فراس أبو هلال
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

عن اغتصاب “الأمة” والاتهامات باغتصاب حرائر غزة

فراس أبو هلال
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

أثارت شهادة سيدة فلسطينية تحدثت عن اقتحام الاحتلال لمستشفى الشفاء في غزة والمنطقة التي حولها ضجة كبيرة ونقاش حاد، بعد أن قالت السيدة المكلومة في حديثها للجزيرة إن سيدات تعرضن للاغتصاب من جنود الاحتلال.

تصاعدت حدة النقاش عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن نشرت ناشطات ونشطاء من غزة شهادات عن حالات اغتصاب محتملة بين مؤكد وناف لحدوث مثل هذه الحالات.

وعلى الرغم من نفي عائلة السيدة أن تكون قد قصدت حدوث اغتصاب، والقول بأن شهادتها كانت مرتبكة بسبب هول ما حدث من عدوان على النازحين في مستشفى الشفاء وما حولها، وقول نشطاء إنها قصدت “اختطاف” وليس “اغتصاب”، إلا أن الجدل لا يزال مستمرا.

انتهاكات جنسية مؤكدة

إذا اعتبرنا شهادة السيدة الغزاوية غير دقيقة وهذا أمر وارد جدا بسبب السياق الذي تحدثت به، فإن ثمة عشرات الشهادات عن التحرش والتعرية التي حدثت وتحدث في مراكز الاعتقال التي يحتجز بها الاحتلال مدنيين ومدنيات من غزة منذ بدء الحرب العدوانية على القطاع. وقد أكدت تسريبات إعلامية أن الولايات المتحدة نقلت لقادة جيش الاحتلال قلقها بسبب استخدام جنوده التحرش والاعتداءات الجنسية المختلفة ضد النساء والرجال على حد سواء، وهو ما تحدث عنه أيضا مسؤولون ومسؤولات تابعين للأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى. يضاف إلى ذلك ما نشر من صور عبر مواقع جيش الاحتلال نفسه لشبان وأطفال مدنيين تمت تعريتهم باستثناء ملابسهم الداخلية أثناء تعرضهم للاعتقال التعسفي.

هذه الشواهد جميعها تؤكد وجود اعتداءات جنسية وتحرش واستغلال جنسي ضد المعتقلين والمعتقلات، حتى لو لم تصل للاغتصاب، وهي بحد ذاتها جرائم بشعة تخالف كل الأعراف الإنسانية والمواثيق الدولية.

جيش لا أخلاقي

حرص جيش الاحتلال وسياسيوه منذ عقود على ترويج فكرة أنه “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”، وقد سعى لتثبيت هذه الصورة من خلال دعاية مكتملة الأركان مع وجود “مدونة ممارسة” معلنة للجيش للالتزام بهذه الصورة.

والحقيقة أن هذا الجيش هو من أرذل جيوش العالم أخلاقية، فهو ابتداء يمارس واحدة من أكبر الجرائم الأخلاقية في التاريخ وهو الاحتلال، بما يعنيه من سلب للأرض والتاريخ والحاضر والمستقبل والكرامة والتفاصيل اليومية لحياة كل فلسطيني واقع تحت هذا الاحتلال البغيض.

إضافة لهذه “الخطيئة الأصلية”، فلم يتورع هذا الجيش الفاشي عن ارتكاب أي جريمة، كالاعتقال التعسفي، والتعذيب، ومصادرة الأراضي، وهدم البيوت، والقتل الميداني بدون محاكمة، والتنكيل بالأسرى، وتعطيل الحياة اليومية للفلسطيني على المعابر والحواجز التي تنتشر بالمئات في الضفة الغربية، وسرقة المياه، والاستغلال الجنسي خصوصا للقصر، وغيرها من الجرائم الموصوفة بالقانون الإنساني الدولي.

ومع ذلك، فقد كان قادرا على ترويج صورة أخلاقية من خلال إعلام قوي، ودبلوماسية نشطة، ولعب دور الضحية، والالتزام بمدونة السلوك من قبل الجنود على السطح، وإن كان يرتكب الجرائم كلها تحت هذا السطح المصنوع بعناية.

استطاع الاحتلال أن ينجح في مهمته لدرجة أن عربا مؤيدين للقضية الفلسطينية تورطوا في وقت من الأوقات بالتغني بأخلاقية هذا الجيش، في ظل القمع الذي لقيته شعوب عربية على أيدي الاستبداد العربي الرسمي. أما في هذه الحرب، فلم يعد جيش الاحتلال حريصا على الصورة. لقد تحكمت به غريزة الانتقام البدائية فمارس كل الجرائم علنا، بل إنه أعلن مسبقا قبل شن العدوان أن ما يهمه القوة وليس الدقة (بمعنى أن قتل أكبر عدد من المدنيين لتحقيق أهدافه هو أمر هامشي)، واستخدم خطاب “الإبادة الجماعية” على لسان قادته وسياسيي حكومته، كما أن جنوده تفننوا في نشر فضائحهم وجرائمهم على مواقع التواصل الاجتماعي مثل هدم البيوت للتسلية، وسرقة المنازل التي هُجِّر أهلها أو قتلوا، والعبث بمقتنيات النساء في البيوت المُخلاة بما في ذلك استعراض الملابس العائلية أو الداخلية للنساء، وقتل المدنيين على الهواء مباشرة، واقتحام المستشفيات، وهدم التراث والمساجد والمراكز الصحية، والتنكيل بالأطفال والطواقم الطبية والإسعاف، وغيرها الكثير من الجرائم التي يندى لها جبين البشرية.

إن هذا السلوك المشين الذي كان مخفيا بدقة، وأصبح الآن مكشوفا ومفضوحا، يعني أن تقييم أحداث هذه الحرب لا يمكن أن يتم بالقياس على الحروب الماضية، على بشاعتها، وأن الأصل تصديق كل ما يتهم به هذا الجيش المجرم وغير الأخلاقي، حتى يثبت العكس.

في نقاش أسباب النفي

نفى كثيرون من النشطاء في غزة والعالم العربي حدوث جرائم اغتصاب لأسباب مختلفة، ونحن وإن كنا لا نثبتها إلا إذا صدرت تقارير موثوقة تؤكد ذلك، إلا أننا لا نستبعد ارتكاب جيش الاحتلال أي جريمة.

من المفهوم أن نشطاء من غزة نفوا وجود جرائم اغتصاب، بسبب صعوبة الأمر على العائلات في أي مكان، فضلا عن مجتمع محافظ شرقي مثل المجتمع الفلسطيني في غزة، ورغبة في تنزيه نساء غزة الحرائر عن التعرض لهذه الجريمة النكراء، ولكن هذا النفي أو التشكيك المشروع يجب أن لا يحرف عن أمر أهم وهو تثبيت الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال وتوثيقها، لتعريته أولا في العالم، وملاحقته لاحقا في المحاكم الدولية، الآن وفي المستقبل.

ومن الأسباب المشروعة للنفي هي أن مثل هذه الأخبار إذا انتشرت فإنها قد تؤدي إلى تصاعد محاولات العائلات للهجرة واللجوء، حيث إن مزاعم الاغتصاب التي نشرت إبّان أحداث النكبة كان لها دور محوري في هجرة الفلسطينيين الذين خافوا على أعراضهم وشرفهم، وفضلوا اللجوء على تعرض نسائهم للاعتداء من جنود العصابات الصهيونية آنذاك. وهنا يجب التأكيد على أهمية تثبيت الفلسطينيين في بلادهم، وعدم اللجوء للتهويل، ولكن بدون التخلي عن توثيق كافة أنواع الجرائم بما في ذلك الاعتداءات الجنسية.

ولأن هذه الأسباب مشروعة وتنطلق من الرغبة بحماية العائلات الفلسطينية وتثبيتها في أرضها، فإن من غير اللائق اتهام النشطاء الذين ينفون جرائم الاغتصاب بأنهم يقومون بذلك لأسباب حزبية أو للتغطية على الاحتلال، بل المطلوب هو أن يبقى النقاش في إطار الإيمان أن أصحاب الآراء المختلفة إنما ينطلقون من أرضية الدفاع عن الشعب الفلسطيني ونساء غزة الحرائر العظيمات.

ولكن بعض التفسيرات الرافضة لوجود جرائم اغتصاب تحتاج إلى رؤية الصورة بشكل أوسع، ومنها تلك الآراء التي تستند في ذلك النفي إلى القول بأن نساء فلسطين عفيفات وشريفات ويفضلن الموت على الاغتصاب. وعلى الرغم من عفة وشرف وكرامة المرأة الفلسطينية فإن هذا التفسير يبدو أحيانا وكأنه طعن -غير مقصود بالتأكيد- في نساء عربيات أو في أي مكان في العالم تعرضن للاغتصاب. لا توجد امرأة في العالم توافق على الاغتصاب، ولا توجد امرأة لا يعتبر تعرضها لهذه الجريمة جرحا غائرا في روحها يلازمها طالما بقيت على قيد الحياة.

وفي نقاش التفسير السابق أيضا، فقد يبدو الكلام وكأنه طعن -بدون قصد أيضا- في المرأة الغزاوية التي تعرضت للاغتصاب -إذا ثبت ذلك لا قدر الله- وكأنها لم تدافع عن شرفها كما يجب. عندما يتعرض الإنسان رجلا كان أو امرأة للاغتصاب تحت السلاح مهما قاوم، فإن الطعن ليس به، بل بالمجرم المغتصب وبالأمة التي تركت هذا المغتصب يصول ويجول، أما الضحية فيجب أن يدافع عنها ويقدم لها الدعم المعنوي والنفسي بأقصى قدرة ممكنة.

اغتصاب الأمة أم اغتصاب الحرائر؟

ثمة أسباب مشروعة كما ذكرنا لنفي كثير من النشطاء العرب لوجود حالات اغتصاب ضد نساء غزة، ولكن يبدو أيضا أن بعض العرب من الرجال تحديدا، يتسرعون بالنفي حتى لا تخدش “رجولتهم”، والحقيقة أن كرامة الأمة رجالا ونساء اغتصبت ليس من اليوم بل منذ عقود، حينما اغتصبت فلسطين والعراق وحينما انتهكت إنسانية الشعوب العربية التي ثارت لأجل حقوقها المشروعة في سوريا وتونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها، وحينما تحولت الدول العربية لصمّام أمان لأبشع احتلال في التاريخ الحديث، وها هي تنتهك كرامتها كل لحظة جهارا نهارا في هذه الأيام الأشد حلكة في تاريخها الحديث. ما يغتصب اليوم حقيقة وليس مجازا، هي هذه الأمة العاجزة، وليس حرائر غزة اللواتي يوزعن شرفا على الكون كله.

(عربي٢١)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts