Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

في دهاليز سَنن من قبلنا هويتنا برسم الضياع

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

عن أبي سعيد الخدري قال صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه؛ قلنا: يا رسول الله؛ اليهود والنصارى؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: فمن؟!)

في مثل هذا الوقت من كل عام أبحث على منبر الجمعة موضوع التعطيل بمناسبة عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية، والحق أن هذا الموضوع لا يشغل حيزا كافيا في اهتمامات الخطباء والكتّاب ويمر على أنه أمر واقع وموضوع يمكن أن يجلب لمن يطرحه للتداول صداعا غير ممدوح العواقب ، وأرجو أن تلاحظ أخي القارئ أن موضوعي هنا ليس مشروعية التهنئة بالميلاد ورأس السنة ، فهو موضوع خلافي وإن تشنج كل فريق في دفاعه عن رأيه فيه ، موضوعي هنا أشد خطرا من مجرد بطاقة تهدى أو حلوى تؤكل ، إنه موضوع تشكُّل الشخصية المسلمة المعاصرة فهي شخصية مضطربة تُردّد شعارات وتبوح بعواطف ترمز إلى الإسلام ، وسلوكها تائه بين المِلَل والأديان ، وإذا كان هذا نمطا من الخلط فرديا يجمع صاحبه بين مسلمات دينه وشهوة نفسه ، فهو كذلك سلوك دول وجماعات ، سلوك حكومات ومؤسسات واضح أنه لا يعنيها كثيرا تميز سلوكي ولا تفرّد حضاري ، حتى لقد صار للدولة التي دينها الرسمي الإسلام كوكتيل من العناوين السلوكية الثقافية ، فهي مسلمة في المساجد والمحافل التي تستدعي الإسلام ليشكل إطارها العاطفي ، وهي تجامل الأغيار في مناسباتهم داخل كنائسهم وفي سفاراتهم ومنتدياتهم وجمعياتهم الماسونية مثلا أو التبشيرية أو الثقافية واللغوية أو الاجتماعية السائدة. والمؤلم المؤرق أن الدول التي تمثل الأمة الإسلامية آخذة في السير في دروب الثقافات الأخرى من باب خشية أن يقال عنها متطرفة أو حذرا من أن تتهم بالإرهاب ، ومن هذا الباب لبس زعماء مسلمون الصليب واحتفلوا به على أنه يمثل صداقة عالمية ومصلحة مستدامة ، وعطلت الدول المسلمة أيام السبت والأحد ، وصار يوم الجمعة يوم دوام رسمي يتفضل فيه رب العمل بمنح الموظف ساعة مغادرة يؤدي فيها فرض صلاة الجمعة !!
أذكر أنني في أول جمعة تقرر بعدها أن يكون السبت عطلة رسمية في بلدي تكلمت حول الموضوع على المنبر ففوجئت بمستوى منخفض جدا من التفاعل حتى من جهة كثير من حملة الفكر الأصيل ، وكأنهم لم يجدوا في الموضوع أولوية تدفعهم للتفاعل معه ، ولم يحسوا وقتها أن صمتهم سيكون كرة ثلج إذا تدحرجت لم تزدد إلا تضخما توشك معه أن تشجّ رؤوسا يبست عن إدراك مكمن خطرها !!
ومرة ثانية وثالثة أقول : إن الموضوع ليس تنظيم عطل أسبوعية تتوافق مع أجندة دوام بنوك الغرب وعطلاتها ، الموضوع ضرب لثقافتنا ، فنحن المسلمين لا نعمل عموما يوم الجمعة ، لأجل أن نملك الوقت الكافي للتفرغ للصلاة منتصف النهار ، إضافة إلى أنه يوم تواصل اجتماعي وإحسان إلى الأرحام ، فتاهت هذه الأغراض كلها وفقدت أوقاتنا خصوصيتها وعظّمنا قيم أمم لا ترانا أصلا في مساحة اهتمامها إلا رؤية التاجر لزبائنه المغررين .
لقد هُنّا على أنفسنا إلى درجة أننا ونحن نشكل أكثر من ٩٧٪؜ من السكان في بلد عربي مسلم رضخنا ذات دورة من دورات مجلس النواب لاقتراح نائب واحد لفرض عطلة يومي عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية من كل عام ميلادي ، يومها قال اغلبية الحضور سمعنا وأطعنا ، وأظنها التهمة إياها بالعنصرية والتزمّت والرجعية هي التي من خشيتها رضخ ممثلو شعب بأكمله للنزول عند رغبة شخص يقيننا أنه يتمتع بقوة عالَم لا يعجبه تفردنا أبدًا ويسعى دائما إلى تمييع شخصياتنا ومواقفنا .
ليست القضية متوقفة عند تقليد ثقافات أجنبية دخيلة ، لكن المسبحة مع الزمان كرّت ليصل بنا الحال إلى أن نتحرك وقت أن يرغبوا بحركتنا ونسكن وقت رغبتهم بسكوننا ، ونسالم من سالموا ونعادي من عادوه ولو كان أخانا أو جارنا أو حتى أبانا وأمنا .
ومن عجب أن يبلغ بنا الحال ما بلغ من عجز على الأرض عن نصرة أهل وأحبة يربطنا بهم دين ولسان وجغرافيا وتاريخ ، لكن استلاب هويتنا حوّلنا إلى مجرد مراقبين متعاطفين مع قضية كقضية غزة بدل أن نكون شركاء فاعلين ، ثم يقولون لك : يا شيخ ، الناس صعدوا إلى القمر وأنت ما تزال غارقا في وحل أوهامك ونظرية المؤامرة التي تأخذ عليك مشاعرك ، وأقول واثقا مطمئنا: إن الذي لا يحسن السير على الأرض سيظل أعجز من أن يأخذ طريقه إلى عطارد أو القمر ، والمشكلة ليست فيهم ، المشكلة فينا نحن الذين سبقنا الدنيا بحسن المسير في فجاج الأرض وزين لنا رسولنا طريق السماء ، فعجز كياننا المعاصر عن ولوج الدربين على حد سواء .

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts