خبير عسكري لـ”البوصلة”: هكذا سيتخلخل النظام العالمي بعد حرب أوكرانيا

خبير عسكري لـ”البوصلة”: هكذا سيتخلخل النظام العالمي بعد حرب أوكرانيا

عمان – رائد صبيح

تتوالى تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا بدخولها اليوم الرابع والثلاثين وتأثيرها الهائل بخلخلة النظام العالمي برمّته إلى الحدّ الذي يقرأه خبراء كبداية “خلخلة” حقيقية في النظام القائم، تمهيدًا لقيام نظامٍ عالميٍ جديد.

وأكد الخبير العسكري الدكتور قاصد محمود في تصريحاته لـ”البوصلة” أنّ الحرب الروسية على أوكرانيا “عملية فوق إستراتيجية” تستشرف مجالاً حيويًا أبعد من الجغرافيا الروسية، مشددًا على أنّ بوتين يبحث عن مجال حيوي روسي عالمي في النظام العالمي يذهب إلى حد السعي نحو إعادة “الاتحاد السوفييتي” كهدفٍ نهائيٍ.

وقال الدكتور قاصد محمود إن النظام العالمي بقيادة أمريكا وأوروبا ارتكب أخطاءً كبرى فادحة أدت إلى زعزعة الثقة بهذا النظام وإمكانية استمراره، مشددًا على أنّ أحد تداعيات الحرب اليوم ستكون خلخلة حقيقية للنظام العالمي بغض النظر عن نتائج الحرب على أوكرانيا، لا سيما بعد ظهور ازدواجية المعايير في التعامل مع ملف الحرب ومصادرة أموال وفرض عقوبات قاسية على روسيا، وبذلك لن يثق أحد بعد اليوم بأمريكا والنظام الرأسمالي العالمي.

ومن وجهة نظره الخاصة، يرى محمود أن نظامًا عالميًا جديدًا سيتشكل لن يكون فيه “ناتو”، فيما ستستمر الحرب المفتوحة على أوكرانيا بحالة انعدام حسم لفترة طويلة كما كانت سابقًا، منوهًا إلى أن البنية العسكرية الأوكرانية تم تفكيكها، ولن تقوم لها قائمة قبل عشر سنوات، فيما الاقتصاد الأوكراني سيحتاج عشرات السنين لإعادة بنائه، مؤكدًا أنّه وبغض النظر عن نتائج الحرب سواءً كانت سريعة أو غير ذلك، أو كانت بانتصار حاسم، فنحن أمام جغرافيا كبيرة جدًا لن تنتهي بعملية خاطفة.الحرب البيولوجية ومصالح الغرب

وعلى الرغم من أن الخبير العسكري يرى أن من مصلحة الغرب وأمريكا عدم نجاح روسيا واستنزافها في هذه المعركة، ولكنه يؤكد أنه ليس من مصلحتهم أن تصل الأمور إلى الجدار ويجد نفسه في حالة مواجهة مع روسيا تتحول بشكلٍ أو بآخر إلى مواجهة غير تقليدية، ولذلك ذهبوا مع روسيا إلى مواجهة اقتصادية وإعلامية.

وقال محمود: “أعتقد أن الغرب وأمريكا متورط في الحرب على أوكرانيا أكثر من روسيا، وإن كانت موجعة لروسيا، ولكنّها موجعة لهم أكثر، ويبحثون لهم فيها عن مخرج”.

وقال الخبير العسكري: إن ملف “الحرب البيولوجية” الذي تحدثته عنه روسيا، مهم جدًا وهو أحد أهم أسباب الحرب، فمراكز أبحاث ومراكز علمية في أوكرانيا لكن بينها وبين “المراكز العسكرية” شعرة صغيرة لا يراها أحد وهذا شيء طبيعي، لكن ما علاقة أمريكا بهذه المراكز، ولدى روسيا ملف متكامل تم مناقشته في مجلس الأمن لكن الغالبية العظمى في هذا المجلس ضد الحرب الروسية على أوكرانيا.

وشدد على أن هذا الملف ليس خياليا ولا إعلاميًا وليس خدعة بل هو ملف حقيقي، فالرئيس الروسي بوتين يهمّه الرأي العام الروسي والصين أكثر من ايّ شيء آخر، فالصين موجوعة من أمريكا في جائحة كورونا، والصين اليوم في الموقف الأقوى والمناسب لها تماما حتى تأتي بالرد المناسب على أمريكا في الوقت المناسب، وأعتقد أنه سيكون قريبًا، لأن هذا الملف حقيقي وجديّ.

قراءة الأحداث

وفي قراءته لتفاصيل العملية الروسية على الأرض، نوه الدكتور قاصد محمود إلى أن الحرب بدأت قبل شهر، بدأت بحملات عسكرية كبرى لم نشهد لها مثيلاً في آخر خمسة عقود، فحين غزت أمريكا العراق بمساعدة 30 دولة لم تستخدم هذا العدد من الجنود، كما فعلت روسيا في أوكرانيا.

واشار إلى أنّ الجيش الروسي هاجم بثلاثة جيوش وبثلاثة اتجاهات استراتيجية من الشرق والجنوب ومن الشمال، وكان في حالة حرب مفتوحة على كل الجغرافيا الشرقية والجنوبية الأوكرانية وأربكوا الجيش الأوكراني الذي كان مركزًا على إقليم دونباس الجمهورية الانفصالية وسعيه لتحريرها.

ونوه إلى أن هذا أحد اسباب الاستعجال في الحرب الروسية بحسب الرواية الروسية حول نية الجيش الأوكراني مهاجة دونباس لا سيما وان الانتشار والانفتاح الإستراتيجي وقوات المناورة الرئيسية للجيش الأوكراني كانت باتجاه الإقليم.

وتابع بالقول: بدأت الحرب شبه تقليدية جدًا بكل الوسائل على المراكز الإستراتيجية والحيوية والبنى التحتية العسكرية والدفاعية ومن ثم المدنية، منوهًا في الوقت نفسه إلى أن الجيش الروسي يسعى لفرض عناصر قوته حتى يستمر في القتال، وكانت مناورات الشرق لدعم وتعزيز للقوات الانفصالية لتحرير باقي الأرض للجمهوريات المستقلة بدعم روسي، وتحركت القوات من الجنوب سيرًا باتجاه ماريوبل التي تعتبر الرابط البري مع دونباس، ثم اتجهوا غربًا لأوديسا لتأمينها على البحر الأسود، ومن ثم ستتجه القوات باتجاه العمق الغربي إلى مولدافيا حتى يتصلوا بريًا مع الانفصاليين هناك حيث يوجد شريط انفصالي.

خلق واقع عسكري روسي جديد

وشدد الخبير العسكري على أنّ روسيا تسعى اليوم لتوحيد المناطق التي احتلها، ولذلك تمّت السيطرة على خريسون (كمركز للإقليم) ويجري مفاوضات مع الإدارات المحلية لإعلان إقليم منفصل كما حدث في دونباس، وهذا سبب التأخير في المحور الجنوبي الغربي، مستدركًا لكن ذلك لا يعني أنّهم سيدعوا أوديسا ولكنّهم سيحتلونها عاجلاً أم آجلا.

وتابع حديثه: إن الجيش الروسي سيكمل عملياته باتجاه الغرب لحدود مولدافيا في المرحلة الثانية، لكنهم في المرحلة الحالية فإنهم ثبتوا محيط “كييف” تثبيتًا عامًا، وأجبروا جزءًا كبيرًا من القوات الروسية للذهاب هناك، وخففوا الضغط عن القوات في دونباس لإكمال مهمّة تحرير الإقليم.

وقال محمود: الآن المرحلة الحالية الانتهاء من ماريوبيل بأقرب فرصة وتثبيت حدود الدولة الانفصالية واتصالها بالحدود الروسية الطبيعية بأقصى سرعة، ثمّ يذهب باتجاه الغرب وأوديسا، وخلال هذه المرحلة ستكون الضربات مستمرة.

وأوضح أنه “خلال أسبوعين إلى شهر ستكون روسيا خلقت واقعًا عسكريًا جديدًا، حتى لو تمّ وقف إطلاق النّار، ولذلك بوتين سيذهب لأبعد مدى في هذه الحرب إما يربح كل شيء أو يخسر كل شيء”، مستدركًا بالقول: “لكن هذه الحرب أوكرانيا هي ساحة مواجهة بين روسيا والغرب وأمريكا، وستبقى مفتوحة على احتمالات لا يستبعد منها شيء”.

وختم الخبير العسكري حديثه لـ “البوصلة” بالقول: كان الأجدى بأوكرانيا التفاهم مع روسيا قبل تصاعد الأمور لمرحلة الحرب، ولكنّهم غامروا بالرهان على أنّ الحرب مكلفة على روسيا عسكريًا واقتصادياً، ولكننا نرى أنه وبعد شهر ما زالت روسيا مستمرة ولديها منافذ وخيارات إستراتيجية حقيقية، فليست روسيا مثل العراق ولا إيران، وظهره اقتصاديًا للصين ودول اخرى كثيرة ستحميه في ظل حاجتها للنفط والسلع الإستراتيجية.

 (البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: