان، وبالتالي قادت إلى مواجهات مضادة، وهذه بدورها أنتجت التطرف والركوب على ظهرها من قبل بعض التيارات.

د. منذر الحوارات: إذا لم تقدم الأنظمة العربية تنازلات حقيقية لشعوبها فإنّ ثورة الربيع العربي ستنفجر مجددًا في أيّ لحظة

“لكن في الحقيقة ما يمكن أن يُدّعى أنّ المطالب الشعبية للجماهير العربية انتهت، فأنا أعتقد أنها أجلت إلى حين، ربما يستطيع النظام الرسمي العربي أن يحتفي بغيابها أو بانتهائها، لكن في الواقع أنّ الظروف التي أدت وأنتجت الحالة العربية في العام 2010 والعام 2011، ما زالت باقية ولم تتغير”، على حد تعبيره.

وأكد الحوارات أنّ الفقر ما زال يزداد وما تزال البطالة تزداد، وما تزال حرية التعبير غائبة، وما يزال الرأي والرأي الآخر غير مقتنع به حتى الآن، وحقوق المرأة وغيرها ما تزال بعيدة المنال.

وتابع، “بالتالي يمكن الحديث عن انتهاء الربيع العربي في حال تحقق أي تقدم في ما سبق، لكن هذا في الحقيقة لم يحصل”.

وقال الحوارات: لذلك فإنّ عناصر التفجير والعناصر التي ستؤدي لاندلاع المزيد من الاضطرابات سواءً في المستقبل القريب أو البعيد، وهذا مرهونٌ بالزمن وبلحظة إشعال صاعق التفجير، فهذه لا تزال موجودة.

شرعية الإنجاز أم شرعية الصندوق

وأشار المحلل السياسي إلى انّ “النظام الرسمي العربي يحاول أن يغلب شرعية الإنجاز على شرعية الصندوق، وهذا يطيل الأزمة، لأنّ شرعية الإنجاز ثبت أنها تبتدئ بحماسة شديدة وفي دول عديدة، وهذه درست من علماء الاجتماع والسياسة والاقتصاد، حيث تبدأ بحماسة شديدة ثم تبدأ تدخل في ثناياها عناصر الفساد والبيروقراطية وفي النهاية تودي بها وتصبح في إطار مجموعة يد من أصحاب المصالح والمشاريع والتي تحرك السياسة والاقتصاد لمصالحها”.

وشدد على أنّ “تغليب شرعية الإنجاز على شرعية الصندوق هي فكرة زائفة برأيي، ولا يمكن أن يتم الاستغناء عن شرعية الصناديق والرأي العام، لأنه حق في النهاية، ومشروعيات الحكم في العالم لم تعد تستند إلى مشيئة إلهية ولا إلى مشيئة عائلية ولا إلى حالة أرستقراطية أو فرض الأمر الواقع”.

وأكد الحوارات أنّ “شرعية الإنجاز شرعية وهمية لا تستند إلى أسس شرعية أو قانونية أو دستورية، والإنجاز يجب أن يحصل في إطار ديمقراطي وتُتداول فيه السلطة، ويجب أن يكون مبني على المؤسساتية ويكون مبني على حكم الشعب، ويجب أن تبدأ الديمقراطية في الدول العربية حتى نستطيع الولوج إلى التنمية الحقيقية”.

خطوة ديمقراطية بطيئة بداية طريق التنمية

ولفت إلى أنّ “هذا ما حصل في دول عديدة، ففي تركيا ودول أوروبا الشرقية حصل، حيث ابتدأ الحديث عن التحوّل الديمقراطي في العام 1992، وهي قطعت الآن شوطًا كبيرًا ودولها حققت تنمية ممتازة ورضا اجتماعي كبير، وبدأت تتخلص من عوالق الأنظمة السابقة، وتستطيع الآن أن تدّعي أنها دولٌ تسير على مسار الشعوب الحقيقية”.

واستدرك بالقول: لكن دولنا مع الأسف الشديد ما يزال الإطار الرسمي العربي يتحدث عن مقولة واحدة أنّ هؤلاء الناس ما زالوا يعيشون في “حالة طفلية” ولا يستطيعون حكم أنفسهم، وبالتالي هم بحاجة لقوة فوقية تدير شؤون البلاد، وهذا الأمر لا يمكن أن يستمر.

وعبر الحوارات عن أسفه الشديد من أننا اليوم “بانتظار لحظة قادمة من الانفجار قصر الزمن أو طال ومن يقرأ الواقع بغير ذلك أو يحاول أن يتلافاه بأيّ شكل يخطي بقراءة الواقع ويخطي بقراءة المستقبل”.

وختم حديثه لـ “البوصلة” بالقول: إنّ الربيع العربي انتهى مرحليًا، من بعد أن تغلبت عليه الإرادة الرسمية العربية، ولكن في النهاية المشاكل التي أدت إليه ما زالت موجودة، وسيعود من جديد وربما بزخم أكبر وربما بوسائل اكثر عنفًا تطيح بكل شيء، وتعيد البناء من جديد، وهذا ما يخشى منه، ويمكن للنخب السياسية الحاكمة إذا أرادت أن تتجنّب ذلك أن تدير عملية نقاش مع المجتمع المدني ويمكن لها من خلال هذا النقاش أن تقدم تنازلات، ربما تكون بطيئة ولكن يجب أن تبدأ هذه التنازلات وتكون جادة وحقيقية حتى نستطيع أن نتلافى حالة تفجير مستقبلية يمكن أن تخرب كل شيء.

هل كان الربيع العربي “مغامرة” مكلفة جدًا؟

بدوره اكد الكاتب عبدالله المجالي أنّ رياح الثورة المضادة العاتية كانت كفيلة بإقناع قطاع واسع بأن الربيع العربي كان مغامرة مكلفة جدا، وأن تبعاته تفوق الوصف وتفوق المكاسب التي يمكن أن تتحقق منه.

وقال المجالي بمقالته في صحيفة “السبيل”: للأسف فقد كان الوضع في سوريا بمثابة “ماركة مسجلة” للثورة المضادة حيث استغلت ما يجري هناك استغلالًا يفوق الخيال؛ “هل تريد أن يحصل لنا مثل سوريا؟!!”، تلك العبارة انغرزت في صدور المواطنين العرب وعقولهم تغذيها صور الدمار والموت والتشريد والفوضى القادمة من سوريا.

وخلص إلى القول إنه “لا أحد يجادل في أن الربيع العربي لم يعد موجودًا، ولا أحد يجادل في أنه تلقى ضربات قاسية، لكن الناظر لبواعث ذلك الربيع العربي الذي أراد منه المواطنون العرب أن يكونوا شركاء في بلادهم لا مجرد رعايا ينتظرون العطايا، يجد أن تلك البواعث لا زالت موجودة بل تترسخ أكثر وأكثر”.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: