أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

لماذا لا نستبشر بـ”المصالحة الفلسطينية” في الجزائر؟

أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

مرّة أخرى، يقف الفلسطينيون أمام الحبكة الدرامية نفسها. الممثلون أنفسهم تقريباً، والبنود والتفاصيل نفسها إلى حد بعيد، غير أن الجديد هذه المرّة أن المُخْرِجَ وجه جديد، وإن حافظ على السيناريو ذاته. ونأمل ألا تكون النتيجة، كما العادة، الإحباط المزمن نفسه الذي تعايش معه الفلسطينيون عقداً ونصف العقد… ما سبق إحالة إلى اتفاق المصالحة الذي توصل إليه 14 فصيلاً فلسطينياً في الجزائر، يوم الأربعاء الماضي، بعد يومين من المباحثات في مؤتمر “لمّ الشمل من أجل الوحدة الوطنية الفلسطينية”، وجرى التوقيع عليه يوم أمس الخميس. ونحن، وإنْ كنّا نمنّي أنفسنا بنجاح الجهود الجزائرية المقدّرة لطي ملف الانقسام النكد بين الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 2007، إلا أن التجارب الكثيرة في هذا السياق مريرةٌ جداً، ولا تبشّر بخير. هذا ليس استشرافاً للفشل، بقدر ما هو تحوّط مما قد يكون قادماً.

الحقيقة التي لا يريد كثيرون الإقرار بها أن ملف المصالحة بين حركتي فتح وحماس ليس شأناً فلسطينياً بحتاً، بل مسألة تخضع لتأثيراتٍ إسرائيلية وأميركية، وتجاذبات عربية – عربية. إسرائيل لا تريد مصالحةً قد تقود إلى توحيد الموقف الوطني الفلسطيني، ولو في حدوده الدنيا، وهي تبتز قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله بحجّة الانقسام وافتقادها المشروعية الوطنية الكاملة، في الوقت الذي تبقي فيه قطاع غزة تحت حكم “حماس” محاصراً، بذريعة أن الحركة إرهابية، وأن القطاع إقليم متمرّد. أما الموقف الأميركي، فهو صدى للإسرائيلي، مهما حاول أن يتحرّر من هذه التبعية. أبعد من ذلك، ترى أطراف عربية عدة في “حماس” خصماً، إن لم يكن عدوّاً، وهي ترفضها لأنها تمثل حالة مقاومة في الجسد العربي، فضلاً عن كونها امتداداً لمشروع “الإسلام السياسي”، العدو الأول المعلن لها. أضف إلى ذلك أن بعضاً من تلك الأطراف قد يلجأ إلى وضع العصيّ في الدواليب، ذلك أنها ترى أن الملف الفلسطيني حصراً عليها وحدها، سواء على أساس حسابات الجغرافيا، أو قل لعنته، أم لما يراه بعضٌ آخر أن بلاده وحدها هي قاطرة العرب، والآخرين مقطورون وراءها.

أما ثالثة الأثافي فهي في موقف القيادة الرسمية الفلسطينية التي أثبت، مرّة بعد أخرى منذ عام 2005، أنها غير معنية بمخرجات أي حوار وطني يقود إلى إصلاح بنيوي وهيكلي في أطر منظمة التحرير والسلطة الفلسطينيتين ومؤسساتهما. تلك القيادة ما هي إلا امتداد للنظام العربي الاستبدادي، وأنت، إن نجحتَ في إقناع نظام عربي مستبدٍّ على إصلاح السلطة أو تقاسمها، ستنجح في السياق الفلسطيني، ولكن هيهات. ولا ينبغي أن يفوتنا هنا أن السلطة الفلسطينية، هيكلياً وجوهرياً، من حيث أرادت أم لم ترد، رهينة للاشتراطات الإسرائيلية، وتقوم بأعمال مقاولة للاحتلال، خصوصاً أمنياً. وكلنا يعلم أنها تصرّ على إدخال “حماس” وفصائل المقاومة الأخرى بيت طاعة أوسلو الذي دخلته هي من قبل. التغاضي عن إدراك هذين المعطيين يقود إلى استشراف خاطئ، وإلى التعلق بأمل موهوم.

يُذكر أن “حماس” و”فتح” وقعتا، في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، اتفاق مصالحة في القاهرة، يقضي بعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة بحلول الأول من ديسمبر/كانون الثاني من العام نفسه. لم يكد يمضي شهرٌ واحدٌ حتى كانت الفصائل الفلسطينية نفسها، الأربعة عشر، تجتمع في القاهرة مجدّداً في نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث اتفقت على إجراء انتخاباتٍ عامة في موعد أقصاه نهاية عام 2018. وحسب ذلك الاتفاق، كان يفترض أن تكون الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجلس الوطني في منظمة التحرير متزامنة. وكانت المفارقة في “تخويل الرئيس محمود عباس تحديد موعد الانتخابات بعد التشاور مع كافة القوى والفعاليات الوطنية والسياسية”. طبعاً، ما جرى بعد ذلك معروف، لناحية تنكر عباس لذلك الاتفاق.

عادت الفصائل نفسها، مرّة أخرى، إلى القاهرة في فبراير/ شباط 2021، وتخلت عن اشتراط التزامن في الانتخابات، وقبلت بتتابعها، بحيث تكون التشريعية في مايو/ أيار من ذلك العام، والرئاسية في يوليو/ تموز، ثم انتخابات المجلس الوطني في أغسطس/ آب. أما الضامن لها فكان عبّاس مجدّداً، بالإضافة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي! وفي الثلاثين من إبريل/ نيسان من العام نفسه، أي قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات التشريعية، أعلن عبّاس إلغاءها بذريعة عدم سماح إسرائيل لمواطني القدس الشرقية بالمشاركة الكاملة فيها، زاعماً أن الانتخابات “بالنسبة لنا ليست تكتيكاً، بل هي تثبيت للديمقراطية وحقنا في فلسطين”. أما الحقيقة فكانت أن استطلاعات الرأي حينها أكّدت خسارة حركة فتح الانتخابات التشريعية، بعد ترشّح ثلاث قوائم متنافسة عنها، وخسارة عباس في الانتخابات الرئاسية، وربما خروج منظمة التحرير بعد ذلك من هيمنة “فتح” في انتخابات المجلس الوطني.

ما سبق غيضٌ من فيض، وهو يمثل بعض أسباب الإحباط والشك، خصوصاً ونحن نرى أن ما اتُّفق عليه في الجزائر لا يختلف كثيراً عن الاتفاقات السابقة، التي لا تَقْدِرُ القيادة الرسمية الفلسطينية و”فتح” على هضمها، ولا يقبل بها المحتل الإسرائيلي، وتعارضها أطراف عربية أخرى ترى فيها إنجازاً لحركة حماس، وحتى للجزائر. دع عنك أن أغلب بنود الاتفاق تتطلّب مفاوضاتٍ هي نفسها، مثل انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني خلال سنة، على أساس نظام التمثيل النسبي الكامل، وتشكيل حكومة وحدةٍ وطنيةٍ في غضون سنة على أساس برنامجٍ متّفق عليه، وتكريس مبدأ الشراكة السياسية وتعزيز دور منظمة التحرير، وإجراء انتخاباتٍ تشريعيةٍ ورئاسيةٍ في جميع المناطق الفلسطينية. تلك أمور دونها خرط القتاد.

باختصار، أخشى أننا أمام حلقةٍ جديدةٍ من حلقات النكث بالعهود وخرق المواثيق، ثمَّ الدخول في جولة أخرى من تبادل الاتهامات والتخوين، قبل أن يعود الجميع إلى سيناريو جديد بالنهاية المؤسفة ذاتها. أرجو أن أكون مخطئاً، وسأكون سعيداً بذلك.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts