د.أحمد داود شحروري
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

في العشر الأواخر دروس من الطوفان (٧)

د.أحمد داود شحروري
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

** بين قيامنا وقيام أصحاب الطوفان :

في الساعات الأخيرة كانت مساجد الأردن ملآى بعُمّارها فقد انقضت ليلة السابع والعشرين من رمضان، ويوم أمس كانت أطلال مساجد غزة المدمرة عامرة كذلك بأهلها، وشتان بين مسجد قائم على سوقه ومسجد لم يبق منه إلا أنقاض بعضها فوق بعض يتخذها المصلي علامة على مكان كان يسمى مسجدا، ولقد هدم المسجد كما هدم البيت، وبرغم تدمير المكانين فإن الفطرة تأخذ بيد المصلي ليأنس بأنقاض المسجد فيصلي في حضرتها ويأخذه الحنين إليها كأنها ما تزال مسجد الحي العامر.

نحن ندخل المسجد فنختلف، هذا يريد فتح الشباك وهذا يريد غلقه، وهذا يريد فتح المروحة وذاك تؤذيه، أما الغزي فقد أريح في العشر الأواخر من هذا الاختلاف، فإما أن يصلي في هواء طلق لا يزعجه فيه إلا صوت الزنانات التي تقطع خشوعه وربما قطعت صلاته أو أوقفت حياته.

نحن نذهب إلى المسجد ثم نرجع فنجد أهلنا ينتظرون أن نعود بأكلة أو شربة أو يحضّرون لسهرة رمضانية عند شقيق أو قريب، وأهل غزة يخرجون إلى أطلال المساجد وربما عاد أحدهم فلم يجد بيتا ولا أهلا واكتشف أنه يعود من أنقاض إلى أنقاض .

نحن نخرج إلى القيام متخمين يتجشأ أحدنا في صلاته فيوزع الأذى عن يمينه وشماله بروائح الثوم المقدوح، وأهل غزة صار الثوم فيهم كمالية بعيدة المنال علاوة على ندرة الطعام الذي يُدسّ فيه الثوم والبصل أعداء السِّلم التعبدي!!

نحن نقوم الليل فلا نتذكر في سجودنا وقنوتنا عادة أكثر من الدعاء بتزويج الولد وبناء الطابق العلوي لتسكينه، وأهل غزة يقومون يسألون الله أن يستر على بناتهم ونسائهم من شرّ يهود، وأن ييسر لهم حبة الدواء لأب وأم يتلويان من ألم المرض والفقر وفقد العزيز وهتك الستر بعد أن أصبحا وذريتهما في العراء.

مضى من أعمارنا ما مضى ونحن نقوم في رمضان ونصوم وندعو ونتبتل، وحاضر البال مع فلسطين وشعبها يسأل الله حسن الخلاص من كابوس يهود، حتى بلغ من بؤسنا وقلة حيلتنا أن يهزأ يهود من أدعيتنا قائلين : ادعو علينا في صلاتكم كما تشاؤون فإنا فوقكم قاهرون، وما بلغوا هذه الثقة من ردّ دعائنا في وجوهنا إلا أنهم لم يروا على الأرض منا ما يشكل خطرا على وجودهم ولا لاحظوا في همتنا ما يخيفهم من منطقنا، فإذا كان الكلام مجردا من همة الفعل وفعل الهمة كان كاذبا كالطعام حين يخلو من اللحم، فإن أمهاتنا كنّ يسمينه كاذبا!!

وحين نقوم ليالي رمضان محاولين تقليد صمودهم بالاعتصام قرب سفارة الصهاينة الفارغة تقوم الدنيا ولا تقعد فلا يبقى بوق ولا وسيلة ردح عربية إلا وتنطلق في وجوهنا على اعتبار أن فعلنا هو استقواء على الحياة المدنية وتشويش على هدوء الموتى في قبورهم المخملية، ذلك لأن القيام المطلوب من الشعوب يجب أن يحمل شهادة آيزو عالمية تشترط ألا يشكل هذا القيام عدوى لأية دولة جارة وألا يزعج أبناء العمومة وأن يتبين بأجهزة (كشف الصدق) في باطن كل معتصم أنه لا يمكن أن يعطي صوته إلا لمن يجلده بسوطه، كما كان الحال قبل السابع من أكتوبر حتى نضمن عدم حدوث أي تغيير مقلق!!

وبرغم قناعتي بأن عبد الله بن المبارك لم يوجه البيتين الشهيرين للقاضي عياض (يا عابد الحرمين …) لانه لا يُتصور عن مثله إطلاق صفة اللعب على العبادة، فإني على قناعة بأن الطبقة المخملية من خَلَف هذه الأمة حين أخطأوا فهم معنى العبادة قياما وصياما لعبوا بالمفاهيم والمصطلحات ولم يلعبوا بالعبادة، فلا هم عبدوا كما ينبغي ولا اشتهروا في ساحات الرجولة والفداء كما اشتهر السلف، ” فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلشَّهَوَ ٰ⁠تِۖ فَسَوۡفَ یَلۡقَوۡنَ غَیًّا . إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَأُو۟لَـٰۤئكَ یَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا یُظۡلَمُونَ شَیۡـࣰٔا”.

ألا أيها العرب أصغوا لنداء نبيكم، فويل للعرب من شر قد اقترب، إن هم استمروا على إنكار الشمس الساطعة في رابعة النهار، فإن الأمس ليس هو اليوم، وإن العز الحقيقي في أن يكون قيامنا في عواصمنا العربية كقيام غزة وأخواتها الفلسطينية في محراب الشرف، وإلا فما صمنا ولا قمنا ولا إلى حياة الأحياء انتسبنا.

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts