عاطف الجولاني
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

حماس والحسابات المعقّدة مع “الإقليميين الكبار”

عاطف الجولاني
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

ليست المرة الأولى التي تواجه فيها حركة حماس أوضاعاً دقيقة ومعطيات صعبة تستدعي السير بين الأشواك وفي حقول ألغام يمكن أن تنفجر في أي لحظة. 

فطوال عقود اضطرت الحركة، شأنها شأن بقية الفصائل الفلسطينية، للتعامل مع موازنات صعبة ومقاربات دقيقة، تبعات الخطأ فيها أكثر من خطيرة، مع فارق مهم في حالة حماس يزيد الحسابات تعقيداً ويتعلّق بمنطلقاتها الإيديولوجية وطبيعة مشروعها المقاوم الذي يضع الأمة في بؤرة التركيز والاهتمام.

في حالة حماس، المحرمات ليست سياسية فحسب، بل فكرية وشرعية أيضا. وهي مطالبة في آن واحد أن تراعي حسابات المبادئ، وحاجات الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال والحصار، وتطلعات الأمة وأشواقها وانتظاراتها، واستحقاقات القدر الجغرافي الذي لا فكاك منه، واعتبارات التمويل في ظل سياسات الخنق وتجفيف المنابع، ومتطلبات الواقعية والمرونة السياسية وما تقتضيه من تسديد ومقاربة ومفاضلة بين المرغوب والمتاح. 

خلال شهور قليلة مضت كانت حماس أمام حسابات صعبة ومعقّدة في إدارة العلاقة مع أربع دول إقليمية وازنة ومؤثرة إقليمياً؛ تركيا والسعودية ومصر وإيران.

ففي شهر نيسان الماضي اعتقلت السعودية العشرات من أعضاء حماس والمتعاطفين معها، بينهم ممثل الحركة لدى المملكة لسنوات طويلة. ورغم صعوبة الإجراء لوحظ حرص الحركة على معالجة الأزمة بهدوء شديد، عبر الاتصالات والوساطات، وابتعدت عن لغة التصعيد والاستفزاز، في مؤشر واضح إلى إدراكها لأهمية العلاقة مع السعودية ذات التأثير المهمّ والوزن المؤثر في المنطقة العربية. في ذات الوقت شكّل البعد الإنساني المتعلّق بأوضاع المعتقلين ومشاعر عائلاتهم عاملاً ضاغطا على الحركة التي وجدت نفسها أمام وضع دقيق وحساس تحتاج فيه إلى موازنات لا يسهل التعامل معها.

 ويظهر سلوك الحركة أنها في الوقت الذي تولي فيه الاهتمام بمعاناة المعتقلين وذويهم، فإنها ترغب بتجاوز أزمة العلاقة مع السعودية وتطوير العلاقة معها حين تتوفّر الرغبة بذلك.

وخلال شهر تشرين الأول الماضي نفذت تركيا عملية “نبع السلام” العسكرية شمالي الأراضي السورية، وواجهت انتقادات دولية واعتراضات شديدة اللهجة من بعض الأطراف الرسمية العربية، وبصورة سبّبت الحرج للدولة التركية التي باتت معنية بمواقف عربية تعزّز موقفها تصدر عن أطراف ذات مصداقية وتحظى بالاحترام عربياً وإسلامياً، وعلى الفور اتجهت الأنظار صوب حماس التي وجدت نفسها مطالبة أمام الصديق التركي بموقف ينسجم مع التوافقات والتفاهمات وعلاقات الصداقة القوية التي تجمع الطرفين، لكن دون الإضرار بصورة حماس وسياساتها المعلنة في تجنّب الانحياز ورفض التدخلات الخارجية في الشؤون العربية.

كانت معادلة صعبة سعت حماس للخروج منها بأقلّ الخسائر، فأصدرت بياناً متزّنا وحذراً وزنت كلماته بحرص شديد وحساسية بالغة، قالت فيه إن “تتفهم” حقّ تركيا في حماية حدودها والدفاع عن نفسها وإزالة التهديدات التي تمسّ أمنها القومي. 

صحيح أن “التفهّم” لا يرقى إلى مستوى التأييد الصريح للخطوة ويمثّل سقفاً أدنى من ذلك، لكنه كان مقيولاً لدى تركيا التي تقدّر دقة الظروف التي تحيط بموف الحركة.

العلاقة مع مصر شكلت محطة ثالثة في إدارة الحركة لحساباتها الدقيقة مع الأطراف الإقليمية المهمّة، وهي علاقة محكومة بحسابات السياسة وتأثير القدر الجغرافي الذي يربط مصر بقطاع غزة. 

فلشهور طويلة أرجأت مصر جولة رئيس الحركة إسماعيل هنية إلى دول الإقليم والعالم، وحين أتيح تنظيم الجولة في الشهر الأخير من العام 2019 سعت التوجهات المصرية للتأثير في بعض تفاصيل الجولة. ومجدداً لوحظ أن الحركة تعاملت بمرونة عالية وحرص شديد على تجنّب توتير العلاقة وتحاشي نقاط التأزيم، فالأمر يتعلق بالشقيقة العربية الكبرى وصاحبة التأثير الأقوى في الملف الفلسطيني.

وجاءت عملية اغتيال القوات الأمريكية لقائد فيلق القدس في إيران قاسم سليماني الذي يعدّ المسؤول الأبرز في إيران بعد خامنئي أو بموازاته، لتشكّل اختباراً جديداً ومحطة رابعة في معادلة الحسابات الدقيقة لدى الحركة.

 فمن جهة لعب سليماني الدور الأهم إيرانياً في إدارة العلاقة مع حماس بما تضمنه ذلك من دعم مالي وعسكري وتطوير لإمكانات المقاومة وقدراتها في مواجهة الاحتلال، ومن جهة أخرى برزت خلال الأعوام الماضية انتقادات في المحيط العربي لأدواره في سوريا والعراق واليمن، وفي ذات الوقت تجاوزت العلاقة بين إيران وحماس حالة الفتور التي نجمت عن تباين الموقف من الأزمة السورية، وبدا واضحاً رغبة الطرفين بتطوير العلاقة ضمن المشتركات ونقاط التفاهم بعيداً عن نقاط التباين في المواقف والآراء.

وكما هو الحال في المحطات الثلاث السابقة، لم يحظ موقف حماس من إدانة اغتيال القوات الأمريكية لسليماني برضا المنتقدين للحركة. 

فلا التعامل الهادىً مع أزمة الاعتقالات في السعودية أرضى البعض، ولا “التفهّم” لدوافع العملية العسكرية التركية في شمال سوريا كان مقبولاً لدى البعض، ولا التعاطي المرن مع استحقاقات السياسة والجغرافيا في إدارة العلاقة مع مصر كان مقبولاً لدى ذلك البعض أيضاً.

من الواضح أن الخروج بأقل الخسائر في التعامل مع “الكبار الإقليميين” كانت السياسة التي اعتمدتها حماس في إدارة علاقاتها وحساباتها المعقّدة مع الأصدقاء ومع الآخرين الذين يمارسون الضغوط على الحركة، على حدّ سواء. فلا هي اندفعت في الدفاع عن الأصدقاء ولا تهوّرت بالتصعيد مع غيرهم، واتخذت مواقف متوازنة قد لا ترضي البعض لكنها لا تضحي بمصالح جوهرية. 

أداء الحركة يظهر أنها كانت تدرك جيداً أن الدول الأقليمية تنطلق في علاقاتها مع حماس، ومع غيرها من القوى السياسية، من حسابات  المصالح التي إن لم تراع بقدر معقول وتؤخذ بالحسبان فإن مجمل العلاقة يصبح في مهب الريح، الأمر الذي يلحق الضرر بالحركة وبالقضية الفلسطينية في آن واحد.

ما لا يدركه كثير ممن يستسهلون إصدار الإحكام أن المحددات والاعتبارات التي تحكم مواقف الدول والكيانات السياسية  تختلف عن اعتبارات الأفراد الذين تنحصر نتائج مواقفهم على ذواتهم ولا تتجاوزها. فثمة تبعات وتداعيات لأي قرار أو موقف سياسي تتخذه الدول والكيانات السياسية، وثمة شعور بالمسؤولية لا تحكمه الأمنيات والرغبات والاندفاعات.

في فهم مواقف حماس وسلوكها السياسي، أبرزت الوثيقة السياسية للحركة التي انطوت على مساحات مرونة واسعة، أن الحديث يدور عن حركة سياسية واقعية تهتم بالإنجاز وتحقيق المصالح وتعزيز الحضور للحركة وللقضية الفلسطينية. 

وهذا مفتاح مهم لفهم سلوك الحركة وتفسير مواقفها سواء تعلّق الأمر بقضايا الشأن الفلسطيني الداخلي أو بعلاقاتها مع الأطراف الإقليمية والدولية، ولعل هذا ما يفسر مواقفها المرنة من جهود التهدئة مع الاحتلال في قطاع غزة، وترحيبها بدعوة رئيس السلطة الفلسطينية لإجراء الانتخابات التشريعية في الأراضي الفلسطينية مؤخراً. 

من حق الذين ينتقدون حركة حماس أن يعبّروا عن مواقفهم التي تنطلق من تقديراتهم وحساباتهم ومدركاتهم، فحماس كغيرها من الكيانات السياسية تصيب وتخطئ وليست معصومة أو فوق النقد والتقييم. وفي المقابل من حق حماس التي تدرك تعقيدات المشهد السياسي وتتحمّل مسؤولية حماية مشروعها المقاوم والإسهام في تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني، أن تفاضل بين خياراتها وأن تبحث عن مقاربات دقيقة ومتوازنة تحقق المصالح وتدرأ الأخطار.

الأمر لا يتعلّق بحركة حماس وحدها، بل بكل الذي يدخلون حلبة العمل السياسي. لن تكون خياراتهم ومفاضلاتهم سهلة، وسيجدون أنفسهم، شاؤوا أم أبوا، أمام استحقاقات صعبة وموازنات دقيقة، تفرض عليهم أخذ مصالح الآخرين بالحسبان. فمن لا يحرص على تقاطع المصالح، ولا يدرك حدود الممكن والمتاح، ولا يمتلك المرونة السياسية الكافية والقدرة العالية على التكيّف مع المعطيات والمتغيرات، سيمارس عملية انتحار سياسي تخرجه من دائرة الفعل والتأثير والحضور.

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts