التاجرالداعية أبو الدرداء

التاجرالداعية أبو الدرداء

يتحدث الدكتور عبدالحميد القضاة – رحمه الله – في هذه الحلقة عن قصة إسلام أبي الدرداء، فيقول أنه في يوم نهض أبو الدرداء من نومه مبكرا ، ومضى إلى صنمه الذى نصبه فى أشرف مكان من بيته، فحياة وضمخه بالعطر،ثم ألقى عليه ثوبا جديداً من فاخر الحرير، أهداه إليه بالأمس أحد التجار القادمين من اليمن، غادر أبو الدرداء منزله إلى متجره،فإذا شوارع يثرب وطرقاتها تضيق بالعائدين من غزوة بدر وأمامهم الأسرى ، فسأل عن عبد الله بن رواحة، فقيل له لقد أبلى فى المعركة وعاد سالما ، ذلك لأن أبا الدرداء وعبد الله بن رواحة كانا متآخيين فى الجاهلية،  فلما جاء الإسلام اعتنقه ابن رواحة، وأعرض عنه أبو الدرداء، لكن ذلك لم يقطع ما بين الرجلين من وثيق الأواصر، إذ ظل عبد الله ابن رواحة يتعهد أبا الدرداء بالزيارة ، ويدعوه إلى الإسلام ، ويرغبه فيه ، ويأسف على كل يوم يمضي من عمره وهو مشرك.

          وصل أبو الدرداء إلى متجره ، وتربع على كرسيه العالى ، وجعل يبيع ويشترى ، وفى ذلك الوقت كان ابن رواحة يمضى إلى بيت صاحبه أبى الدرداء، فلما بلغ البيت أبصر أم الدرداء فقال أين صاحبي؟ فقالت ذهب إلى متجره، فقال أتأذنين؟ فقالت على الرحب والسعة، ومضت إلى حجرتها، وانشغلت عنه، دخل ابن رواحة إلى حجرة الصنم، وأخرج قدوما ، ومال على الصنم يقطعه به، فلما فرغ من تقطعيه غادر البيت،ولما دخلت أم الدرداء إلى حجرة الصنم، صعقت حيت رأته قد غدا أشلاءه مبعثرة ، وجعلت تلطم خديها وهى تقول أهلكتنى يا ابن رواحة، عاد أبو الدرداء إلى منزله فرأى امرأته جالسة تبكى، فقال ما شأنك؟ قالت  أخوك عبد الله صنع بصنمك ما ترى، فنظر الى الصنم فوجده حطاما، فاستشاط غضباً وهمّ أن يثأر له، لكنه لما سكت عنه غضبه، فكر فيما حدث، ثم قال لو كان فى هذا الصنم خير لدفع الأذى عن نفسه.

           انطلق من توه إلى ابن رواحة، ومضيا معا إلى رسول الله، وأعلن دخوله فى دين الله، آمن أبو الدرداء إيمانا خالط كل ذرة فى كيانه، وندم ندما كبيراً على ما فاته من خير، فعزم على أن يستدرك ما فاته،فانصرف إلى العبادة انصراف المتبتل، وأقبل على العلم إقبال الظمآن، وأكب على كتاب الله يحفظ كلماته، ويتعمق فهم آياته، ولما رأى التجارة تنغص عليه لذة العبادة تركها غير متردد ولا آسف، واكتفى منها بلقمة خشنة تقيم صلبه، وثوب خشن يستر جسده، وفى خلافة الفاروق أراده أن يلى له عملا في الشام ،فمضى إلى دمشق، فلما بلغها وجد الناس قد أولعوا بالترف، فدعاهم إلى المسجد ووقف فيهم قائلا : يا أهل دمشق ما الذى يمنعكم من مودتى والاستجابة لنصيحتى،فنصيحتي لكم ومؤنتي على غيركم، ما لى أرى علماءكم يذهبون بالموت، وجهالكم لا يتعلمون، مالى أراكم تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون، فجعل الناس يبكون حتى سُمع نشيجهم من خارج المسجد.

              مرّ بجماعة قد تجمهروا على رجل يضربونه ويشتمونه، فأقبل عليهم وقال ما الخبر؟، قالوا رجل وقع فى ذنب كبير قال: أرأيتم لو وقع فى بئر، أفلم تكونوا تستخرجونه منه؟ قالوا بلى، قال: لا تسبوه ولا تضربوه وإنما عِظوه وبصّروه، واحمدوا الله الذى عافاكم من الوقوع فى ذنبه، قالوا: أفلا تُبغضه؟، قال: إنما أبغض فعله، فإذا تركه فهو أخي، فأخذ الرجل ينتحب ويُعلن توبته…لله درك يا أبا الدرداء، تاجر ناجح، وداعية مخلص متفوق،يكره الذنب ولا يكره المذنب،فأين تُّجارنا منه؟،بل أين بعض دعاتنا من فهمه الرقيق الرفيق؟،اللهم ارزقنا إخلاصه وتجرده وهمّته وفهمه لهذا الدين العظيم.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: