سد كهرمائي جديد في جنوب السودان: خطر على مصر؟

سد كهرمائي جديد في جنوب السودان: خطر على مصر؟

كشفت مجلة Nikkei Asia أشهر المجلات الاقتصادية الآسيوية، عن صراع دائر حالياً بين البنوك الصينية من جهة والبنك الدولي من جهة أخرى، بشأن تمويل “سد كهرومائي ضخم” على مجرى النيل الأبيض في دولة جنوب السودان، وذلك لتوليد 2500 ميغاواط/ساعة، ما يطرح تساؤلات حول تداعياته على المياه المتدفقة إلى مصر، التي تواجه بالأساس خطراً كبيراً بفعل سد النهضة العملاق في إثيوبيا والذي يشرف بناءه على الانتهاء.

وقالت المجلة في تقرير نُشر في 19 إبريل/نيسان الجاري، إن الصين “تنظر إلى الاستثمار في قطاع الطاقة بالدول الأفريقية، كجزء من المبادرة الصينية بعيدة المدى والمعروفة باسم (الطريق والحزام)، بينما تنظر الولايات المتحدة، إلى تعاظم دور الصين في القارة الأفريقية خصوصاً في مجال الطاقة النظيفة، كتقليل استراتيجي من الدور الأميركي في أفريقيا، وأن نجاح الصين في تطوير قطاع الطاقة في الدول الأفريقية، سوف يجعلها منافساً أساسياً للعديد من الشركات الأميركية والأوروبية المحتكرة لمجال البنية التحتية الاستراتيجية للدول الأفريقية.

وأكد التقرير أن استثمارات الدولة الصينية في مجال الطاقة بالدول الأفريقية، وصل إلى قرابة 14.5 مليار دولار حتى نهاية عام 2020، منها الاستثمار في بناء سد النهضة الإثيوبي، وذلك ضمن إجمالي قدره 54 مليار دولار تم استثمارها في الدول الأفريقية خلال الفترة بين 2018 و2020، بينما قدم البنك الدولي بتوصيات أميركية قدراً من الاستثمارات تعادل 34 مليار دولار فقط عن نفس الفترة.

تحويل المياه إلى سلعة

الباحث المصري في مجال البيئة والتنمية، ومنسق منتدى “الحق في المياه بالمنطقة العربية” عبد المولى إسماعيل، قال في حديث لـ”العربي الجديد” إن “بناء السدود سواء سد النهضة أو غيره من السدود الأخرى، ليس هدفه فقط الحصول على الطاقة الكهرومائية، بل أن أهدافه أبعد من ذلك بكثير، وهي قضية تحويل المياه إلى سلعة وهي ليست قضية أيكولوجية فقط، بل تأخذ أبعاداً اقتصادية وسياسية معاً”.

وأضاف أن “حصر قضية السدود خصوصاً الكبرى منها، في مسألة الطاقة، كلام حق يراد به باطل، فالهدف الرئيس هو الاتجار في المياه، وقد حذرنا مراراً من هذا التوجه الذي بدأته مصر للأسف على يد وزير الري السابق محمود أبو زيد، ودوره المهم في تأسيس المنتدى العالمي للمياه، الذي تم بدعم من مؤسسات التمويل الدولية وكذلك الشركات عابرة القوميات التي تتاجر في المياه، وذلك ارتباطا بمبادرة دول حوض النيل 1998 برعاية البنك الدولي وبموافقة مصرية”.

وتابع إسماعيل: “بداية بناء السدود على منابع النيل له تداعيات خطيرة سواء من الناحية البيئية أو من ناحية حق الناس في الوصول إلى المياه، وتداعياته ستكون لها آثار سلبية ضخمة، خصوصاً ما يتعلق بتعميق الفجوة الغذائية والانكشاف المائي، حيث الآن متوسط نصيب الفرد في مصر دون حدود الفقر المائي، وهناك مشاكل كبيرة في التوسع الزراعي مستقبلا، لأن حصتنا من المياه ثابتة، ولدينا فجوة مائية تكاد تصل إلى ما يقارب 100% في 2050، ومن ثم سنظل في حالة عجز مائي وساعتها سيكون الدفع مقابل الحصول على الماء”.

وقال إسماعيل :”ليس أمامنا للخروج من هذا المأزق سوى تبني خطاب مغاير تماما على الصعيد الدولي والإقليمي والمحلي، وكذلك التأكيد أن المياه إرث إنساني مشترك، لا يجوز لأي طرف احتكاره أو التحكم فيه، وكذلك إعمال المبادئ القانونية للأنهار الدولية، وتأكيد مبدأ الاستخدام المنصف والعادل، وأن نتبنى رفض تسليع وتتجير المياه (تحويل المياه إلى سلعة وتجارة)، وما يتطلبه ذلك من موقف أكثر وضوحا في رفض سياسة بناء السدود الكبرى، ودور مؤسسات التمويل الدولية في ذلك، يعني بالأحرى خطاب قائم على تأكيد وإعمال القانون الدولي الإنساني في الاستخدام المنصف والعادل والخروج من أي اتفاقيات تتناقص مع تلك المبادئ”.

من جهته، قال خبير هندسة السدود المصري محمد حافظ في حديث لـ”العربي الجديد”: “في واقع الأمر الحديث عن بناء سد ضخم على مجرى النيل الأبيض بدولة السودان كان قد جاء على لسان نائب وزير الخارجية الجنوب سوداني دينق داو دينق والذي صرح في يونيو/حزيران 2021، بأن بلاده تخطط لتحقيق حلم تطمح لتحقيقه منذ عقد من الزمان لبناء سد كبير على نهر النيل، لتوفير كهرباء رخيصة والمساعدة في منع الفيضانات المدمرة، وذلك خلال زيارة وزير الري المصري حينذاك محمد عبد العاطي، إلى دولة جنوب السودان، ووعده بقيام الدولة المصرية ببناء سد صغير على أحد فروع نهر الجور بحوض بحر الغزال (فرع سيوي) والذي عرف باسم سد واو والقادر على توليد قرابة 10 ميغاواط، وتوفير مياه شرب نظيفة لقرابة نصف مليون مواطن سوداني، هذا بالإضافة لتوفير مياه ري لقرابة 35 ألف فدان”.

تقليص التدفقات المائية

وأوضح حافظ أنه “بشكل عام فإن بناء سد صغير أو حتى سدين في حدود 5 مليارات متر مكعب لكل منهما بمنطقة المستنقعات بدولة جنوب السودان، أمر جيد لدولة جنوب السودان، وأيضا للدولة المصرية، وذلك لأن حجم الفواقد المائية بتلك المستنقعات كبير جدا وأحد أسباب انتشار الفقر في دولة جنوب السودان، وأن بناء عدد من السدود الصغيرة هو أمر جيد لتقليل حجم الفواقد بتلك المنطقة، ولكن بشرط ألا تزيد سعة أي من تلك السدود عن 5-7 مليارات متر مكعب، بحيث يمكن تفريغها في نهاية العام المائي، توقعًا لملئها مرة ثانية بعد وصول فيضان العام المائي الجديد، تماما مثل سد الرصيرص أو سد مروي في دولة السودان”.

وأضاف: “أما في حال قررت دولة جنوب السودان إنشاء سد كبير بسعة تزيد عن 7 مليارات متر مكعب مثل السد التنزاني الذي تبنيه شركة “المقاولون العرب” المصرية في تنزانيا والذي يتسع لقرابة 34 مليار متر مكعب ويولد قرابة 2100 ميغاواط/ساعة، فعندئذ سيكون هذا السد بنفس خطورة سد النهضة على الدولة المصرية، حيث إن النيل الأبيض يوفر للدولة المصرية قرابة 15% من حصتها المائية، وبناء سد ضخم يحجز أكثر من فيضان ببحيرة التخزين، سيكون عقبة إضافية لتقليص التدفقات المائية للنيل الموحد الذي يصب في بحيرة ناصر (جنوب مصر)”.

لكن حافظ رأى أنه “من الناحية الفنية البحتة، فإن إنشاء سد ضخم في حجم السد التنزاني على سبيل المثال بمنطقة مستنقعات دولة جنوب السودان لهو تحد هندسي كبير لأي شركة صينية أو أميركية، وذلك بسبب ضعف أراضي دولة جنوب السودان المشاطئة لمجرى النيل الأبيض، حيث تتكون تلك الأراضي من تربة ضعيفة جدا تعرف باسم القطن الأسود، وأن البناء عليها يستلزم عمليات تحسين تربة غالية جداً ربما تعادل 50% من تكاليف بناء السد”.

من جهته قال الباحث السوداني المهتم بقضايا الزراعة والموارد الطبيعية صقر النور: “حسب الخبر فإن السد التي تطمح جنوب السودان لبنائه، سد كهرباء، وسدود الكهرباء عموماً لا تؤثر بعد ملء خزاناتها على دول المصب، إلا في حالة استخدام المخزون في أنشطة زراعية، وهنا تتقلص كمية المياه التي تصل لدول المصب”.

وأضاف النور أنه “خلال سنوات الملء، يتم الاتفاق حولها والاستفادة من سنوات الفيضانات العالية، وتجنب الملء في أثناء الجفاف، وهي أهم الاشتراطات، أما تبادل المعلومات والتنسيق بين الخزانات، فهو شرط ثان ضروري جدا خصوصاً في حال السدود الكبيرة التي تؤثر على جريان النيل.

أما الشيء الأخير فهو إمكانية التنسيق والربط الكهربائي والمائي بالشكل الذي يسمح لهذه الخزانات بأن تعمل لصالح الجميع في أوقات الفيضان الطويل، وهذا التصور ممكن وقد طرحه باحثون مهمون مثل الباحث محمد بشير من جامعة مانشستر والباحث كيفين ويكلر من جامعة أوكسفورد، وأيضاً الباحث الفاتح الطاهر في دراسة مهمة نشرت في مجلة ناتشر الشهيرة.

ويشيرا هذا التصور إلى أن إيراد النيل من المحتمل أن يزيد نتيجة التغيرات المناخية، لكن التذبذب وعدم الانضباط في مواسم الفيضان والجفاف، قد يزيد أيضاً وبالتالي فقد يكون التخزين مفيدًا إذا اتفق الجميع حول آليات التشارك في أوقات الجفاف الطويل أو الظواهر المناخية المتطرفة”.

(العربي الجديد)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: