الشيخ حسن الشافعي يفوز بجائزة الملك فيصل مجددا

الشيخ حسن الشافعي يفوز بجائزة الملك فيصل مجددا

البوصلة – أعاد فوز الدكتور حسن محمود الشافعي بجائزة الملك فيصل العالمية بعد أقل من 10 سنوات من نيلها لأول مرة، تسليط الضوء على واحد من رجال الأزهر الذين استطاعوا نيل الجائزة مرتين في واحدة من أكثر الفترات اضطرابا في مصر، فضلا عن الاستقطابات الفكرية والسياسية الكثيرة في العالم العربي والإسلامي، ونالت أعماله تقدير الجميع واحترامهم.

العالم الأزهري الدكتور حسن محمود الشافعي هو عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، وعضو مجلس حكماء المسلمين، ورئيس اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، ورئيس مجمع اللغة العربية السابق، الذي حصل الخميس على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام 2022، وذلك بالاشتراك مع رئيس تنزانيا الأسبق حسن مويني.

ومُنح الشافعي الجائزة في دورتها “44” لباعه الطويل في خدمة العلوم الإسلامية، تدريسا وتأليفا وتحقيقا وترجمة، وإسهامه في إنشاء الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد، ووضع مناهج كلياتها، وتولي رئاستها، وجهوده الكبيرة في إنشاء سلسلة من المعاهد التي تعنى بالدراسة الأزهرية، وخدمته اللغة العربية خلال رئاسته مجمع اللغة العربية بالقاهرة.

ويكشف فوز الشافعي بالجائزة في فرعي “خدمة الإسلام” و”اللغة العربية والأدب” في فترتين منفصلتين عن جدارة استثنائية، إذ يراعى في جائزة “خدمة الإسلام” ما للمرشح من جهود فكرية أو عملية تخدم الإسلام والمسلمين، وتقوم لجان الاختيار في فروع الجائزة الأخرى -كل عام- بتحديد موضوع الجائزة، وفق ما أنجز من دراسات وبحوث في ذلك الموضوع، وفقا للمؤسسة.

ما جائزة الملك فيصل؟

أطلقت مؤسسة الملك فيصل الخيرية جائزة الملك فيصل التي منحت للمرة الأولى عام 1399هـ/ 1979م، لمكافأة الأفراد والمؤسسات على إنجازاتهم الفريدة في 5 فروع مختلفة هي” خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، واللغة العربية والأدب، والطب، والعلوم، بحسب موقع المؤسسة على الإنترنت.

ويتم اختيار الفائزين بالاستناد فقط إلى مدى أهليتهم وجدارتهم، كما تقوم لجان اختيار متخصصة بمراجعة أعمالهم بدقة، وتتبع عملية اختيار الفائزين الدقيقة معايير دولية، حتى إن بعض الفائزين بجائزة الملك فيصل حصلوا بعدها على جوائز مرموقة أخرى، مثل جائزة نوبل.

جائزة الملك فيصل

واحتفى الأزهر الشريف بالشافعي، وقال إن حصول العالم الجليل على الجائزة هو تتويج لنتاجه العلمي المستفيض، وأعماله التي بذلها لخدمة الإسلام واللغة العربية، وتكليل لجهود كبيرة خلال تاريخ طويل حافل بالعطاء وخدمة طلاب العلم، وأن هذا التكريم قد صادف أهله.

وأشار الأزهر -في بيان له- إلى أن الشافعي سبق أن تسلم جائزة الملك فيصل العالمية للغة العربية وآدابها خلال ترؤسه مجمع اللغة العربية عام 2013، من الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي (آنذاك)، وجاءت الجائزة وقتها تقديرا لجهود المجمع على مدى أكثر من 80 عاما في خدمة اللغة العربية، وما أصدره من معاجم ساهمت في خدمة لغة القرآن الكريم.

مكونات الجائزة

  • براءة من الورق الفاخر مكتوبة بالخط العربي بتوقيع رئيس هيئة الجائزة الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز، داخل ملف من الجلد الفاخر، تحمل اسم الفائز وملخصا للأعمال التي أهلته لنيل الجائزة.
  • ميدالية ذهبية من عيار 24 قيراطا، وزنها 200 غرام. يحمل وجهها الأول صورة الملك فيصل وفرع الجائزة باللغة العربية، ويحمل الوجه الثاني شعار الجائزة وفرعها باللغة الإنجليزية.
  • شيك بمبلغ 750 ألف ريال سعودي (ما يعادل 200 ألف دولار أميركي)، يوزع بالتساوي بين الفائزين إذا كانوا أكثر من واحد.

مذكرات حياتي في حكاياتي

تأثر الشافعي في حياته بوالدته التي أمد الله في عمرها وقد ناهزت 100 عام، ويقول في مذكراته “حياتي في حكاياتي” (صدرت في 2015)، “عزيزتي التي تركتني وقد ناهزت المائة، وبلغت أنا السادسة والستين، فقد كانت أهم إنسان في حياتي، وقد تأثرت حياتي بحياتها وسياقاتها النفسية، التي وجهت مواقفي بوعي ودون وعي”.

وعن تجربته القاسية التي امتدت لسنوات في السجون، يقول “لا أدري لماذا لا تطاوعني نفسي إلى رواية تجربتي في السجن الحربي، حتى أحملها على ذلك حملا، وأعتقد أن -من فضل الله تعالى- أن الذاكرة الإنسانية لا تحتفظ بذكرى الآلام الحسية، وإن كانت الآلام النفسية والأوجاع المعنوية تلازمها، ولا تكاد تمحى ولو طال الزمان.. وهي أشد وأقسى”.

والشافعي من أشد المؤيدين والمدافعين عن ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ونزل إلى ميدان التحرير بقلب القاهرة يوم 28 يناير/كانون الثاني الذي شهد ذروة الثورة، ويرى أن مصر تفوقت على نفسها وكشفت عن أنبل خصالها وأروع مشاعرها وأشجع مواقفها في تلك الثورة، ويصف الذين تجرؤوا على القول إنها بداية الفوضى أو مشروع الغرب على يد عملائهم الشباب بأنهم من المستبدين وعبيد الاستبداد. (ص 215)

وتطرق الشافعي في مذكراته إلى فوزه برئاسة مجمع الخالدين، قائلا “كان الصحفيون يترددون عليّ يهنئون بمنصب الرئيس السادس المنتخب في تاريخ المجمع، وأول مُعمم (أزهري) يشغله، فأقول لهم مقالة الأستاذ الحكيم أحمد أمين عندما اختير عميدا لكلية آداب القاهرة وجاؤوا يسألونه ما شعورك وأنت تحتل كرسي طه حسين، فيقول أشعر أنني أصغر أصغر من أستاذ وأكبر من عميد”، وأرجع الفضل لذلك إلى دراسته الأزهرية رغم دراسته أيضا بجامعة القاهرة ولندن.

وعندما احتدمت الأزمة السياسية في مصر بعد تولي الرئيس الراحل محمد مرسي السلطة كأول رئيس مدني منتخب، كان الشافعي يرى في خطاب إلى رئيس مجلس الشورى، فحواه وجوب القبول بانتخابات رئاسية مبكرة، فتلك وسيلة ديمقراطية تلجأ إليها الشعوب عند غلبة الخلاف لرد الأمر للشعب صاحب الحق الأول والأخير، وأعرب عن اعتقاده أن الرئيس (مرسي) يقبل بهذا المنطق لو عرض عليه دون إملاء أو ضغط.

الشافعي طالبا وسجينا وعالما

ولد الشافعي عام 1930 بإحدى القرى التابعة لمركز ببا بمحافظة بني سويف بصعيد مصر، وكان والده شيخا أزهريا يشتغل بالتعليم، وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وحصل على ليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عام 1963، ثم على الشهادة العالية في العقيدة والفلسفة من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر في العام ذاته، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية من جامعة لندن عام 1977.

مسيرة الرجل لم تخل من المعاناة مع النظام الناصري، ففي سنة 1953 التحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة وكلية أصول الدين بجامعة الأزهر في نفس الوقت، وتخصص في الفلسفة الإسلامية، ولم يتخرج من الكليتين إلا بعد 10 سنوات (1963)، فقد اعتقل سنة 1954 وبقي في السجن 6 سنوات بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين.

وحين تخرج بمرتبة الشرف الأولى، عيّن معيدا بكلية دار العلوم، ولكنه اعتقل مرة أخرى ومكث في السجن 4 سنين، وقد حصل على الماجستير سنة 1969.

مناصبه العلمية

تدرج في المناصب العلمية والإدارية بكلية دار العلوم والأزهر الشريف والجامعات العربية والإسلامية، بالإضافة إلى عضوية المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ومجمع اللغة العربية الذي تولى رئاسته عام 2012 وحتى عام 2020 لفترتين متتاليتين، ومجمع البحوث الإسلامية، وعضوية هيئة كبار العلماء، ومجلس حكماء المسلمين.

والشافعي هو أول عالم أزهري يرأس مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وله عشرات البحوث العلمية والفكرية، وإسهامات علمية رصينة متنوعة بالتأليف والتحقيق والترجمة في الفلسفة الإسلامية وعلوم اللغة العربية، بالإضافة إلى المقالات والبحوث والمشاركات العلمية محليًا وإقليميًا وعالميًا.

أصدر الشافعي نحو 10 كتب في الفلسفة الإسلامية، والتوحيد، وعلم الكلام والتصوف، وأكثر من 30 بحثا علميا نشرت في العديد من المجلات والدوريات العلمية في مصر وخارجها، وحقق 5 نصوص تراثية، وترجم 4 كتب -منها اثنان من العربية إلى الإنجليزية والآخران من الإنجليزية إلى العربية- إضافة إلى الإشراف والحكم على عشرات من الرسائل الجامعية في مصر والعالم العربي وباكستان وماليزيا.

تكريم ومضايقة

لم ينخرط الشافعي في السياسة، لكنه بحكم موقعه في الفترة العصيبة التي مرت بها البلاد بين عامي 2011 و2013، حيث عمل مستشارا لشيخ الأزهر (رئيس المكتب الفني لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب)، وكان ممثل الأزهر في لجنة كتابة الدستور المصري 2012، وشاهدا على أحداث يوليو/تموز 2013 وما تلاه، حيث أوضح موقفه مما يجري في بيان قوي.

وترتب على هذا البيان الكثير من ردود الفعل من قبل الإعلام المصري الموالي للسلطات، واتهموه بالانتماء للإخوان المسلمين، وتعرض لهجوم إعلامي في العديد من البرامج على القنوات الفضائية، وطالبوا تارة بطرده وتارة أخرى بعزله من مناصبه.

وفي أغسطس/آب 2015، فصل الشافعي من عمله أستاذا في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، بدعوى الجمع بين وظيفتين دون إذن رسمي من الجامعة، وقال حينها إن قرار فصله مرتب من قبل رئيس الجامعة وقتها الدكتور جابر نصار.

وبعد فترتين من رئاسته مجمع الخالدين (مجمع اللغة العربية) لمدة 8 سنوات، انتخب الشافعي للمرة الثالثة بأغلبية مريحة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إلا أنه أزيح من المنصب بقرار وزير التعليم العالي خالد عبد الغفار، وكلف بدلا منه الدكتور صلاح فضل الذي خسر أمامه في الانتخابات، بدعوى أن المناصب القيادية مدتها فترتان فقط.

الجزيرة

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: