غلاء المواد الأولية يلغي صناعة الحلوى المنزلية ويحرم السوريين من كعك العيد

غلاء المواد الأولية يلغي صناعة الحلوى المنزلية ويحرم السوريين من كعك العيد

“صارت الحلوى كماليات ومأكول الأغنياء فقط”، هكذا يقول الإعلامي محمد عبد الله من دمشق، بعد أن ارتفعت أسعار الحلويات بأكثر من 100% عن العام الماضي، وارتفعت تكاليف صناعة الحلويات المنزلية، بسبب ارتفاع أسعار الطحين والسكر والمكسرات، إلى الحد الذي لا تستطيعه أسرة دخلها نحو 100 ألف ليرة سورية (13.2 دولارا). (الدولار= 7600 ليرة).

ويشير الإعلامي السوري من دمشق، خلال اتصال مع “العربي الجديد”، إلى أن متوسط سعر كيلو الحلويات الدمشقية بلغ 150 ألف ليرة، في حين سجلت أنواع الحلويات بالفستق الحلبي والسمنة الحيوانية، أكثر من 200 ألف ليرة، مبيناً أن سعر كيلو “المبرومة، البلورية، كول وشكور والآسية” بلغ في حي المزة 170 ألف ليرة، ويباع في حي المرجة وسوق الميدان الشهير، بجودة أقل وسمن ممزوج، نباتي وحيواني، بسعر 150 ألف ليرة.

لكن الفقراء محرومون من حلوى العيد، بحسب عبد الله، لأن سعر عش البلبل والأصابع “حلويات دمشقية بالفستق الحلبي” يبلغ 120 ألف ليرة، وسعر كيلو المعمول بالفستق 110 آلاف وبالعجوة نحو 90 ألف ليرة، وهو أعلى من الأجر الشهري للموظفين.

ويلفت إلى أن الإقبال على “السكاكر والملبّس” وحلويات السميد، جيد، لأن سعر كيلو الهريسة بنحو 40 ألف ليرة وسعر كيلو السكاكر والملبّس بين 20 و30 ألف ليرة، وهي أسعار تناسب، نوعاً ما، دخل السوريين “يوجد سكاكر بسعر 10 آلاف ليرة”. أما الشوكولا فيبدأ سعر الكيلو من 40 ألفا ويصل النوع الممتاز إلى نحو 80 ألف ليرة سورية.

بدوره، يقول رئيس الجمعية الحرفية للحلويات والبوظة، بسام قلعجي: إن أسعار الحلويات الجيدة “ممتاز واكسترا” بلغ 200 ألف ليرة للكيلو الواحد، بعد ارتفاع الأسعار بأكثر من 100% عمّا كانت عليها العام الماضي، مرجعاً الأسباب، خلال تصريحات صحافية، إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية، فسعر كيلو الفستق الحلبي وصل إلى 225 ألف ليرة.

ويصف قلعجي الإقبال على شراء الحلويات بدمشق “ضعيف جداً، إذ بالكاد نستطيع القول إن نسبة المبيع 30%. فارتفاع الأسعار حرم الناس من متعة شراء الحلويات التي يعتبر تواجدها أساسياً في هكذا مناسبات”.

وحول أثر إحجام المستهلكين على المهنة ومحال الحلويات، يضيف رئيس الجمعية، أن معظم محلات الحلويات تعمل ولكن بخسارة، أو قد لا تحصل على ربح، ومع ذلك تقوم المالية بتحصيل الضرائب كاملة حتى لو لم تعمل المحلات.

كما أكد أن هناك حرفيين تركوا المهنة وأغلقوا محلاتهم وسافروا إلى خارج سورية “بقي نحو 300 حرفي مسجلين في الجمعية ويعملون من أصل 800 حرفي”، مبيناً أن الكثير من محال الحلويات، ورغم ضعف سوق المبيع، يستمرون ولو بالخسائر، لأن التوقف عن العمل يؤثر سلباً على سمعة المحلات وكل الذي بناه الحرفي لتحقيق شهرته.

ولكن، سألنا المتقاعدة زينب الدالي، من حي دمر بدمشق: ألا توجد بدائل كصناعة الحلويات المنزلية، كي لا يغيب كعك العيد عن الموائد؟ فقالت: يوجد بدائل وربما أكثر نظافة وثقة من حلويات السوق التي يصنفوها “إكسترا” ولكن أسعار المواد الأولية، خاصة هذا العام، يمنع التفكير في صناعة الحلوى المنزلية، هذا إن تغافلنا عن انقطاع التيار الكهربائي وشح وغلاء المشتقات النفطية.

وأشارت لـ”العربي الجديد” إلى أن سعر كيلو السميد بدمشق وصل إلى 6500 ليرة، وطحين الحلويات “فرخة” نحو 7 آلاف ليرة، ويزيد سعر كيلو السكر عن 600 ليرة ويتراوح سعر كيلو السمنة بين 22 و25 ألف ليرة، ما يعني أن الكلفة قد لا تقل عن أسعار السوق الذي وصل فيه سعر قرص العجوة الكبير إلى 6 آلاف ليرة.

وتضيف الدالي أن الحلوى بالنسبة للسوريين، حتى خلال الأعياد، لم تعد مطلباً حتى للأولاد الذين يحلمون بلباس أو بحذاء، فالدخل الشهري وما يمكن عمله خارج دوام الموظفين، بالكاد يسد الرمق ويؤمّن قوت الأسر التي تبدّل نمطها الغذائي وتخلت عن “عادات أيام العز”.

وفي حين يرمي كثيرون المسؤولية في ملعب محال الحلويات التي ترفع الأسعار بأكثر من التكلفة، يعتب رئيس الجمعية قلعجي على دوريات التموين “حماية المستهلك” التي تنظم برأيه تحرير مخالفة لبعض المحال، من دون معرفتها بأن التسعير حسب التكلفة والسعر الرائج في السوق، مضيفاً خلال تصريحات، أن حماية المستهلك مزاجية في التعامل، توافق أو لا توافق على الأسعار. علماً أنه من يجب أن يعترض على الأسعار هي النقابة وليس موظف التموين، فهو ليس لديه إطلاع لا بالمواد التي توضع ولا بآلية العمل.

ويقول الاقتصادي السوري محمود حسين “لا شك أن السوق السورية تعيش فوضى الرقابة والتسعير، وأن حكومة الأسد انسحبت عن التسعير وتركته للتجار على حسب الفواتير والعرض والطلب، ولكن الحرفيين والتجار يسعون للربح، وإلا فسنرى إغلاقات وانسحابا من المهن”.

ويضيف حسين لـ”العربي الجديد” أن “أسعار الحلويات الدمشقية الشهيرة داخل سورية أرخص مما هي عليه خارجها، فلو قسنا أي سعر وفق أي عملة عدا السورية، فسنرى أن أسعار الحلويات السورية في الأردن ولبنان وتركيا، أعلى سعراً من دمشق، ما يعني برأيه أن العلة في تهاوي سعر صرف الليرة وقلة الدخل، ولا يمكن تحميل التاجر أو حتى الرقابة، كامل المسؤولية، مذكراً أن كلفة معيشة الأسرة السورية، وفق مؤشر مركز “قاسيون”، بلغ 6.5 ملايين ليرة شهرياً، في حين لا يزيد متوسط الأجور عن 100 ألف ليرة”.

ويلفت إلى أن أهم علامات الحلويات السورية انتقلت إلى دول الخليج وتركيا، وأثبتت وجودها كمنافس بتلك الأسواق، رغم ارتفاع أسعار مبيعها، حتى بالنسبة للمنافسين في تلك الأسواق.

وفي السياق، يقول رئيس جمعية حماية المستهلك، عبد العزيز المعقالي، إنه حان الوقت لإعادة تشبيك المجتمع والأسرة وإيجاد الحلول والعلاقة الصحيحة بين المستهلك والتاجر والحكومة، فالحكومة تتّهم التاجر، والتاجر يتهم الحكومة، والمستهلك يتّهمهما معاً.

ويضيف المعقالي، لصحيفة “تشرين” الحكومية بدمشق، أن الجهات العامة شريكة في رفع الأسعار، والقصد هنا وزارة المالية، فعندما تفرض مثلاً على محل بسيط ضريبة دخل مليون ليرة سنوياً سيعوّضها من “جيب” المستهلك، أيضاً صاحب المصنع والمعمل والتاجر عندما تفرض عليه مبالغ كبيرة سيعوضها بالطريقة نفسها.

كذلك أشار إلى ضررة تدخل مؤسسة “السورية للتجارة” كمنافس، على اعتبارها أكبر تاجر موجود حالياً إذ لديها 1400 منفذ، ويجب أن يكون دورها خدمياً في هذه الظروف الصعبة وليس ربحياً، وخاصة أن لديها كامل اللوجستيات ويمكنها أن تكسر حلقات الوساطة.

وحول فوضى التسعير يشير رئيس جميعة حماية المستهلك بدمشق إلى عدم مواكبة الجهات المسؤولة لأسعار المواد الأولية قبل إصدار التسعيرة، كما أن هناك تسعيرتين، الأولى من وزارة الصناعة والثانية من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وهنا تكون الفوضى، لذلك يجب إيجاد تسعيرة واحدة للمنتج.

العربي الجديد

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: