تقرير يسلط الضوء على تاريخ طويل لحملات إبادة الإيغور بالصين

تقرير يسلط الضوء على تاريخ طويل لحملات إبادة الإيغور بالصين

الإيغور

نشرت مجلة “نيو ستيتسمان” البريطانية تقريرا سلّطت فيه الضوء على التاريخ الطويل لحملات الإبادة الجماعية التي ترتكبها السلطات الصينية في حق مسلمي الإيغور.

وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، والذي يأتي ضمن سلسلة خاصة عن الإيغور، عملت عليها، كاتي ستولارد، إنهم ما يزالون متمسكين بعاداتهم وثقافتهم، برغم محاولة الحزب الشيوعي الصيني سلخهم عن ماضيهم.


وتاليا التقرير الرابع ضمن السلسلة بعنوان: “اعتقالات واغتيالات جماعية: التاريخ الطويل لحملات الإبادة بحق مسلمي الإيغور”:

إن افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين يوم 4 شباط/ فبراير انتهى بمشهد يطغى عليه التناقض والابتذال. واختارت الصين المتزلجة الصينية دينيجير ييلاموجيانغ ذات الأصول الإيغورية، والرياضي تشاو جياوين من عرقية الهان، لإضاءة الشعلة الأولمبية. كانت هذه الحركة لفتة بسيطة لكنها ذات معان قويّة وتبعث رسالة واضحة: ما هي الإبادة الجماعية؟

على امتداد السنوات الخمس الماضية، سجنت السلطات الصينية ما لا يقل عن مليون شخص من الإيغور وأشخاص من أقليات عرقية أخرى في المنطقة الشمالية الغربية من سنجان. وتعد عمليات الاحتجاز التي تنظمها من أكبر حملات الاعتقال الممنهجة لمجموعة دينية أو عرقية منذ معسكرات الاعتقال النازية في الحرب العالمية الثانية.

ولا نعرف ما تعتقده ييلاموجيانغ بشأن ما يحدث في سنجان لأنه لم يتم سؤالها. وقد نشرت وسائل الإعلام الحكومية الصينية بعض التعليقات السريعة التي أدلت بها الرياضية حول مدى فخرها بأن تكون جزءا من هذه الفعاليات. 
 
من جانبها، شجبت إليز أندرسون من “مشروع الإيغور لحقوق الإنسان”، وهي منظمة غير ربحية تقع في الولايات المتحدة، ما حدث في بكين باعتباره “حيلة سياسية تهدف إلى صرف انتباه المجتمع الدولي عن جرائم الدولة الحزبية الفظيعة الموثقة جيدا”.  

بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني، تعتبر سنجان منطقة حدودية يجب أن تظل تحت سيطرة مركزية قوية خشية أن تصبح قناة للتأثيرات الخارجية لتهديد الدولة الصينية الحديثة، أو الأسوأ من ذلك، فقدان السيطرة عليها تماما. يتشكل هذا الموقف جزئيا من خلال الجغرافيا السياسية. تقع سنجان على بعد أكثر من 2000 ميل غرب بكين وتحدها ثماني دول بما في ذلك أفغانستان وباكستان والهند وطاجيكستان وكازاخستان. إلى جانب التبت، المنطقة الواقعة مباشرة إلى الجنوب، تشكل المنطقتان ما يقرب من ثلث مساحة أراضي الصين. 

الامتداد الضيق لحدود سنجان مع أفغانستان، والذي يشمل ممر واخان، يمثل مصدر قلق خاص. وفي حين أعرب المسؤولون الصينيون عن سعادتهم علنًا بالانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان السنة الماضية، تخشى بكين من المخاطر التي قد تجلبها دولة فاشلة على حدودها.

من المعروف أن مقاتلين من حركة تركستان الشرقية الإسلامية، الذين يتمثل هدفهم المعلن في إقامة دولة إيغور مستقلة في سنجان، ينشطون في أفغانستان ولديهم صلات بجماعات متطرفة أخرى. وكما كتب جون سيمبسون، يُعتقد أن ما يصل إلى 5000 من الإيغور قد انضموا إلى تنظيم الدولة في العراق وسوريا، مما يجعلهم من بين أكبر جماعات المقاتلين الأجانب هناك. 

عندما نفذ تنظيم الدولة في خراسان تفجيرا انتحاريا في مسجد في مدينة قندوز الأفغانية في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، زعم التنظيم أن الانتحاري كان من الإيغور وأن الهجوم استهدف علاقات طالبان المتنامية مع بكين. كما شنت جماعات الإيغور هجمات في الصين نفسها. 

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2013، دهست عائلة من الإيغور حشدا من السياح في ميدان تيانانمن بالسيارة، مما أسفر عن مقتل اثنين وإصابة 38 آخرين. وفي شهر آذار/ مارس 2014، قتل متشددون يرتدون ملابس سوداء مسلحين بالسكاكين والمناجل 29 شخصا في محطة قطار في كونمينغ جنوب الصين، في هجوم شبهته وسائل الإعلام الحكومية “بهجمات الحادي عشر من سبتمبر في الصين”. وبعد شهرين، قُتل 31 شخصا على الأقل في تفجير انتحاري في سوق في أورومكي، العاصمة الإقليمية لسنجان.

المسؤولون الصينيون سارعوا إلى تبني لغة الحرب العالمية على الإرهاب لتأطير نهجهم تجاه سنجان. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2001، بعد شهر واحد من هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، جددت بكين مخاوفها بشأن الانفصاليين الإيغور باعتبارهم “تهديدا إرهابيا دوليا مرتبطًا بالقاعدة”، كما كتب الباحث شون روبرتس في كتابه الحرب على الإيغور (2020). 

ضاعفت الحكومة حملتها للقضاء على ما أسمته بـ “الشرور الثلاثة” للانفصالية والتطرف الديني والإرهاب الدولي، مما جعل الدعوات لتقرير مصير الإيغور مرادفة لتهديد المتطرفين الإسلاميين. لقد كانت طريقة مريحة وأكثر استساغة من الناحية السياسية للحديث عن العامل الآخر الذي يقود سياسات الحزب الشيوعي الصيني في المنطقة، ألا وهو الشك المستمر في سكانها.

منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في سنة 1949، أرسل ماو تسي تونغ وفدا إلى موسكو لمناقشة مخاوفه بشأن سنجان مع جوزيف ستالين. واتفق الزعيم السوفيتي مع ماو على ضرورة احتلال وإخضاع المنطقة لسيطرة بكين في حالة محاولة القوى المتنافسة “تنشيط المسلمين” وزرع الفتنة. وكان ستالين قد أشار إلى “النفط والقطن في سنجان” ونصح بإرسال المستوطنين الصينيين لتطوير “هذه المنطقة الضخمة والغنية” وتعزيز حماية حدود الصين.

الحكام الصينيون المتعاقبون تعاملوا مع هذه المنطقة من منظور مماثل، باعتبارها موقعًا استراتيجيًا حيويًا للأمن القومي، ومع ذلك لا يمكن الوثوق بسكانها بشكل كامل. كانت هناك فترات من القمع على مدى عقود، لكن صعود شي جين بينغ إلى السلطة في سنة 2012 كان بمثابة بداية فصل جديد وأكثر عدوانية في نهج الحكومة المركزية. 

في أعقاب الهجوم على محطة القطار في كونمينغ في سنة 2014، قام شي بجولة في سنجان ودعا السلطات إلى توجيه “ضربة ساحقة”. وحذر من أن استقرار البلاد كلها مهدد، داعيا إلى “حرب شعبية” للسيطرة على المنطقة. وفي السنوات التي تلت ذلك، تبنت السلطات نهجا مدمرا للعقاب الجماعي يستهدف السكان المسلمين في سنجان. وبنيت المئات من معسكرات الاعتقال ومورست رقابة خانقة على السكان. وحسب بعض التقديرات، تم احتجاز ما بين 10 و20 بالمئة من السكان البالغين في سنجان.

في سنة 2018، أظهرت لقطات مصورة بطائرة دون طيار مئات الرجال راكعين على الأرض في انتظار تحميلهم في القطارات. وكانوا حليقي الشعر ومقيدين ومعصوبي الأعين. 

وفي ظل تسارع وتيرة الاعتقالات في سنة 2019، أعد المسؤولون المحليون في مدينة توربان في سنجان سيناريو للرد على التساؤلات الأكثر شيوعًا لدى الأقارب المذهولين، من قبيل “أين أفراد عائلتي؟”. ووفقا للوثائق المسربة، أخبروهم بأن أقاربهم متواجدون في “مدرسة تدريب” حكومية وليس هناك “ما يدعو للقلق”. وأوضحت الوثائق أن رسوم المدرسة مجانية، “وكذلك تكاليف الطعام والمعيشة، والمعايير عالية جدا”.
 
وفي ظل اختفاء البالغين الإيغور في المعسكرات، وثقت مجموعات حقوق الإنسان حالات إرسال أطفال إلى دور أيتام تابعة للدولة حتى عندما كان أقاربهم على استعداد لتبنيهم. وكانوا يتلقون تعليمهم في هذه المؤسسات بلغة الماندرين وفُصلوا عن جذورهم الإيغورية. وفي إطار ما يُعرف باسم حملة “أن تصبح من الأسرة”، يقضي مسؤولو الهان الليل مع عائلات الإيغور، بما في ذلك في المنازل التي تم فيها احتجاز الأقارب الذكور، مما يجعل النساء والفتيات عرضة لسوء المعاملة. كما تم تبني سياسات صارمة لتحديد النسل. وهناك تقارير تفيد بتزويد النساء قسرا بأجهزة داخل الرحم وتعقيمهن دون موافقتهن.

عموما، لا يعتبر ظهور رياضية من الإيغور في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية أمرا مطمئنا. وفي أحسن الأحوال، أظهر حفل إضاءة الشعلة أن الحكومة تهتم بما يكفي بالانتقادات الغربية لمحاولة إرساء الوهم القائل إنها تؤمن بالوحدة العرقية. وفي أسوأ الأحوال، كانت تلك الخطوة بمثابة رؤية للمستقبل حددتها الصين للإيغور، ألا وهي الابتسام، والامتثال والتزام الصمت. 

للاطلاع على التقارير السابقة في السلسلة: (التقرير الأول) (التقرير الثاني) (التقرير الثالث)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: