شح الماء والكهرباء يدفع لبنانيين إلى الحمامات الشعبية العثمانية (صور)

شح الماء والكهرباء يدفع لبنانيين إلى الحمامات الشعبية العثمانية (صور)

البوصلة – كل أسبوع يقصد ابن مدينة طرابلس حسين كنعان حماماً شعبياً للاستمتاع بمياهه الساخنة، بسبب الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي وشح المياه داخل المنازل في عاصمة الشمال اللبناني.

فبعدما كانت الحمامات الشعبية في لبنان وجها من وجوه الترف والتسلية، باتت اليوم ضرورة لكثير من الأشخاص والعائلات.

ويقول كنعان للأناضول، إن الكهرباء تنقطع بشكل كبير عن منزله، وكذلك المياه، فيضطر إلى الذهاب برفقة أطفاله للاستحمام بمياه دافئة، كلّ أسبوع أو أسبوعين، في الحمامات الشعبية.

ويتكبّد كنعان أعباء مادية كبيرة بسبب اتباع هذه الطريقة، ما يضطره إلى الاستدانة من جهات عدة من أجل تأمين الأموال اللازمة لدفع تكلفة الحمام.

ومنذ أشهر، يعاني لبنان نقصا حادا في الوقود المخصص للاستخدام في محطات توليد الطاقة الكهربائية؛ بسبب عدم توافر النقد الأجنبي الكافي لاستيراده، ما أدى إلى زيادة عدد ساعات انقطاع الكهرباء (نحو 20 ساعة يوميا).

وعادة، تغطي المولدات الخاصة النقص في الوقود المخصص لتوليد الكهرباء، لكنها تعمل بالديزل الذي تشهد البلاد أيضا نقصا حادا في توفيره أو ارتفاع أسعاره.

حمامات عثمانية

خلال الحكم العثماني للبنان، انتشرت مجموعة من الحمامات العامة فيه، ولا يزال عدد قليل منها يعمل، خصوصا في مدينتي طرابلس (شمال) وصيدا (جنوب).

ويشير زياد الصرموط، صاحب “حمام أيام زمان” في طرابلس، إلى أن حمامه يعود إلى زمن العثمانيين، وتم تحديثه من دون التخلي عن تراثه الجميل وهندسته المميزة.

ويكشف الصرموط للأناضول، أنه “قبل الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان منذ نحو سنتين، كان يقتصر حضور الزبائن على الاحتفالات الجماعية، كالزواج والخطوبة أو أعياد الميلاد”، لافتا إلى “أننا كنا نستقبل خلال اليوم نحو 50 شخصا”.

ويلفت إلى أنه “منذ أشهر، ارتفعت نسبة الإقبال على الحمام، إذ بات يزورنا يومياً بين 200 و300 شخص، بسبب عدم توافر المياه الساخنة في منازلهم”.

وعن التكلفة، يشير إلى أنها ارتفعت من 30 ألف ليرة (20 دولارا)، إلى 100 ألف ليرة (نحو 66 دولارا)، وتشمل “سونا” و”بخار” و”تكييس” و”مسّاج صابون” وغيرها من الخدمات.

وكانت قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار مستقرة طوال أكثر من ربع قرن عند حدود 1510، إلا أنها اهتزت للمرة الأولى في ديسمبر/ كانون الأول 2019، وبدأت تتدهور تدريجيا حتى وصلت إلى 33 ألف ليرة.

ويقول إنه يقدم، أحيانا، تسهيلات مالية لأشخاص محتاجين إلى الاستحمام وليس لديهم القدرة المالية على الدفع.

ومنذ عامين، يعاني اللبنانيون أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية، وانهيار قدرتهم الشرائية.

معاناة مستمرة

على الرغم من ارتفاع التكلفة، تعد الحمامات الشعبية ملاذا للباحثين عن النظافة الشخصية. وهذا ما يفعله ابن طرابلس محمد ناصر الذي يقول للأناضول إنه يلجأ إلى الحمامات الشعبية للاستحمام بمياه ساخنة، وذلك بعد الانتهاء من عمله الذي يملي عليه الاستحمام يومياً.

ويشير ناصر إلى أنه يضطر إلى الانتظار لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات إلى أن يحين دوره في الحمام، بسبب الزحمة الكبيرة فيه.

ويبلغ عدد سكان طرابلس 600 ألف نسمة تقريبا (15 بالمئة من إجمالي سكان لبنان)، يتوزعون على ثلاث مدن وثلاث بلديات (طرابلس الميناء والقلمون). وتعتبر الكثافة السكانية في المدينة الأعلى في لبنان، إذ تصل إلى 7086 شخصا في الكيلومتر الواحد.

أكبر حمامات طرابلس

يُعد “حمام العبد”، الذي يقع في أحد أزقّة سوق البازركان الطرابلسي القديم، أحد أهم وأشهر الحمامات في المدينة المطلة على المتوسط، وهو يستقبل زواره من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية، ومن مختلف المناطق اللبنانية.

هذا الحمام، الذي كان يستقبل الباحثين عن الراحة والاستجمام بين أروقته، بات يستقبل اليوم الباحثين عن مياه ساخنة للاستحمام.

ويقول مصطفى ستّوت، صاحب “حمام العبد”، إن المكان “يعود إلى العهد العثماني، وهو الوحيد الذي حافظ على كيانه وتراثه في أسواق المدينة، مشيرا إلى “أننا نثابر على صيانته والاهتمام به”.

يشتهر “حمام العبد” بطابعه الأثري وبنائه الحجري، ويقصده الكثير من الزوار والسياح للتمتع بمشاهدة تفاصيل عمارته الجميلة.

يقول ستّوت للأناضول إن “مدينة طرابلس تضمّ عدداً كبيراً من الحمامات الشعبية، إلا أنها انهارت وأُهملت، وصارت خارجة عن العمل”.

وعن نسبة إقبال الباحثين عن حمام دافئ في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد، يشير ستّوت إلى أن “الإقبال كبير جداً، فغياب الكهرباء والمياه عن المنازل، جعلت الناس تقصدنا بكثافة”.

ولا يقتصر “حمام العبد” على الرجال فقط، وإنما هناك قسم مخصص للنساء أيضا.

وفي يوليو/ تموز 2021، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” إن “قطاع المياه في لبنان يتعرض للخراب والدمار بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية”، محذرة آنذاك من أن “افتقار الوصول إلى إمدادات شبكة المياه العامة قد يُجبر الأسر على اتخاذ قرارات صعبة للغاية في ما يتعلق باحتياجاتها الأساسية من المياه والصرف الصحي والنظافة”.

ومطلع يونيو/ حزيران الماضي، وصف البنك الدولي الأزمة في لبنان بأنها “الأكثر حدة وقساوة في العالم”، وصنفها ضمن أصعب ثلاث أزمات سجلت في التاريخ منذ أواسط القرن التاسع عشر.

(الأناضول)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: