حتى يغيروا ما بأنفسهم..

بعد عودة النبي صلى الله وسلم من غزوة تبوك قال لأصحابه : رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد القلب. وفي لفظٍ آخر قال: مجاهدة العبد هواه .

كان صلى الله عليه وسلم يعلم أن الحرب الحقيقية هي محاربة النفس هواها، وأن الانسان في هذه الحياة يعيش حالة من الصراع مع أعداء ظاهرين، وآخرين لا يراهم، وربما كانوا أشد فتكاً به من أعدائه المشاهدين .

وإن أعدى أعداء المرء نفسه التي بين جنبيه، تحثه على نيل كل مطلوب والفوز بكل لذة حتى وإن خالفت أمر الله، والعبد إذا أطاع نفسه بكل شيءٍ وانقاد لها هلك، أما إن جاهدها وزمها بزمام الإيمان، وألجمها بلجام التقوى، فقد نجى .

هي أنفس داخل كل نفس، ولها نسبة ووزن وترتيب، إن صعدت النفس اللوّامة بلغنا بالطاعات منازل النفس المطمئنة، والنعم تزول بغلبة النفس الأمارة بالسوء على الباقيات .

لا أخفي عليكم خبيئتي..

فهي رفيقتي وقد مضى من العمر ما مضى، كيف لا؟، وهي التي لا تمل زيارتي في كل ليلة تسامرني وتحدثني، وتبادلني أطراف الحديث الذي لا ينقطع إلا لحظات قليلة تملؤها أصوات الصرصرة من حولنا!

أتعرفون ما هي أحاديث السمر بيننا!، فكلام رفيقتي ينطلق من العتاب واللوم، حرصاً وحباً وخشية، ولا تنفك تردد توجيهاتها وتساؤلاتها، لما فعلت كذا؟ ولماذا لم تفعل كذا؟ ولو أنك فعلت كذا وكذا؟

ورغم كلامها وحديثها الذي يبقيني يقظاً متنبهاً، والذي يدفعني لأسبح في دروب الحياة ومساراتها، سأبقى صديقها وستبقى رفيقتي فقد قيل قديما استبقاك من عاتبك! ولو أنها لم تفعل ذلك لما سمّاها المولى جل قدره في كتابه اللوّامة!

ولن أملَّ من عتابها وحديثها، ففي كل لقاء بيننا لي فيه همة أقوى بها، وتوبة أجدد فيها عهدي مع الله، ومنعطف تغيير في رحلتي نحو النجاح، التي ما توقفت منذ ميلادي وحتى هذه اللحظة، وباباً من أبواب سعادتي، فالسعادة هنا هي جسر عبور لسعادة أكبر ستكون مع من أحب هناك حيث المنتهى وحيث الهدف حيث الجنة .

(البوصلة)