ما جرى في قاعة البرلمان التونسي ظهر يوم عرفة : 1441، (30 يوليو 2020)، يجري بوتيرة مطردة في مشارق الارض و مغاربها دون أن يثير الجلبة التي أثارها الحدث التونسي. لم يكتف الحدث التونسي بتلك الاثارات الاعلامية الكثيفة، بل تخطى ذلك ليكشف عن حالة إصطفاف فكري و تمايز سياسي في الامة، تعبّر ( أي حالة الاصطفاف تلك) عن تموضعات سياسية و أخرى قيمية تعكس بدورها إتجاهات الكتلة الحرجة في المنطقة العربية: أهي لا تزال مسكونة بمناهضة الاستبداد و الانتصار لمسارات التحول الديمقراطي، أم أنها فشلت و إستكانت و ذهبت ريحها ؟
إن معركة البرلمان تلك أبعد من حركة النهضة و رئيسها المستهدف ، الشيخ الغنوشي، رغم ما للرجل من رمزية سياسية عريقة و إسهامات فكرية أصيلة و ماض حركي تليد. و لعلي في هذه المساحة المحدودة أجمل أبرز دلالات الحدث و آفاقه:
• مثّل الحدث هزيمة أخرى لمشروع الضرار الاقليمي أو ما صار يعرف بالثورة المضادة. إذ جاءت تلك الهزيمة السياسية لتعزز حالة الإنكسار التي تستبد بالثورة المضادة في ليبيا و اليمن كما في أزمة الخليج و بعض الاطراف ( الصومال و جيبوتي).
• الانتصار في معركة لا يعني بالضرورة الانتصار في الحرب، بل ستشهد الساحات العربية معارك أشد ضراوة مع تعبيرات الثورة المضادة، “و العاقبة للتقوى”.
• الثورة المضادة هي مشروع إقليمي غرفة عملياته في الخليج و لكنّ مساراته الإستراتيجية تصاغ في عواصم دولية و إقليمية.
• الصراع مع الثورة المضادة ليس صراعاً سياسياً حصراً، و إن إستُخدمت فيه أدوات السياسة بكثافة، بل هو في جوهره صراع عقدي/فكري بروافع سياسية. فهو نزال تاريخي بين منهجين و رؤيتين و تطلعيَن لكل منهما مرجعيته و بواعثه و رؤيته الكونية.
• أحدث ظهور القوة التركية تحولاً جذرياً في معادلة الصراع مع الثورة المضادة ، و من ثَمّ فعلى القوى الاسلامية و الثورية ( خاصة في مصر و شمال أفريقيا) أن تحسن إلتقاط هذا المؤشر و تؤسس لتحالف يقوم ليس على الإستجداء السياسي، بل على إرتباط جيوستراتيجي تتشابك فيه المصالح و تتعاضد المسارات الإستراتيجية.
• تركيا اليوم يجتمع لها أمران: إستبطان المكون الاسلامي في سياستها الخارجية، و القوة بمكوناتها الصلبة و الناعمة . غير أن التحالف معها ينبغي أن يؤسس على قاعدة المصالح و ليس العواطف.
• إستئصال حركة الإحياء الاسلامي هو الجائزة الكبرى في هذا الصراع، بحسبانها حائط الصد أمام مشروع الثورة المضادة، و مع ذلك فالحركة لا تزال تدير الصراع كأجزاء متناثرة و حالات قطرية معزولة، فعليها أن تتسامى على الحسابات القطرية و أن تجمع أمرها “و قد أفلح اليوم من إستعلى”.
• لا يحسبن أحد أنه بمنجى من شظايا الثورة المضادة، حتى الانظمة السياسية المهادنة في الخليج و التي أبت الإنخراط في المشروع فوضعت على قائمة الاستهداف و هي اليوم ما فتئت تتعرض لإختراقات أمنية وسياسية و إقتصادية ممنهجة !!