حسين الرواشدة
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

التهرب الضريبي : ماذا حدث..؟

حسين الرواشدة
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

خلاصة المشهد الذي انتهت اليه قضية «التهرب الضريبي» في فصلها الاول ان لا احد فوق القانون، وان لدينا من التشريعات – حين تتوفر الارادة السياسية – ما يكفي للردع والمحاسبة.. اضف الى ذلك ان الذين تدور حولهم شبهات التورط، لم يكونوا مجرد اشخاص سقطوا في امتحان المسؤولية، ولا حتى ضحايا لاكبر طامتين تصيبان المجتمع والافراد: الفساد المالي والفساد السياسي، وانما كانت محاكمة لقيم ومفاهيم غريبة تسربت الينا، وكادت ان تشد اليها نخبا وافرادا، تثاقلوا الى الارض، بحثا عن مكسب سريع،، واستمرأوا خداع الناس بما يملكونه من مواهب ونفوذ، دون ان ينتبهوا الى العواقب، او ان يدركوا ان ساعة الغفلة – مهما امتدت – لا يمكن ان تطول.

آخر ما افكر به ان اكتب عن تفاصيل القضية التي شغلت الناس وملأت اخبارها ومداولاتها المواقع الخبارية، فيما ما يزال كثير من «اسرارها» قيد الكتمان، لكنني استأذن القارىء الكريم بتحرير جملة من الملاحظات على هامش المسألة، وهي ملاحظات تتعلق بالمناخات والمضامين اكثر مما تتعلق بالاشخاص والاجراءات والقرارات.

الملاحظة الاولى هي أن مجتمعنا تعرض في السنوات الماضية لاصابات وتكسرات بالغة في منظومته القيمية والاجتماعية، كان سببها الاول نشوء طبقة جديدة وجدت ان بوسعها ان تفعل ما تريد، اذا ما اجتمع لديها السلطة والمال، فتحالفت على حساب كل شيء، ونجحت في اقناع الناس – او الضغط عليهم لا فرق – في تغيير صورة المشهد الاجتماعي، وربطه بمفاهيم واعتبارات جديدة، طردت ما الفناه من نماذج تمجد النظافة والشهامة والاستقامة، لتحتفي بنماذج لم يسبق لمجتمعنا ان احترمها، سواء تعلقت بأشخاص طاردتهم تهم الكسب غير المشروع، او بآخرين امتازوا بالملق والشطارة، او ثبت انهم غير مؤهلين لتقدم صفوف الناس.

القضية الاخيرة، لم تتوقف عند كشف هذين النموذجين، نموذج « الفرهود» ونموذج «المسؤول بلا حدود»، ولكنها نجحت في تجريدهما مما اكتسباه من عناصر القبول وهالة الاستجابة – ان لم نقل الاحتفاء -، فلم يعد بوسع الشباب الذين اندهشوا بنموذج الشاطر الفهلوي، والتاجر العبقري، وحلموا ان يكونوا من اصحاب الملايين «بضربة» واحدة، ان يستمروا في دهشتهم واحلامهم، بعدما تبين ان نهاية «اكسب واهرب» الفضيحة والسجن، وان ما يمكن ان يحصل عليه المرء من اموال حرام لا تساوي لحظة اهانة يستشعرها من اقرب الناس اليه او من مجتمعه واصدقائه.

كما لم يعد بوسع المسؤول الذي طبع « نموذج» الرجل النزيه بلا نقاش، او روّج لمصطلحات «لا اريكم الا ما ارى» او اختبأ خلف كلاشيهات المصلحة الوطنية التي لم تتجاوز مصلحته الخاصة، لم يعد بوسعه ان يطمئن المعجبين بنهجه واسلوبه، ليقتفوا اثره، او يعيدوا تجربته، بعدما انكشف المستور، وتحررت المصطلحات من غبشها، وتجردت الاسماء امام سلطة القانون والعدالة من كل دعوة مغشوشة.

لقد سقط النموذجان في امتحان الانكشاف واقتراب المساءلة، ولكن هل سقطا في الواقع وفي قناعات الناس، وهل يمكن لاحدنا ان يطمئن – اليوم – الى ان ما تفرزه هذه القيم التي وفدت الينا، بنماذجها الممسوخة قد انتهى الى غير عودة، ام ان ثمة ما نحتاجه لاجتثاث هذه القيم وتعريتها وتجريدها من قداستها، ثم اعادة الاعتبار الى ما ألفناه من قيم النظافة والاستقامة، والاحتفاء برموزهما الذين ما يزال بعضنا يتذكر اسماءهم، او بعضهم على الاقل.

الملاحظة الثانية هي اننا للاسف قد اعتدنا على قراءة المآلات، ومحاسبة النهايات والافرازات والمخرجات، وغالبا ما نكتفي « بمتعة» الفرجة على المشهد من خارجه، او على ما يواكبه من أحداث تدغدغ رغبتنا في الكشف او انتظار المفاجآت (دعك من رغبة البعض في التشفي والانتقام او ادعاء الحكمة بآثر رجعي)، لكننا – وللاسف ايضا – لم نعثر على قراءة المشهد من داخله، او التغلغل الى ما يجري وراء الستارة، وبمعنى آخر، فاننا – وبحكم السطحية المفروضة على المتفرج – لا ندير كثيرا من الاهتمام للمناخات التي صدرت لنا هؤلاء الضحايا، ولا للاسباب التي دفعتهم الى ارتكاب ما فعلوه.. وحسبنا ان نتوقف امام هذه المناخات فقط، لندرك ان التهرب الضريبي لم تكن مالية فقط، وانما رافقتها تسهيلات سياسية واعلامية، وان اخطر ما فيها هذا التحالف غير المسبوق بين السياسي والاعلامي والاقتصادي، وان ما اصاب الاقتصاد من اضرار كان قد اصاب السياسة والاعلام مثله، وربما اكثر.

 حسبنا – ايضا – ان نتوقف امام بعض الاسباب التي مهدت لمثل هذه الانحرافات، او ساهمت في بقائها بعيدا عن الانظار والمحاسبة، ابتداء من ضعف المشاركة الشعبية، وثقافة « وانا مالي « التي يعاني منها اكثر الناس تجاه انتقاد السياسات والقرارات الرسمية، وانتهاء باعتبارات « الثقة» التي لا تخضع لامتحان، والسلطة التي لا تخضع لمحاسبة، والخلل الذي يمتد ويمتد دون ان يجد احد يكشفه او يشير اليه بأصبعه، ولنتذكر هنا ان قضية التهرب الضريبي كقضايا الفساد الاخرى استمرت لسنوات طويلة، وخلالها كان اكثر من مجلس برلماني، واكثر من تقرير للرقابة والمحاسبة، ولكن ذلك كله لم ينجح في وضع اليد على الحقيقة، او حتى الشك فيها، وربما يسهل على البعض اعادة ذلك كله، للحظوة التي كان يمتلكها من يقف وراء العملية، بما انتهى اليه من سلط مالية وسياسية، لكن الصحيح ان مجتمعنا الذي انسحب من كل ما يهمه، لم يقم بواجبه المطلوب، ولو حصل، لما جرؤ احد – مسؤولا كان او غير مسؤول – على استغفاله على مدى هذه السنوات الطويلة.

بقيت ملاحظة اخيرة وهي تتعلق بما دأبنا عليه من فصل غير مفهوم، بين معنى الامن الوطني بمستوياته المختلفة، واذا كان الامن السياسي بمفهومه الداخلي المحدود قد حظي على اهتمامنا وحاز ما لا ينكر من نجاحات، فان امننا الاجتماعي (ان شئت امان المواطن وقدرته على التعبير والانتقاد) لم يحظ بما يحتاجه من اهتمام، وعليه، فان الحصانة الوحيدة يجب ان توجه للمواطن وان يكون هو، لا غيره، معيار الثقة بأي مسؤول، او القبول بأي قرار، ولو قدر لنا ان نتحدث بصراحة اكثر لقلنا بان اخضاع الناس لمعايير سياسية او غيرها، وتقسيمهم تبعا لها لاهل ثقة او غير ذلك، قد اخل بمجتمعنا، وافرز تشابكا غريبا في الادوار، وقيما غير سليمة طبعت علاقتنا الاجتماعية واصابتها في الصميم.

اما.. ما العمل.. فلا اشك بان عافية مجتمعنا، وما يمتلكه « الاصلاء» فيه من انتباه وصحوة، وارادة سياسية ووطنية، كفيل بان يفرز الزوان من البيدر، ويقلع الحسك من ارضنا الطيبة.

(الدستور)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts