Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية (3): الإمكان السياسي

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

إعداد وتقديم: جميل أبو بكر

كان التحول من الخلافة الراشدة إلى الملك سريعا في التاريخ الإسلامي، وقد حاول عدد من المفكرين المسلمين وغير المسلمين من أمثال ابن خلدون ومحمد إقبال والكواكبي والسنهوري وفوكوياما وهنتنغتون وأنتوني  بلاك وآخرون تسليط الضوء على تلك الظاهرة، والتنقيب عن أسبابها، فكان إجمال ما توصلوا إليه:

1- طبيعة العرب البدوية ورفضهم للسلطان والأنفة في الخضوع إليه، وتشبثهم بالحرية إلى درجة الفوضى. وعلى الرغم من نجاح الوحي والرسول صلى الله عليه وسلم من تبديل تلك القيم وإحلال قيم الإسلام مكانها، إلا أنها سرعان ما عادت إلى قطاعات واسعة من المسلمين لم تتعرض لتلك الجهود التربوية المكثفة وهدي الوحي، ووجدت بيئة مناسبة للنمو والازدهار عندما انفصلت القيم الخليفية السياسية الراشدة، وتقدمت أمامها قيم المُلك السياسية بعد معركة صفين.

2- سرعة الفتوحات الإسلامية، وعجز العرب -وهم طليعة الإسلام الأولى- عن استيعاب القوة البشرية والمساحات الجغرافية الهائلة التي أخضعوها لسلطانهم خلال اندفاعات الفتوح الإسلامية الأولى.

3- غلبة العسكرة على الفكر السياسي وإمكاناته القيمية، وتجاوز الأمة للحظة تأسيسها؛ فقد حول الإسلام العرب إلى أمة، ثم تجاوز بأمة العرب إلى آفاق إنسانية أرحب في اللحظة ذاتها، وتلك قفزة لم يشهد لها تاريخ الديانات والحضارات الأخرى مثيلًا، لكنها قفزة كان لها ثمنها الداخلي.

4- هشاشة مؤسسية مزمنة؛ إذ كان حرص الفقه الإسلامي الحفاظ على وحدة الأمة والخوف من الفتنة، وتقديم ذلك على الشرعية السياسية المتمثلة بحق الأمة بالاختيار والمشاركة بصنع المصير والقرار. وبالتالي عزف الفقهاء عن الخوض في مسائل الخلافة وتطوير المؤسسية؛ خشية على وحدة الأمة في ظل استئثار في الحكم وظلم.

5- تأثر المسلمين بالأنظمة الإمبراطورية من حولهم، وبخاصة الساسانية وقيمها السياسية وأعرافها في الحكم.

وفي ظل الصراع الإمبراطوري السائد في المحيط والعالم لم يكن أمام المسلمين من بد من المنافسة، ولو لم يدخل الإسلام هذا الصراع الإمبراطوري لربما بقي دينا ثانويًّا.

لقد ولدت الحضارة الإسلامية بإمكانات عظيمة من القيم الإسلامية المنصوصة في القرآن والسنة، لكن الإمكان السياسي للحضارة الإسلامية كان اقل إمكاناتها تحققًا، وأولها تعطلًا.

وربما يكون الحديث الشريف الذي تنبأ بانتقاض عرى الإسلام يشير إلى ذلك :”لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضًا الحكم، وآخرهن الصلاة”. والمقصود بعرى الإسلام “حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه”.

لقد ظل النموذج الأول الذي تجسد فيه النص السياسي الإسلامي على الأرض خلال دولة النبوة والخلافة الراشدة تاريخا ملهما وذاكرة محفزة للضمير المسلم؛ مما جعل الإمكان السياسي الإسلامي ممتنعًا على النسيان. وليس التاريخ الملهم خصوصية إسلامية؛ فكل الشعوب التي تحمل في ذاكرتها الجمعية ماضيا حرا تكتسب مناعة ضد الاستبداد.

ومن بين الحضارات الإنسانية الكبرى امتازت الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية بوجود ذاكرة متعلقة بماض سياسي حر هو في الحالة الغربية: ديمقراطية اليونان والرومان، وفي الحالة الإسلامية: حقبة الدولة النبوية والخلافة الراشدة. وظل استدعاء ذلك الماضي ملهمًا في كل من الثقافتين حقبا متطاولة.

وان الناظر المتمعن في أدبيات الثورات الإنجليزية والأمريكية والفرنسية يجد الاستلهام التاريخي واضحا جليا.

وقد لاحظ ميكافيللي ان ذاكرة الحرية السياسية مانعة من الخنوع للعبودية السياسية. وحيث إن الذاكرة السياسية الإسلامية ليست مجرد تعلق بتاريخ ملهم هو تاريخ الخلافة الراشدة، بل هي أيضا تعلق بنص مقدس ملزم هو نص القران والسنة الذي ظل يضغط على الضمير المسلم عبر القرون، ويذكره بمعاني الشورى والعدل وغيرهما من القيم السياسية الإسلامية المنصوصة، فقد كانت الذاكرة السياسية الإسلامية ذاكرة صلبة، وكان الإمكان السياسي الإسلامي إمكانًا يأبى النسيان.

وعلى عكس ما يذهب إليه بعض الناس من ان تعلق الضمير المسلم بدولة النبوة والخلافة الراشدة تعلق بمثال طوباوي لا يقبل التحقق، فإن تلك التجربة تجربة عملية تجسدت في التاريخ. وحتى لو افترضنا ان ما ذهب إليه هؤلاء صحيح، فإن وجود طوبى الحرية في مجتمع ما مهمًا جدا؛ لأنه يدل على ان المجتمع مستعد لقبول الدعوة إلى الحرية.

لقد قامت في القرن الأول الهجري ثورات شعبية لإسقاط منظومة حكم وبناء منظومة أخرى اكثر عدالة، ورغم أن أيًّا من تلك الثورات لم تفلح في الالتزام الكامل بالقيم السياسية الإسلامية، أو استعادة روح الدولة النبوية والخلافة الراشدة، فإنها عبَّرت عن رفض الحاسة الأخلاقية الإسلامية للقهر السياسي، وإباء من الأمة الإسلامية عن السير في ركاب الحكام الظلمة.

وربما كانت ثورات “الربيع العربي”، والانتفاضة التركية ضد الانقلاب العسكري الأخير تعبر عن تلك الروح التواقة للحرية، وبداية للخروج من الازمة الدستورية في الحضارة الإسلامية.

وحتى تتحقق النهضة والخروج من الازمة لابد من شرطين: تخلص الأمة وفقهائها من الخوف المضني من الفتنة خشية على الوحدة والتوجه نحو الثورة، وتحويل القيم إلى إجراءات ومؤسسات.

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts