د. هاني الديب
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

حب الكبار

د. هاني الديب
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

استأذنت أسرة الوالد الكريم الاستاذ ابراهيم منير أن أشهد غسله فأذنوا لي لما بيني وبينه من حب. وصلت مكان الغسل في التاسعة صباحا وقمت مع ولديه أحمد وخالد وأخي عبد الله بغسله بدموعنا قبل الماء. كان المشهد لا يوصف. هذا الرجل الذي لم يهدأ يوما في حياته لحمل دعوة ورسالة آمن بها يُسجّى اليوم على سرير نقلبه وهو لا حول ولا قوة بل كنا عفويا نستأذنه ونستسمحه أن نحركه ذات اليمين وذات اليسار!!! سبحان الحي الذي لا يموت!!

بعد أن انتهينا من غسله وكفنه وألقى أهله عليه نظرة الوداع وهممنا بالانصراف إلى المسجد إذا بولده يقول يا دكتور دعنا ننتظر دقائق لأن الأستاذ يوسف ندا في الطريق ليودع أبي!!!! صعقت وقلت له ماذا تقول؟ لقد كان الأستاذ يوسف في أزمة صحية شديدة أول أمس ونصحته بالراحة وعدم الحركة وتغيير بعض الأدوية كيف يأتي إلى هنا؟ قال لقد أصر على الحضور. قلت ولكنّي كلمته بالأمس أعزيه ولم يذكر أنه سيحضر. كيف لرجل في التسعين من العمر بهذه الحالة الصحية الحرجة أن يسافر من لوجانو بسويسرا إلى ميلانو بإيطاليا ثم يستقل طائرة إلى لندن ثم يأتي لمكان الغسل الذي يبعد نحو الساعتين من المطار!!! إنها رحلة قاتلة في ظروفه الصحية!! قال والله سيكون هنا بعد دقائق دعنا لا نغلق النعش قبل أن يراه الأستاذ يوسف.

بالفعل لحظات وجدت الأستاذ يوسف يدخل من باب المغسلة ولم يقوى على المشي إلا عشر خطواتٍ ولم تحمله قدماه هرعنا اليه بكرسي يجلس عليه وانهار الرجل في بكاء وانهرت معه وأنا أحتضنه وأقول هوّن عليك لقد ارتاح الأستاذ ابراهيم من عناء الدنيا. خمس دقائق مضت كأنها دهر والتقطت أنفاسي وحبست دموعي وقلت يا أستاذ يوسف أستحلفك بالله أن تصلي على الأستاذ ابراهيم هنا في المغسلة وتعود من حيث أتيت. بعد إصرارٍ مني وافق ولكننا أغلقنا باب النعش لأنه لن يتحمّل النظر إلى أخيه ابراهيم مسجيا في كفنه!!!

صلى عليه ثم قلت له هيا إلى الفندق لتستريح ثم تستقل الطائرة، قال لا بد أن أحضر الصلاة عليه في المسجد. قلت له والله صحتك لا تتحمل أن تكون في المسجد المكتظ بالناس وفيهم المريض وغيره وبيننا وبين المسجد ساعة في الطريق وهذا يشق عليك فأبى إلا أن يأتي للمسجد على وعد ألا يأتي للمقابر.

صلينا الجنازة في المسجد وذهبنا الى المقابر التي تقع في اقصى شرق لندن على بعد ساعة وربع من المسجد وبدأنا بالدفن وإذا بالأستاذ يوسف أمام الجثمان وعيناه تذرفان الدمع ولا يستطيع الوقوف حتى بمساندة!!

لم يكن ما بين الأستاذ يوسف والاستاذ ابراهيم علاقة تنظيم ولا علاقة نسب ولا مصالح دنيوية بل حب في الله يفوق كل شعور ولا يمكن أن تجسده أي كلمات. أولئك آبائي فمن يأتي بمثلهم!!!

رحمك الله أبا إبراهيم وحفظك الله أبا يوسف.

(البوصلة)

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts