أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الجرأة الغربية والجعجعة الروسية

أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

تقول روسيا، في محاولة لتبرير إخفاقاتها العسكرية المتوالية في أوكرانيا على مدى 18 شهراً، إنها لا تحارب قوات تلك الأخيرة فحسب، بل ومن ورائها حلف شمال الأطلسي (الناتو) برمته. روسيا هنا محقّة، و”الناتو” لا ينكر ذلك أبداً، وهو عاد وأكّد في قمّته قبل أيام، في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، على تقديم مزيد من الدعم العسكري لكييف يمتدّ إلى سنوات. لكن هذه الحقيقة لا تقيل عثرة روسيا في أوكرانيا وذلك المستوى الهزيل، بل والمهين، الذي ظهر عليه أداؤها العسكري والسياسي في الفترة الماضية، وما زال، في ما كان ينبغي أن يكون “عملية عسكرية خاصة” خاطفة وحاسمة، يؤكّد من خلالها الكرملين على استحقاق روسيا لقب “القوة العظمى”. صحيحٌ أن حلف الناتو، وفي مقدّمته الولايات المتحدة، قدّموا أسلحة فتّاكة ومتقدّمة بعشرات المليارات من الدولارات لكييف، فضلاً عن الدعم الاستخباراتي وفرض عقوباتٍ اقتصاديةٍ خانقة على موسكو، إلا أن الافتراض الذي كان سائداً لدى المدرسة الواقعية في حقل العلاقات الدولية أن هذه الجهود ستذهب هباءً، وبأن روسيا ستتجاوزها من حيث مراكمة الإمكانات والموارد العسكرية المضادّة، ذلك أن الأمر مرتبط بأمنها القومي مباشرة. لكن ما لم يكن يعرفه كثيرون أن الفساد نخر في جذع المؤسّسة الروسية، بما في ذلك العسكرية منها، بشكل جعل من “الدبّ الروسي” أقرب إلى دبٍّ من ورق، حتى وصل الأمر إلى أن مليشيا من المرتزقة العسكريين التابعين للكرملين، والحديث هنا عن مجموعة فاغنر، كادت تطيح، الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، حكم الرئيس فلاديمير بوتين، في تمرّد انتهى بسرعة بوساطة بيلاروسية.

عندما اجتاحت القوات الروسية أوكرانيا، كانت ذريعة الكرملين الأساسية أن روسيا لا يمكن لها أبداً التعايش مع تمدّد حلف الناتو شرقاً وتضييق الخناق عليها أكثر على حدودها الجنوبية الغربية. بل ذهب الكرملين أبعد من مجرّد المطالبة بمنع انضمام أوكرانيا إلى “الناتو”، إلى حد اشتراط سحب الحلف قواته وأسلحته من دول في أوروبا الشرقية، وجمهوريات البلطيق الثلاث، ليتوانيا ولاتيفيا وإستونيا، التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي قبل انهياره قبل أكثر من 30 عاماً وانتهاء حقبة الحرب الباردة. إلا أن قرار غزو أوكرانيا وتعثّره أتى بنتائج عكسية، إذ عزّز “الناتو” من وجوده العسكري في بولندا وجمهوريات البلطيق، وانضمّت فنلندا إلى الحلف، وتقف السويد على أعتابه اليوم. وبهذا تكون حدود روسيا مع الحلف قد توسّعت من 754 ميلاً إلى قرابة 1590 ميلاً. أما ثالثة الأثافي فتتمثل في تزايد فرص انضمام أوكرانيا إلى الحلف بعد قمّته في فيلنيوس، وهو ما قد يضيف 1425 ميلاً إضافية إلى الحدود المشتركة. وبهذا يكون “الناتو” قد شدّد الخناق جيوسياسياً على روسيا، بدل أن تنجح الأخيرة في إنهائه.

لم تكن الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون ليجرؤوا على استفزاز روسيا إلى هذا الحدِّ لو كانوا يظنّون أنها قادرة على الرد بحزم. تملك روسيا الترسانة النووية الأكبر في العالم وهي قادرة على تدمير الغرب كله لو اضطرت لذلك. لكن السلاح النووي سلاح ردع لا سلاح حرب، وهي إذا كانت قادرة على تدمير الغرب به، فإنه قادر على سحقها كذلك بالسلاح ذاته ضمن ما يعرف بنظرية توازن الرعب أو توازن الردع. إنها معركة الكل فيها خاسر.

تضيّق هذه الحقيقة هامش المناورة أمام موسكو في الردّ على استفزازات واشنطن وحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا، خصوصاً بعد أن ثبت أن فعالية السلاح الروسي التقليدي ليست في مستوى نظيره الغربي، دع عنك طبعاً التداعيات الكارثية عقودا من الفساد في روسيا، الذي لم تنج منه المؤسّسة والصناعات العسكرية، وهو ما تركها مكشوفةً أمام أعدائها. هذا الواقع البئيس الذي تجد روسيا نفسها فيه اليوم دفعها إلى الجعجعة أكثر من الفعل، وهو ما أفقدها المصداقية. يهدّد مسؤولوها السياسيون والعسكريون أكثر مما ينفذون. يحذّرون من تداعيات خطيرة ستترتب على أمور يقوم بها الغرب، ولكن الغرب يمضي بها غير مبال. توسّع “الناتو” رغم تهديدات موسكو. تلقت كييف أسلحة نوعية وهجومية فتّاكة، وتبدو روسيا عاجزة، حتى اللحظة، عن معادلة الكفّة. والآن، تستعد دول في الحلف لتزويد أوكرانيا بطائرات أف – 16، في حين وافقت إدارة جو بايدن على مدّها بقنابل عنقودية، ولا يبدو أن أحداً يأبه لما يتوعّد به ديمتري ميدفيديف، نائب سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، أن العالم يقف على أعتاب حرب عالمية ثالثة وعلى شفير حرب نووية.

طبعا، لا يعني ما سبق أن الأمور قد لا تنزلق إلى صدامٍ مسلّح بين روسيا و”الناتو”، وهو ما سيتحوّل، على الأرجح، إلى حربٍ نووية، كما كان هدّد بوتين من قبل، ذلك أنه لا طاقة لروسيا بحرب تقليدية مع الحلف. ومن ثمَّ، تقوم الاستراتيجية الأميركية، ومن ورائها حلف الناتو بالضرورة، على إبقاء روسيا تحت ضغطٍ مدروسٍ من دون إلجائها إلى خيار اليأس النووي. وهكذا، اتفق قادة “الناتو” على أن تكون أوكرانيا عضوا فيه “بعد الحرب”، لا الآن، لتفادي صراع مباشر مع روسيا. إنها استراتيجية استنزافٍ فعّالةٍ نجح فيها الغرب، وفشلت فيها موسكو، جرّاء عقود من الأعطاب البنيوية والهيكلية في البلاد، وقرار حربٍ لم تكن متهيئة لها. وإذا كان من الواضح أن واشنطن تريد إيصال رسالةٍ إلى الصين من خلال الورطة الروسية في أوكرانيا، فإن السؤال الذي لا تعرف إجابته بعد هو ما إذا كانت الصين تعاني من الخلل البنيوي والهيكلي نفسه، كما روسيا، في حال اختارت غزو تايوان، وقرّر حلف شمال الأطلسي الوقوف ضدّها، أم أنها تعلمت من الإخفاقات الروسية وهي أكثر استعداداً؟

على أي حال، يقف العالم فعلاً على شفير كارثة، قد تكون نووية، فكثرة الضغط قد تولّد انفجاراً. ولا يمكن التقليل من فرص استخدام روسيا سلاحاً نووياً تكتيكياً في أوكرانيا لتعويض خسائرها الفادحة، ولتفادي هزيمة عسكرية مذلّة جرّاء المدد العسكري الغربي لها، وهو أمرٌ سيكون له تداعيات كبيرة، مع ضرورة التسجيل هنا إن عواصم “الناتو” الكبيرة قد لا تكون تمانع بالمقامرة على أشلاء أوكرانيا وشعبها من أجل تحقيق مصالح جيوسياسية كبرى في مواجهة موسكو.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts