خبير لـ”البوصلة”: استشارة “العدل الدولية” أداة مهمّة لتفكيك الكيان الصهيوني ونزع شرعيته

خبير لـ”البوصلة”: استشارة “العدل الدولية” أداة مهمّة لتفكيك الكيان الصهيوني ونزع شرعيته

عمّان – رائد صبيح

أكد أستاذ القانون الدولي الدكتور محمد الموسى في تصريحاته  لـ “البوصلة” أنّ القرار الذي اتخذته الجمعية العامّة للأمم المتحدة ويقضي بالطلب إلى محكمة العدل الدولية أن تصدر فتوى بشأن الآثار المترتبة على انتهاكات إسرائيل المستمرة لحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير، يمثل نصرًا بالغ الأهمية للقضية الفلسطينية في القانون الدولي باعتباره أحد أدوات تفكيك الكيان الصهيوني وبنيته الاستعمارية وكشف وجهه القذر.

وأوضح الموسى أهمية هذا القرار من خلال شرحه لمهام محكمة العدل الدولية وما تمثله آراؤها الكاشفة لرأي القانون الدولي في الاحتلال وآثاره على الأراضي الفلسطينية المحتلة وتهويد القدس، وما تمثله من نزع الشرعية القانونية عن هذا الكيان المحتل الغاصب.

ولفت إلى أنّ “محكمة العدل الدولية لها اختصاصان، أحدهما قضائي تنازعي، بمعنى أن الدول ترفع قضايا ضد بعضها البعض، ولها اختصاص استشاري بإصدار الفتاوى الاستشارية”.

وأشار إلى أنّ السؤال الذي أحيل من قبل الجمعية العامّة للأمم المتحدة حول هذا الأمر، سبقه سؤالٌ خلال العام 2004 حول التبعات القانونية التي تترتب على إقامة جدار فصل عنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتابع الموسى أنّ هذه الفتاوى القانونية والآراء الاستشارية تأخذ طابع التوصيات وليست قرارات قضائية ملزمة، وإن كان مضمونها يعبر عن موقف القانون الدولي ويقدم تفسيرات له، ولكنها لا تعامل كأحكام قضائية.

وأضاف الخبير في القانون الدولي أنّ الجمعية العامّة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن يملكون بموجب ميثاق الأمم المتحدة توجيه أسئلة لمحكمة العدل الدولية وأخذ فتاوى قانونية وآراء استشارية، في مسائل معينة، كما يجوز لوكالات دولية أذن لها من قبل الأمم المتحدة أن تطلب الرأي أيضًا.

وقال الموسى: ما يهمنا أنّ الجمعية العامة تملك هذا الاختصاص ومارسته الآن ووافقت على طلب رأي استشاري وفتوى قانونية من محكمة العدل الدولية بشأن التبعات القانونية المترتبة على هذا الاحتلال الطويل للأراضي الفلسطينية المحتلة الذي استمر لعقود من الزمن وهو احتلال غير مسبوق في التاريخ، ولذلك نريد رؤية التبعات التي تترتب عليه، وكذلك موضوع الاستيطان في الأراضي المحتلة ووضعه.

وأوضح أنّ الرأي الاستشاري هو باختصار شديد أنه مطلوب من المحكمة أن تبدي رأيها في هذا الاحتلال الطويل وموضوع الاستيطان كذلك في القوانين الدولية والممارسات التمييزية التي يوقعها الاحتلال في الأراضي الفلسطينية وتهويد القدس والأبعاد التمييزية لهذا القرار.

ما أهمية هذه الخطوة وماذا بعد؟

وتابع الموسى حديثه بالقول: الآن في الواقع المحكمة ستتصدى لهذه المسائل، وإذا أردنا المقارنة عادة المحكمة ليس بالضرورة الالتزام بحرفية السؤال المطلوب منها، ففي كثير من الحالات تجيب على كثير من الأسئلة المهمة جدًا وتتوسع فيها، ولكن تكون على صلة بالسؤال الأساسي، يعني مثلا الرأي الاستشاري عام 2004 المتعلق بالجدار، فإن المحكمة توسعت في الإجابات حتى تستطيع الإجابة على السؤال المطلوب منها.

وشدد الخبير في القانون الدولي على أنّ هذا الرأي الاستشاري مهم وكذلك الرأي السابق في 2004 مهم أيضًا لأن السؤال الحالي يستند على أفكار وردت في الرأي الاستشاري السابق، ومنها مسائل كثير مهمة ومطلوبة، وأهمّها تحديد مسؤولية الدول في المجتمع الدولي ومسؤولية الأمم المتحدة إزاء حق انتهاك حق الشعب الفلسطيني في تقرير حق المصير وهو قاعدة آمرة في القانون الدولي.

وأكد أنّ هذا قرار استشاري يدعم ويفتح أيضًا الرأي الاستشاري السابق فيما يتعلق بالجدار، ومن شأن المحكمة أن تعالج جوانب متعلقة بالقضية الفلسطينية بشكلٍ أكثر دقة وبشكل أكثر شمولاً.

وحول الآراء المتشائمة حيال الموقف من المحكمة الدولية، قال الموسى: لنتحدث بصراحة فإن الناس تعودوا تسخيف كل شيء، ولديهم افتراض أن محكمة العدل الدولية يمكن أن تنهي الاحتلال في فلسطين، وتابع حديثه بالقول: نحن عندما نلجأ للهيئات الدولية ندرك أننا لو أقنعنا الصهاينة بأنّ فلسطين ليست لكم، هل سيغادرونها غدًا؟ بالطبع لا.

وقال الموسى: نحن مدركون أن موضوع تحرير فلسطين مرتبط بالمقاومة ونهوض الأمة ومرتبط بعوامل صحيح أنّ القانون يلعب دورًا فيها لكنّها أكثر أهمية من القانون في هذا الإطار.

تفكيك الاحتلال الصهيوني ونزع الشرعية عنه

وأوضح الخبير في القانون الدولي عددًا من المسائل، قائلا: على سبيل المثال كيف تمّ تفكيك موضوع جنوب إفريقيا، فمجلس الأمن اخذ قرارات بهذا السياق وكذلك الجمعية العامة، ومحكمة العدل الدولية تعرضت لموضوع عدم  قانونية وجود ممارسات وسياسيات الفصل العنصري بأكثر من رأي استشاري.

وأضاف الموسى إنني أنظر للجوء للمحكمة العدل الدولية كجهاز قضائي يصدر رأيًا أو فتوى استشارية وإن كان لها قيمة توصية فقط، لكنّ آراءها الإستشارية تأتي كاشفة، وتوضح لنا رأي القانون الدولي وموقفه، وتقول إنّ إسرائيل دولة محتلة وتحدد مسؤولياتها من الاحتلال والاستيطان وغيرها من القضايا، وهي بذلك تعكس لنا رأي القانون الدولي في الممارسات الإسرائيلية.

وشدد على أنّ هذه مسألة مهمة جدًا لأكثر من سبب: فعندما تحدد موقف القانون الدولي، بالتالي نحن نريد حلًا للقضية  الفلسطينية وفق القانون الدولي وليس وفق اتفاق الأطراف، الذي يمكن أن يخالف القواعد الدولية، والتي تعد قواعد آمرة لا يجوز مخالفتها.

وأوضح بالقول: مثلاً عندما تقول المحكمة إنّ الاستيطان جريمة دولية، ثم نرى مستقبلاً بعض الاتفاقات تجيز الاستيطان أو التعامل مع منتجات الاستيطان، فورًا نقول إن هذه الاتفاقيات تخالف ما جاء في حكم المحكمة من أنها قواعد آمرة لا يجوز مخالفتها، وتصبح مرجعية معيارية لمحاكمة السلوك.

وتابع الموسى حديثه، من جانب آخر تكمن أهمية الأمر في تفكيك إسرائيل ككيان احتلالي، فالقانون له دور كما السياسة كما القوة، وأنت تريد نزع الشرعية عن هذا الكيان فلا يقتصر الأمر على أداة واحدة وهي عملية تحتاج مداها، وتستخدم فيها القانون والقوة والسياسة، والقانون أحد أدوات نزع الشرعية.

واستدرك الموسى بالقول: لذلك لا يحب الإسرائيليون الذهاب للمحكمة، وهم اليوم ومن خلال صحافتهم يظهر حجم انزعاجهم الشديد من هذه الخطوة التي أقدمت عليها الهيئة العامة للأمم المتحدة.  

وقال إنّ الإسرائيلي يحاول يسعى للترويج لنفسه أنه قام على أساس أنه شعب مضطهد وأنه عاد لأرضه التي كانت من غير شعب على حد زعمهم، ثم تأتي أكبر هيئة قضائية دولية وتقول له أنت محتل وليس لك حقٌ هنا ، وتخربش سياساته كلها، وسلوكه لا يعود يستند لشرعية لا هو ولا داعمه الغربي.

وأعاد التأكيد على أنّ “القانون الدولي أحد أدوات تفكيك البنية الاستعمارية للكيان الصهيوني والبنية الاستيطانية الإحلالية للكيان الصهيوني”.

ولفت إلى أنّ مشكلة الناس والدارسين للقانون في نقاشاتهم أنهم لا يلتفتون للفرق بين التحرير الشامل لفلسطين والمعركة المصيرية، وأن نواجه الاحتلال وممارساته ونخرجه وننزع شرعيته ونكشف وجهه القذر الإحلالي الاستيطاني.

وأشار الموسى إلى جانب بالغ الأهمية في محكمة العدل الدولية وما فيها من قضاة يمثلون النظم القانونية الستة الرئيسية في العالم الجيرماني واللاتيني والأنجلوسكسوني فضلاً عن أنها تمثل فيها جميع القارات، ولذلك عندما يأتي رأي استشاري بأغلبية وإجماع هؤلاء القضاة فهذا يقطع الطريق على التفسيرات والتأويلات لما يقوله الأمريكي والإسرائيلي باعتبارها مجرد أحاديث سياسية، لكن ما تقوله المحكمة كهيئة قضائية يمثل الرأي الأخير الذي يقطع الطريق على أي اجتهادات وآراء أخرى أيًا كان أصحابها.

وختم الخبير في القانون الدولي حديثه لـ”البوصلة” بالقول: إن مواجهة دولة الاحتلال يجب أن يكون بأداة قانونية واقعية، باعتبارها أداة لتفكيك  الكيان الصهيوني وقضمه بالتدريج، مع استيعاب يأس الناس التي تسعى لتحرير فلسطين، ويعتقدون أنّ الأمر يمكن أن يأتي بهذه السهولة، ولكنّ مع ذلك فإنها مؤشر إيجابي أنّ الشعوب العربية والإسلامية تسعى لتحرير أراضيها المحتلة.

انتصار جديد للقضية الفلسطينية في الأمم المتحدة

تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة مساء الجمعة قرارا يقضي بالطلب إلى محكمة العدل الدولية أن تصدر فتوى بشأن الآثار المترتبة على انتهاكات إسرائيل المستمرة لحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير.

والقرار الذي تم التصويت عليه بناء على ما جاء في تقرير اللجنة الرابعة للجمعية العامة المعنية بالمسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار، تحت إشراف المقررة السيدة ماريا نويل باريتا تاسانو (من أوروغواي) اعتُمِد بأغلبية 87 صوتا واعتراض 26 دولة وامتناع 53 دولة عن التصويت.

ضرورة منع جميع أعمال العنف والتحريض

ومشروع القرار الذي اعتمد اليوم يعرب عن قلق الجمعية العامة الشديد إزاء “إمعان إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، في انتهاك حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني بشكل منهجي،” بما في ذلك الانتهاكات الناجمة عن الاستخدام المفرط للقوة والعمليات العسكرية التي تؤدي إلى وفاة وإصابة المدنيين الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال والنساء والمشاركون في مظاهرات غير عنيفة وسلمية، وكذلك الصحفيون والموظفون الطبيون والعاملون في مجال تقديم المساعدة الإنسانية.

كما تشجب الجمعية العامة من خلال القرار “الممارسة المتمثلة في احتجاز جثامين من قتلوا،” وتدعو إلى الإفراج عنها وإعادتها إلى أقربائها بما يتماشى مع القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حتى يتسنى لهؤلاء توديع موتاهم بشكل كريم وفقا لمعتقداتهم الدينية وتقاليدهم.

وتؤكد أيضا ضرورة “منع جميع أعمال العنف والمضايقة والاستفزاز والتحريض التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون المتطرفون وجماعات المستوطنين المسلحين، خصوصا ضد المدنيين الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال.”

وتحث الطرفين على “التزام الهدوء وضبط النفس والامتناع عن القيام بأعمال استفزازية وعن التحريض ونبذ لغة الخطاب الملهبة للمشاعر،” وبخاصة في المناطق ذات الحساسية الدينية والثقافية، بما في ذلك القدس الشرقية، واتخاذ كل خطوة ممكنة لنزع فتيل التوترات وتهيئة الظروف المواتية لإجراء مفاوضات سلام ذات مصداقية وناجحة.

 (البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: