الحوارات لـ “البوصلة”: هكذا فشلت روايتنا أمام الرواية الصهيونية في الإعلام الغربي

الحوارات لـ “البوصلة”: هكذا فشلت روايتنا أمام الرواية الصهيونية في الإعلام الغربي

عمّان – رائد صبيح

عبر المحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات  في تصريحات لـ “البوصلة” عن أسفه الشديد لضعف الرواية العربية الإسلامية أمام الرواية الصهيونية في الإعلام الغربي الذي بدأ يتبنّى تلك الرواية عبر إطلاق اسم “المجمّع” على المسجد الأقصى، ووصف الاقتحامات الصهيونية وآخرها اقتحام بن غفير بـ “الزيارة”، فيما نكتفي بالصمت إزاء هذا التحريف والتشويه الفاضح.  

وتابع الحوارات بالقول:للأسف الشديد كل الروايات التي يتمّ تداولها على الصعيد العالمي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والقدس تحديدًا هي الرواية الإسرائيلية “التوراتية” التي بدأ تداولها قبل 200 عام، وإلا لم يكن ليقبل وجود كيان يهودي في فلسطين إسمه “إسرائيل”.

وأضاف، قبل إنشاء إسرائيل بـ 150 عامًا بدأ الحديث وبدأت الحفريات الاستشراقية ترسم التاريخ وفق ما تريده هذه الرواية اليهودية والإسرائيلية، ونجحوا في أن يقنعوا العالم بأنّ ثمّة وطنًا كان لليهود في هذا المكان وأنهم طردوا منه، وأنّ هناك شعب غريب احتل مكانهم وعليهم الآن العودة إلى مكانهم لأنّ هذه العودة تعيد “المسيح”.

د. منذر الحوارات: ستبقى الرواية الإسرائيلية هي الأقوى في الإعلام العالمي طالما لم نغير كعرب ومسلمين أدواتنا ونصحح مساراتنا

ولفت بالقول: فهم تلاعبوا بالتاريخ وتلاعبوا بالدين وتلاعبوا باللغة التي أعادوا إحياءها بعد أن كانت ميتة من تمازج مجموعة من اللغات، كل ذلك أعادوا إحياءه واستطاعوا أن يحلوا محلّ اللغة والتاريخ ومحل الجغرافيا الفلسطينية، وأنشأوا دولة الاحتلال (إسرائيل).

وقال الحوارات: الآن عليهم أن يحلوا دينيًا مكان الديانة الموجودة، لأنّهم بدون إكمال المشروع هذا لن يتمّ مشروعهم بتهويد الدولة، وطرد المكون الفلسطيني، والذي هو عنصر ديمغرافي ضاغط، فحتى تكتمل هذه الدولة بالصيغة اليهودية كان لا بد من أمرين، أولا: إنهاء اليسار الإسرائيلي والوسط الإسرائيلي والذي تبنّى فكرة الدولة الليبرالية العلمانية على أرص “إسرائيل” القديمة، والآن تحول مباشرة إلى دولة دينية لكن تستطيع أن تقنع العالم بأنّها دينية “مدمقرطة”.

تغيير هويات الأماكن

ولفت إلى أنّهم بدأوا بمحاولة تغيير الهويات للأماكن والمعالم الدينية، وكانت الخليل حينما قبلنا بتقسيم الحرم الإبراهيمي، كان إذعانًا بقبول القدس لاحقًا والأماكن المسيحية والإسلامية.

وتابع الحوارات بالقول: إنّ “إسرائيل” بموازاة هذه الأفعال كانت تغرس روايتها الدينية والتاريخية عن أصل المكان، ومكانته لدى اليهود، واستطاعت حقيقة أن تغرس هذا في العقل الباطن للمفكرين، خاصة وأن كثيرًا من مفكري أوروبا هم “يهود” حقيقة ويستطيعوا أن يتفهموا “الديب مايند” للعقل الأوروبي ويتعاملوا معه ويكونوا رواية تتوافق مع هذا العقل وتنطلق من الدين والعلمانية ومن مكونات ما يسمّى بالحقوق، ونحن نعلم أنها أصبحت موضة دارجة، “حق المثلية”، حق كل شيء يقال عنه حق، وأصبح حق المكان ماركة يهودية تستخدم عبر الوسائل المفتوحة للإعلام الغربي، وبالصيغة التي يفهمها الغرب ويتفهمها.

وأضاف، إنّ اليهود عايشوا صعود المفاهيم في أوروبا، حينما كان العالم يميل لليسار والليبرالية اخترعوا دولة إسرائيل العلمانية، وعندما بدأ العالم يتجه نحو القومية والتطرف والعودة للمفاهيم للجزء المتطرف من الثقافة الغربية، ولا أعني الثقافة الغربية الشمولي لأنها ثقافة شاملة تشمل في طياتها الكثير، ولكن أعني صعود اليمين المتطرف في الثقافة الأوروبية.

تناغم صهيوني مع المفاهيم الأوروبية

وقال الحوارات: بدأت دولة الاحتلال تناغم هذا الصعود وتنشيء خطابًا موازيًا لفهم هذا اليمين، وبالتالي استطاعت أن فكرة هذا المكان منذ البداية يجب أن يكون للجميع، وأنّ المسلمين عبر قرون من الزمن استطاعوا أن يحرموا الآخرين من مسيحيين ويهود، من حقهم في استخدام المسجد كمكان ديني يخص هؤلاء الناس.

واستدرك بالقول: بعد ذلك أخذوا ينتقلوا للجزء الآخر من الرواية، وهو التشكيك في أن المكان أصله إسلامي، وأنّ المسلمين قاموا باحتلاله بسبب القوة خلال فترة الفتوحات الإسلامية، ومن ثم بدأوا بنسف الرواية الإسلامية ويضعوا مكانها الرواية اليهودية التي صنعت اصطناعًا ونجحوا حقيقة في ذلك.

وأضاف، لاحظنا في الماضي كانوا ينظروا إلى الزعماء العرب الذين يحاربوا دولة إسرائيل ويذهبوا للغرب ويقولوا إنّ إسرائيل محتلة أيام زمن الليبرالية والعلمانية واليسار المسيطر في أوروبا، وكانوا يروجوا فكرة أن هؤلاء هم متطرفون عرب معادون للديمقراطية ويكرهون حقوق الإنسان، وهم يعادون إسرائيل لأنها مهد لكل هذه الأمور.

وتابع بالقول: لكن حينما انتقلت الأمور إلى مفهوم التدين والتطرف والذهاب نحو العنصرة القومية والدينية، بدأوا يروجون خطابًا آخر، ولاحظناه بدأ يصعد في صراع الحضارات أولاً، ثم بدأ يتحدث عن “الإرهاب الإسلامي” الذي لا يريد لفكرة اليهودية المنفتحة على الحضارات والقيم العالمية وعلى الثقافة العالمية أن تنموا في وسطها.

وأوضح بالقول: بالتالي بدأوا يطوروا خطابهم بالفكرة التي تحارب خصمهم وتقضي على خطابه منذ البداية، فحين يتحدث زعيم من الشرق الأوسط أو من المنطقة العربية في منتدى أوروبي لا ينظر له رغم كل ما يقال على أنه يدافع عن حقوق للفلسطينيين بل ينظر له بشكل عميق على أنّ هذا الزعيم يأتي من خلفية إسلامية متطرفة، وهذه الخلفية تريد أن تحارب وتقضي على فكرة اليهودية المنفتحة صاحبة الحق التاريخي والتي استطاعوا أن يقنعوا فيه العالم.

القصور التاريخي وضعف الأدوات

وحذر الحوارات من أنّ هذا أمر شديد الخطورة، يعبر عن مدى قصورنا التاريخي وضعفنا في أدواتنا، وذهابنا في خطابنا لأنفسنا، ولا نستطيع أن نجيش الآخرين من أجل قضايانا، وبالتالي نفشل دائمًا.

وشدد على أننا نريد العودة للصيغ القديمة لحل معضلات الحاضر، وهذا لن يكون، لأنّ الحاضر أصبح حاضرًا معولمًا مليئًا بالوسائل وبعناصر القوة، ونحن إذا ما قسنا قوتنا مجتمعين على مستوى العالم نجد أنّها قليلة وضعيفة، فما بالك إذا ذهبنا لقياس قوة دولة واحدة ستكون شديدة الضعف ولا يمكن لها أن تقاوم فيض كبير من الآراء المعدة مسبقًا والمغروسة في الأذهان.

وتابع، حتى أنّ الرواية الصهيونية واليهودية الإسرائيلية استطاعت أن تتغلغل في عمق المنطقة العربية وتغير المفاهيم التقليدية المتوارثة عن إسرائيل واليهودية وعن مدى احتلاليته، وأصبحنا نتحدث عن أبناء إبراهيم ونتحد عن صيغة جمعية لأناس انتصروا علينا حقيقة.

ولفت بالقول: نحن لم نصل إلى صيغة، ولم نواجه أنفسنا بصيغة من المصالحة نتجت عن تساوي عسكري، بل نحن ذهبنا لتسوية سياسية مع دولة الاحتلال ونحن في ذروة الهزيمة، لذلك لا زلنا ندفع الثمن غاليًا.

وقال الحوارات الآن حين يقول العرب أو بعض العرب أننا نريد أن نوحد أبناء إبراهيم في كيان واحد، أنا برأيي هذه محاولة لتجاوز الهزيمة السابقة بأطر مختلفة.

وشدد على انه لا يمكن حقيقة أن تتساوى النفوس أو تتساوى القضايا أو تتساوى الأوراق على الطاولة، وهنالك طرف قوي وطرف آخر ضعيف، فالعالم لا يحترم سوى الأقوياء، وإسرائيل هي القوية بأنها تمتلك الأدوات وتستطيع أن تستخدمها بعناية وتستطيع أن تستخدمها بذكاء.

ولفت إلى أنّ هذه الأدوات رغم أنها عدديًا لا تتساوى مع المحيط، لكنّها استطاعت أن تمتلك الأدوات الداخلية والخارجية وتوحد شعبًا أتى من شتى الأصول والمنابت، وهو ليس شعبًا موحدًا، وحدته بصندوق الانتخاب، ووحدته بالتساوي بين المجتمع، ووحدته بعلاقة منفتحة مع الآخر استطاعت أن توجد دولة يحترم فيها القانون ويحترم فيها صندوق الانتخاب ويحترم فيها الرأي الآخر، وبالتالي استطاعت أن توجد رواية تقنع الآخرين لأنها رواية المجموع الكلي للناس.

ولكن رواياتنا هي روايات أشخاص سادة زعماء لم تفرزهم صناديق ولم يأتوا من خيارات ديمقراطية، فمهما قالوا ومهما قيل عنهم ومهما حاولوا أن يقولوا، ستبقى هذه الرواية ضعيفة ومنقوصة ولن تستطيع أن تؤثر في الرأي العامّ العالمي.

تصحيح المسار

ويخلص الحوارات في تصريحاته لـ “البوصلة” بالقول: لذلك فإنّ الخيار الحقيقي للتساوي وبداية التساوي هو الذهاب إلى خيارات ديمقراطية حقيقية ولأجل ذلك حاربت “إسرائيل” الربيع العربي وقضت عليه في مهده، حتى لا تتكون ديمقراطيات عربية لأنّ ذلك هو بداية نهايتها، وبداية تكون الروايات المقنعة للآخرين، لذلك سارعت إسرائيل لإنهائه.

وأضاف، برأيي حقيقة ستبقى “إسرائيل” هي سيدة الموقف وسيبقى الموقف الإسرائيلي هو الموقف الذي يحترمه العالم، وهو الذي يستطيع أن يدافع عنه، ويبقى الموقف الآخر “سفيها” ولا يمكن الدفاع عنه، إن لم نغير في أدواتنا ونصحح مساراتنا.

يذكر أنّ عددًا من الوكالات الإخبارية العالمية ومنها رويترز و BBC تبنّت الرواية الصهيونية حول المسجد الأقصى وأطلقت على المسجد الأقصى صفة “المجمع” فيما وصفت الاقتحامات الصهيونية للمسجد بـ “الزيارة”، فيما اكتفى الرسميون الأردنيون بالصمت إزاء هذا الأمر وعدم التعليق عليه رغم أنه يمس وبشكلٍ مباشرٍ “الوصاية الهاشمية”.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: