“فيروس الإشاعة”.. إعلامٌ ضعيف ومجتمع يثق بكل شيءٍ غير حكومي

“فيروس الإشاعة”.. إعلامٌ ضعيف ومجتمع يثق بكل شيءٍ غير حكومي

د. حسين محادين لـ “البوصلة”:

– كل إشاعة هدامة متقنة لها تأثير قويّ على المتلقي الضعيف

– الأردن مستهدف في وسط هذا الإقليم الملتهب

– مواطن موجوع بأولوياته و”حكومة بلا شفافية وإقناع” بيئة مثالية للإشاعة

– “الإشاعة” أكثر إقناعًا من نشرات الأخبار الرسمية التي تتسم بالبلادة والاجترار

– الإعلام الأردني بحاجة لجرأة علمية غير نمطية في مواجهة الإشاعة

عمّان – رائد الحساسنة

وصف خبير علم الاجتماع الدكتور حسين محادين، عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة مؤتة، وعضو اللامركزية في مجلس محافظة الكرك، ما يجري في المجتمع الأردني اليوم من تداول للشائعات حول “فيروس كورونا” بشكلٍ كبيرٍ جدًا، بـ “العدوى الإعلامية” التي تشبه العدوى المرضية، مؤكدًا على أن “الإشاعة” تحمل خصائص الفايروس ولكنّها تتدحرج كالأنفاس باتجاه أي متلقٍ وكأننا أمام متفاعل متسلسل وكل نواةٍ تضرب بالأخرى، وكل إشاعة هدامةٍ أتقنت صناعتها أو صياغتها، وبغض النظر عن صدقيتها سيكون لها تأثيرٌ قويٌ على المتلقي الضعيف.

ويحمّل محادين في تصريحاتٍ لـ “البوصلة” الجانب الأكبر من المسؤولية للحكومة، مؤكدًا أن المعارك تُكسب قبل بدئها، وهذه القاعدة التي يجب أن تعمل عليها الحكومة، “أي أنّ ما نزرعه من منسوب ثقةٍ في خطابنا الإعلامي الذي يمثل الدولة هو الذي يمكن أن نقطف ثماره لاحقًا وفي الظروف الاستثنائية”.

واستدرك محادين القول: لكن البعض يعتقد أنه كلما انتهت أزمة وأججت الرأي العام وجعلته فريسة ونهشًا لوسائل الإعلام من خارج الوطن، يُعتقد من صنّاع القرار الإعلامي أن الأمور انتهت، ولكنّ هؤلاء يغفلون عن أنّ الأردن برمّته وسط هذا الإقليم الملتهب والرجراج من النفط إلى الماء، إنّما هو جزءٌ من استهداف المنطقة.

وأشار بإصبع الاتهام إلى من أسماهم “بعض إخوة يوسف” الذين يرون أنه ليس من حق الأردن أن يكون هادئًا وليس من الطبيعي أن يكون بعيدًا عن الـ”كورونا”، وأحياناً يستكثر علينا مواقفنا من القدس وفلسطين وغيرها من القضايا الملحّة، على حد تعبيره.

د. حسين محادين: التكنولوجيا “ظبعت” بعض المسؤولين الحكوميين ولم يعد لديهم ثقة للحديث اللحظي عن منجزات الدولة

وقال محادين: نحن عمليًا نقول إن هناك أخطاء في الحياة العامّة وهذا شأننا وشأن المجتمعات العامّة التي تعمل وتسعى للتطور، لكن علينا أن نقول إن أدوات الإعلام أصبحت فريسة للعرض والطلب، من قبل بعض مسوقي الإشاعات من جهة وثمة استعداد من الجانب الآخر المتلقي للثقة في كل شيء غير حكومي مع الأسف.

ونوه خبير علم الاجتماع إلى أن التكنولوجيا اليوم “ظبعت” بعض المسؤولين الحكوميين وجعلتهم في خشية وعدم ثقة في التحدث اللحظي المباشر عن سياسة الدولة ومنجزاتها ومنجزات الأجيال التي نعتز بها، مستدلاً على ذلك بالقول: إننا في الظروف الاستثنائية نفتقر للأسماء المكرسة من السياسيين والوزراء والعامين، ويكون التوجه للأسف في استقاء المعلومات والمعارف من العوام ومن الإشاعات ومن الـ”فيسبوك” مع احترامنا له كوسيلة تواصل، لكن ليس من ذوي الاختصاص، على حد وصفه.

وتابع، “من هنا لا أستطيع تفسير ما يجري اليوم بمعزل عمّا سبقه من مقدمات، وأمنيات المواطنين المتعاقبة على هذه الحكومات في تجويد ورفع منسوب وصدقية الخبر الإعلامي، ولا أقول الخبر الإعلاني، الذي يمس حياة المواطن بدءاً من أزمة البطالة وليس انتهاء في تدني منسوب الشفافية لدى بعض المسؤولين”.

وقال: التقى في هذه الخصيصة مواطن موجوع بأولوياته وحكومات لا تمارس الشفافية ولا تسوقها بخطاب مقنع للمتلقي، والبعد الثالث الذي هيمن على كليهما وهو الإعلام الإلكتروني العابر للجغرافيا ولا يقبل أن يكون متأخرًا، ولكن جلّ اهتمامه أن يكون لحظيًا في نقل الخبر والتفاعل فيما بين الناس بغض النظر عن أجناسهم أو لغاتهم.

ويشدد على أن “المهم أنك أصبحت كفردٍ أو وطن من منظومة معولمة تتسم بأنها عابرة أيضًا ومتجاوزة لسياسة الدول في هذا الهامش، أي الدول التي تسمّى الدول النامية”.

عوامل تسهم في انتشار الإشاعات

ونوه محادين إلى عددٍ من العوامل التي تسهم في زيادة منسوب انتشار الإشاعات بين المجتمع الأردني، مؤكدًا أن “ثقافة الصورة” أصبحت هي الأكثر تأثيرًا على المتلقي الأردني، لعاملين؛ أولهما أن المواطن الأردني شغوفٌ بقضايا غيره، والنقطة الأخرى أن الصورة تمثل “ديكتاتورية الحواس”، إذ أن الدراسات تشير إلى أنّ 80% من معارفنا نتلقاها عبر حاسة البصر.

وتابع القول: من هنا التفاعل اللحظي، وثقافة الصورة، وسرعة تدفق المعلومات وبطء استجابة الحكومات والمسؤولين، وعلى خلفية ضعيفة من الثقة، كلها ساهمت في جعل المواطن يبحث عن أخبار الأردن من الخارج مع الأسف.

وقال محادين: بما أن الإعلام ليس بريئًا دائمًا لأنه حاملٌ ومحمول، لصاحب الرسالة ومطلقها نحو الأردن، سواء كانت إشاعة أو تفتيتًا داخليًا أو نهجًا أو اعتداء على شخصيات حكومية وعامة الخ.. كلها تؤكد أن الآخر يحمل سطوة إلكترونية أكثر إقناعًا للمتلقي ممّا تمارسه نشرات الأخبار الرسمية التي تتسم بالبلادة والاجترار، والتي هي بحاجة إلى تفعيل أدواتها وتغيير الوجوه والأهم من ذلك النأي بنفسها عن الوعظ والإرشاد، فهذا عمل رجال الدين الذين نحبهم، وهذا ليس عمل الإعلام، الذي يقوم على فكرة مدعمة بعلم وشخصية موثوقة عندما تتحدث.

وشدد على أن “فكرة الإشاعة” لا تتمثل فقط في قوتها وقوة مطلقها وقدرته على تضليل الرأي العام ونخره كما أثبتت الدراسات بقدر ما تعتمد على ضعف المتلقي الذي يتوق إلى أن يستمع أو يشاهد من يقنعه وجدانيًا ومن يتحدث بلغته.

ونوه محادين إلى أن المواطن الأردني عندما يسمع بعض الوزراء يشعر أن هؤلاء لا يعيشون في الأردن؛ بل يعيشون في أماكن قد تكون “الواتساب” وقد تكون “الفيسبوك” وقد تكون “كل الغرف المكيفة”، لكنّ المواطن يميز من هو المسؤول الذي يغمّس بأوجاع المواطنين، ومن بوسعه أن يعيد تشكيل وجدانهم نحو منجزات الوطن، ومن بوسعه أن يتحدث عن الشفافية وهو شفاف حقيقة.

دور الإعلام في مواجهة الإشاعة؟

وشدد محادين في حديثه لـ “البوصلة” في سياق تقديمه للحلول لمواجهة الإشاعة على الحاجة الملحّة إلى “جرأة علمية غير نمطية في الإعلام الأردني”؛ كي نعيد له جزءًا من ألقه الذي كان في السابق.

وقال محادين: فما بالك عندما نتذكر أن الإعلام الأردني كان يجاري الإعلام المصري في خمسينيات القرن، وكان عبر المسلسلات المختلفة والدراما منافسًا للوطن العربي، ولكن القائم الآن بحاجة لإعادة قراءة وإعادة محاسبة وإعادة تجويد للمؤسسات الإعلامية على الأقل “الرسمية” منها.

وشدد على أن الإعلام الأردني بحاجة إلى سقف أعلى وأدوات أكثر ووجوه شابة، محذر في الوقت ذاته من “أن الشياب الذين نحبهم ما زالوا يعتقدون أن العالم ما زال بقطبين، قبل تسعينيات القرن الماضي، والعالم اليوم غدا بحدود كفٍ واحدة هي مساحة الهاتف الخلوي، من حيث جودته وسرعته وقدرته على الالتقاط ودوام تواصله مع ما هو عابر للجغرافيا وللأوجاع الأردنية إلى معنى إنساني ودولي جديد”، على حد تعبيره.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: