أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

“ابتسم أيها الجنرال”… الفنان العربي والانتماء للذات

أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

كثير يمكن أن يقال عن الإبداع والواقعية في مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” الذي بثه تلفزيونا العربي 2 وسوريا في شهر رمضان المبارك، ويحاكي حكم عائلة الأسد القمعي والفاسد في سورية في حقبتي الأب، حافظ والابن، بشار. وكثير يمكن أن يناقش في المعالجتين الفنية والدرامية للمسلسل، بل وبعض هفوات أو هنات فيه. لكن الموضوعية تقتضي، في الإطار العام، القول إن المسلسل مثّل نقلة نوعية متقدّمة في التجرّؤ على اقتحام دائرةٍ تعد محظورة ومحرّمة في الفضاء العربي الآسن، عندما يتعلق الأمر بالتطرّق إلى جرائم نظام رسميٍّ عربيٍّ قائم ومهاب يخافه الناس، خصوصاً من أبناء شعبه. ولأني لست خبيراً في الحبكة الدرامية أو الإخراج الفني، وهما أمران أشبعا بحثاً وكتابة بشأن المسلسل، أتعرّض هنا إلى زاويةٍ أظن أنها لم تنل حظاً وافراً من الاهتمام تتعلق بالفنان والممثل العربي المنتمي إلى الذات.

يحظى الفنانون والممثلون، بشكل عام، بشعبية هائلة. وأذكر أن محطة تلفزيونية أميركية أجرت، في نهاية التسعينيات ومطلع الألفية الثانية، استطلاعاً في شوارع الولايات المتحدة سألت فيه عينة عشوائية من المواطنين، عما إذا كانوا يعرفون نائب الرئيس حينئذ، آل غور، من دون تحديد صفته، وممثلين أميركيين. كانت المفاجأة في البون الشاسع بين نسبة من تمكّنوا من تمييز الممثلين، وهم السواد الأعظم، مقابل من عرفوا من هو آل غور. وهذا ليس خاصاً بالولايات المتحدة، بل ينسحب على أغلب المجتمعات، ومنها العربية. وهو أيضاً لا يقتصر على الفنانين والممثلين، بل يشمل المشاهير، ومنهم الرياضيون ورجال الدين. ولأن الأنظمة السياسية، ديمقراطية كانت أم دكتاتورية، وما بينهما، تدرك هذه الحقيقة، فإنها تعمل دوماً على تجنيد فئة المشاهير وراء أجندتها، سواء لما فيه خير ومصلحة المجتمع أم ضمن تجميل الوجوه القبيحة والسياسات التعسّفية.

هذه المكانة المرموقة التي يحظى بها هؤلاء المشاهير تضحي نقمة كما هي نعمة. في الدول الديمقراطية، لا يخشى مشهور معارض لحزب حاكم من انتقام سياسي أو مهني أو تهميش. أما في ظل الأنظمة القمعية فإن ذلك كله، بل والأسوأ كذلك، وارد. ومن ثمَّ، كل مشهور عربي يختار الانحياز إلى آهات شعبه وآلامه وطموحاته ضد نظام سلطويٍ قمعيٍّ متمكّنٍ حاكم لا يكون يقامر بمكانته ومستقبله وأمنه الشخصي والعائلي فحسب، بل ويثبت كذلك أنه صاحب منظومة قيمية عالية وانتماء إلى الذات ينبغي أن يكونا محلّ تقدير. وأظن أن أبطال مسلسل “ابتسم أيها الجنرال”، مثل مكسيم خليل وعبد الحكيم قطيفان وريم علي ومازن الناطور وسوسن أرشيد من هؤلاء. قد يكونون خسروا الامتيازات المادية والمعنوية التي كانوا يحصلون عليها من إقامتهم في بلدهم سورية بعد انحيازهم إلى ثورة شعبهم، لكنهم كسبوا راحة الضمير ومحبّة ملايين السوريين وغيرهم ملايين آخرين من العرب.

في مسألة الانتماء إلى الذات، يغدو الموقف السياسي الفرعي أو الهوية الإيديولوجية أمرين هامشيين. مثلاً، ثار، قبل أسابيع، غضب المسلمين في ولاية نيوجيرسي الأميركية جرّاء دعوة القارئ الكويتي، مشاري العفاسي، ليؤم الصلاة هناك. أغلب من نقموا على الدعوة كانوا من المتدينين، والسبب مواقف العفاسي المؤيدة لبعض أنظمة الجوْر العربي. قارن ذلك بالاستقبالات الحافلة التي حظي بها فنانون مصريون كخالد أبو النجا وعمرو واكد من الجمهور نفسه، رغم التباين في المواقف السياسة الفرعية، كالموقف من رئاسة الرئيس المصري الراحل، محمد مرسي، أو في الهويات الإيديولوجية. ينسحب الأمر على كثيرين، بغضّ النظر عن الحساسيات السياسية والإيديولوجية الفرعية، ما دام أنها لا تمسّ أصل المواقف المبدئية في الموقف من العدوان الأجنبي ومعسكر الطغيان العربي، وحق الشعوب في العيش بحرية وكرامة.

أتيح لي في عام 2013 شرف التعرف إلى الفنانيْن عبد الحكيم قطيفان ومازن الناطور، ومعهما الفنان جهاد عبدو خلال فعاليات لدعم الثورة السورية في لوس أنجليس وسياتل في ولايتي كاليفورنيا وواشنطن. لا أزعم علاقة خاصة أو صداقة قريبة. لكن، منذ البداية شعرت بنوع من التقارب معهم، خصوصاً مع قطيفان والناطور، على أرضية الموقف المبدئي، رغم أن خلفياتنا الإيديولوجية والسياسية متباينة. بقي الود والاحترام على خلفية انتمائهما للذات، وزادا عندي بعد مسلسل “ابتسم أيها الجنرال”. وهذا أمر يُقاس عليه ويعمّم. قبل ذلك بـ23 عاماً تعرّفت إلى فنانة مصرية كبيرة كانت تشارك في مؤتمر في لوس أنجليس كنتُ ضيفاً عليه. مصادفة، نمت علاقة رفقة عابرة بيني وبين ابن أختها الذي كان يرافقها. وعندما طلب مني أن أصحبه وخالته في جولة في مدينة لوس أنجليس التي لم أكن أعرفها في حينه، إذ كنت جديداً في الولايات المتحدة وصغير السن، وافقت بحماسة الشباب بسرعة لأكتشف أن خالته هي تلك الفنانة الكبيرة. تطوّرت العلاقة بسرعة إذ كانت تعامل كلينا كابنين لها. ولكن عندما رأيتها بعد الانقلاب العسكري في مصر، عام 2013، تمتدحه وتتكلم بإسفاف كبير لصالحه، سقطت من عينيّ، ولم أعد أحمل لها مشاعر الودّ نفسها، اللهم إلا الإنساني منها. وهذا أيضاً موقفٌ يقاس عليه ويعمم.

الانتماء للذات رغم تكاليفه الباهظة، على المشاهير تحديداً، ممثلين وفنانين وإعلاميين كانوا أم رجال دين ورياضيين، أم مفكّرين وسياسيين، يبقى أقل كلفة من الوقوف في صفوف الطغاة والمجرمين والمعتدين. وهل هناك ما هو أبهظ من أن يخسر الإنسان ذاته وضميره وأخلاقه وقيمه ومحبّة الناس العاديين له؟ لقد فجعنا بمشاهير كثيرين كنّا نظنّهم أصحاب موقف وأخلاق، فلنعط من اجتازوا الاختبار حقّهم في التقدير والاحترام.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts