ماجد محمد الأنصاري
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الحرب على الحقائق: انزلاق عالمي نحو جهل اختياري

ماجد محمد الأنصاري
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

في روايته الشهيرة 1984 افترض جورج أورويل أن مستقبل الدولة والنظام السياسي سيتضمن إعادة إنتاج للمعلومة عبر وزارة “الحقيقة” وأن هذا الإنتاج سيأخذ صبغة بروباغاندا لكن ليس من خلال التشكيك بالحقائق!

بل من خلال استبدال الحقيقة بخلافها، هذا الواقع لمسه العالم خلال الحرب العالمية الثانية والدعاية السياسية النازية والفاشية وكان ذلك دافع أورويل في هذه الرواية وغيرها.

لكن الحرب على الحقيقة استمرت وتجسدت في التعتيم الإعلامي الذي مارسه الاتحاد السوفييتي وثورة ماو الثقافية، ومع انهيار اتحاد الأنظمة الشيوعية أو تبدلها وثورة المعلومات التي رافقت نهايات القرن الماضي ساد اعتقاد أن حجب المعلومة لم يعد خياراً للأنظمة الشمولية ولا غيرها، ولكن الواقع اليوم يروي لنا حكاية مختلفة.

مع تصاعد وتيرة انتشار المعلومات وسهولة الوصول إليها تنافست مدرستان في تحليل مستقبل المعلومة:

– المدرسة الأولى والتي استعارت من الاقتصاد ممارسات السوق افترضت أن سوق المعلومات سيضبط نفسه، أي أن ثورة المعلومات ستبدأ بفوضى معلوماتية ولكن المعلومات الجيدة ستفرض نفسها من خلال التداول والتكرار واختيار “الزبون” أو المتلقي لها وبالتالي ستضمحل المعلومات الضعيفة وسيصبح المتلقي أكثر قدرة على التمييز بينها.

– المدرسة الثانية والتي تبنت أنماط المدرسة الواقعية في التفكير افترضت أن تلك الفوضى المعلوماتية ستسبب تشويشاً يجعل المعلومة الحقيقية تختفي في جسم ضخم من الأكاذيب والإشاعات وأنصاف الحقائق!

وبالتالي عوض أن يزداد الناس وعياً سيزيد الجهل ولكنه الجهل المركب الذي يفترض معه الشخص أنه أكثر اطلاعاً ولكنه في الحقيقة يجمع كمية كبيرة من المعلومات غير الصحيحة وغير ذات القيمة، واقعنا اليوم ينتصر لفرضية المدرسة الثانية.

ما يحدث في عالم اليوم هو نقلة نوعية في التجهيل السياسي الممنهج، في السابق كان التجهيل السياسي يتم من خلال أن يسيطر النظام على مصادر المعلومات.

وبالتالي يحجب ويغير كما يشاء، اليوم تقوم الأنظمة والجهات التي ترغب في ممارسة هذا التجهيل السياسي بالتشويش على المعلومة وزيادة تداول الأكاذيب حولها حتى تختفي أو يصعب التمييز بين الحقيقة والكذب.

ونسمع اليوم عن أدوات جديدة تستخدم الذكاء الاصطناعي في تقديم منتجات مزيفة، هذه الفبركات العميقة كما تسمى تتضمن إخراج مقاطع صوتية ومرئية مزيفة يصعب التمييز بينها وبين الحقيقية، وصار بإمكان الفرد لا الأنظمة فقط خوض هذه المعركة لنشر معلومات مغلوطة حول العالم.

المشكلة اللصيقة بتطور ممارسات محاربة الحقيقة هي الاتجاه السياسي نحو شعبوية يمينية وأخرى يسارية حول العالم، حركات قومية متطرفة أو ليبرالية متطرفة تصل إلى السلطة في دول عدة ويستغل شخوصها فوضى المعلومات لإنكار حقائق ثابتة دون أن يثير ذلك حفيظة مؤيديهم بل على العكس.

ترمب في الولايات المتحدة، مثلا، لا يكاد يخلو يومه من الإصرار على معلومة خاطئة من قبيل أن الولايات المتحدة هي أكثر دولة تفحص مواطنيها خلال جائحة كورونا، يصر هو على ذكر هذه المعلومة في كل إحاطة صحفية أو مقابلة رغم خطئها الواضح.

الشيء نفسه يفعله رئيس البرازيل اليميني، وتفعله الصين مع مواطنيها، ودول عديدة عبر العالم، إنكار حقائق واضحة أو فبركة معلومات ونشرها في دوائر معينة بات اليوم أسهل بسبب تقوقع البشر في دوائر معلوماتية مغلقة!

المحافظ يتابع القنوات المحافظة والحسابات المحافظة على وسائل التواصل الاجتماعي ويتواصل مع أناس في الغالب محافظين، وهذا ينطبق على كل مكون سياسي أو اجتماعي تقريباً، نحن نعيش في عزلة معلوماتية اختيارية.

المعركة الكبرى اليوم هي حماية الحقيقة من أعدائها، كانوا أنظمة أو أفراداً، وكشف الزيف ومواجهته وعدم السماح بتمرير الكذب حتى وإن كان انتصاراً لطرف تمثله أو تدعمه، بل حتى وإن كان هذا الكذب دعماً للمظلوم أو نصرة للحق!

الحقيقة يجب أن تكون هي البوصلة التي تقود مشوارنا المعرفي، أياً كان مصدرها، أو تبعاتها، بات لزاماً علينا مواجهة جحافل الزيف بالإيمان الراسخ بقوة الحقيقة، اليوم ينجح ترمب وأشباهه في منطقتنا في توظيف الجهل الجديد لصالحهم، ولن يردعهم إلا شمس الحقيقة تسطع فوق رؤوسهم.

* د. ماجد محمد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي المساعد بجامعة قطر.

(الشرق القطرية)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts