أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

عندما يحتفل بعضُنا بنفاق بلينكن وكذبه

أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

الإحالة إلى التواطؤ والانحياز، بل وحتى الشراكة الأميركية الكاملة في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل في قطاع غزّة قد تندرج في باب لزوم ما لا يلزم، فهو أمرٌ معلوم وموثّق. لكن، هذا لا ينتقص من قيمة المعطى وضرورة فضحه دائماً وأبداً، ذلك أن فينا من لا يزال ينظر إلى الولايات المتحدة، ضمن هيكلها السياسي الحالي وميزان القوى فيها، وكأن مفاتيح الفرج في يديها. يتغافل أصحاب هذه الرؤية عن حقيقةٍ مفادُها بأن واشنطن لن تتحرّك بحزم لوقف العدوان، قبل أن تعطي إسرائيل كل فرصةٍ ممكنةٍ لتحقيق أهدافها الإجرامية منه. وفي حالة ثانية، أن يصبح ثمن استمرار العدوان باهظاً استراتيجياً عليها أو على إسرائيل نفسها. وفي خضمّ العدوان الحالي، أضيف بعدٌ جديد ثالث، لم يكن قائماً، يتعلق بالحسابات السياسية للرئيس جو بايدن الواضح أن بعض التيارات في حملته الانتخابية قلقة من تداعيات الهيجان الإسرائيلي، ودعمه المطلق له، على تماسك قاعدته الانتخابية. لكن، حتى لو اضطر بايدن أن يرضخ في النهاية، تحت وطأة حساباته الانتخابية للجم العدوان، فذلك يأتي بعد أن يكون مكَّنَ إسرائيل من تدمير قطاع غزّة وارتكاب أفظع الجرائم بحقّ أهله.

من المفارقات العجيبة هنا أن ينخدع بعض من يعلمون حقيقة شراكة إدارة بايدن في جريمة الإبادة في قطاع غزّة بها، عبر الاحتفال بتصريحات بعض مسؤوليها، التي ظاهرها إنساني، لكن باطنها نفاق، بل قل لؤم وتوحش. يوم الأحد الماضي (7 يناير/ كانون الثاني الجاري) وخلال المؤتمر الصحافي الذي جمعه برئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة، سئل وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، عن استشهاد حمزة، نجل مراسل “الجزيرة”، وائل الدحدوح، بالإضافة إلى زميل آخر له، وهما صحافيان، في قصف إسرائيلي في قطاع غزة. قال بلينكن، متصنعاً التأثر والحزن: “أنا آسف جداً جداً على الخسارة التي لا يمكن تخيّلها التي عانى منها زميلكم الدحدوح. أنا والد أيضاً لا أستطيع أن أتخيل المعاناة التي عاشها، ليس مرة واحدة بل مرتين”. وهو هنا يحيل إلى القصف الإسرائيلي الذي طاول منزلاً في مخيّم النصيرات، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، 2023، كان فيه أفراد من عائلة الدحدوح، وكان من بين من قتلوا فيه زوجته وابنه وابنته. وأضاف: “هذه مأساة لا يمكن تصوّرها، وهذا هو الحال أيضاً، كما قلتُ، لعدد كبير جداً من الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين الأبرياء، والمدنيين، وكذلك الصحافيين من الفلسطينيين وغيرهم”.

هذه ليست المرة الأولى التي يذكّرنا فيها بلينكن بأنه “أب”، عنده مشاعر كالبشر الطبيعيين، ففي مؤتمر صحافي سابق له في تل أبيب، (3/11/2023) قال: “هذا ما يربطنا ببعضنا بعضا كبشر. لقد رأيتُ أيضاً صوراً لأطفال فلسطينيين، فتيان وفتيات صغار، تمَّ انتشالهم من تحت أنقاض المباني. عندما أرى ذلك، عندما أنظر إلى عيونهم من خلال شاشة التلفزيون، أرى أطفالي. وكيف لا؟”. وهو سبق وأن كرّر مرّات ومرات الحديث عن معاناة المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزّة، كما قال في المؤتمر الصحافي الذي عقده في القدس يوم الثلاثاء الماضي، (9 يناير / كانون الثاني الجاري): “يبدو الوقت مختلفاً بالنسبة للعائلات في غزّة أيضاً، حيث يعاني مئات الآلاف منهم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وبالنسبة للأم أو الأب الذي يحاول العثور على شيءٍ لإطعام طفل جائع، فإن مرور يوم آخر بدون طعام أمرٌ مؤلم”.

طبعاً، لا يأتي الحديث عن معاناة الفلسطينيين إلا بعد أن يسهب بلينكن ويطنب في الحديث عن معاناة الإسرائيليين، وعائلات المحتجزين منهم في قطاع غزّة، وحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ودعم بلاده المطلق لها. ثمَّ، يضع تعاطفه مع الفلسطينيين، ضحايا الإبادة، في جمل اعتراضية ومشروطة، مثل ما جاء في المؤتمر الصحافي في تل أبيب: “ويختلف الوقت أيضا بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين الذين قُتل أحباؤهم الأبرياء.. وهذه مجرد أمثلة قليلة على مدى وطأة هذه الأيام الـ 95 – وما زالت وطأتها ممتدّة – بالنسبة للأشخاص الأكثر تضرراً من هذا الصراع. هذه الخسائر البشرية الهائلة هي أحد الأسباب العديدة التي تجعلنا نواصل الوقوف مع إسرائيل لضمان عدم تكرار هجمات 7 أكتوبر”. ثمَّ يضيف: “نعلم أن مواجهة عدو (المقاومة الفلسطينية) يتجذّر بين المدنيين – يختبئ ويطلق النار من المدارس والمستشفيات – تجعل هذا الأمر صعباً للغاية. لكن الخسائر اليومية التي يتكبّدها المدنيون في غزّة، سيما الأطفال، مرتفعة للغاية”.

لا أريد أن أسهب في تصريحات بلينكن الكثيرة التي تسير على المنوال نفسه. لكن من المهم هنا أن نُذَكِّرَ أن هذا الرجل الذي ما فتئ يطالب إسرائيل منذ مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بـضرورة “بذل مزيد من الجهد لحماية المدنيين الفلسطينيين” في قطاع غزّة، والسماح بدخول مزيد من المساعدات الإنسانية إليهم، وعودة المهجّرين منهم إلى مناطقهم ومنازلهم المدمّرة، هو نفسُه من يتربع على رأس هرم وزارة الخارجية الموكل إليها ترخيص أو حجب صفقات الأسلحة لدول أجنبية. ولكن، بلينكن وعلى خطى سيّده، بايدن، لم يكتف منذ 7 أكتوبر بتأييد إسرائيل قولاً، بل سعى إلى تأكيد ذلك فعلاً عبر إغراقها بالأسلحة الفتاكة التي تسحق غزّة وسكّانها المدنيين، الذين يتظاهر بذرف الدموع على مأساتهم ويزعم تَفَطُّرُ قلبه على أطفالهم تحت الأنقاض الذين تنهار المنازل على رؤوسهم بفعل قنابل أميركية الصنع هو من أجاز نقلها إلى إسرائيل.

الأكثر سخافة في هذا السياق، أن بلينكن هذا هو من تجاوز الكونغرس مرتين في ديسمبر/ كانون الأول 2023، عندما كان وافق على شحنات أسلحة كبيرة لإسرائيل من دون شروط، متذرّعاً ببند “الطوارئ”. كانت الأولى في 8 ديسمبر عبر إرسال 13000 قذيفة دبابات بقيمة تزيد عن 106 ملايين دولار. والثانية في 29 ديسمبر حين أقرّ إرسال 147.5 مليون دولار من قذائف المدفعية عيار 155 ملم ومعدّات أخرى. وحسب معطيات رسمية، وافقت إدارة بايدن، منذ 7 أكتوبر وحتى منتصف ديسمبر الماضي، على شحن حوالي 20 ألف قذيفة جو – أرض إلى إسرائيل، بما فيها قنابل تزن ألفي رطل، تعدّ المسؤولة الأولى عن العدد الكبير من الضحايا المدنيين، والدمار الهائل الذي لحق بقطاع غزّة، في الوقت الذي تطالب فيه إدارة بايدن إسرائيل بتجنّب الأمريْن. وهو ما دفع مسؤولا إسرائيليا رفيعا أن يصرّح لصحيفة أميركية، الشهر الماضي، بالقول: “إذا كانت إدارة بايدن منزعجة جداً من حجم الدمار والضحايا في قطاع غزّة بفعل هجماتنا، فلماذا تزوّدنا بقنابل كبيرة”؟

من هنا نفهم الموقف الأميركي المخزي في معارضة تقديم جنوب أفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزّة، فحسب بلينكن: هذا “يصرف انتباه العالم عن كل هذه الجهود الهامة. وعلاوة على ذلك، فإن تهمة الإبادة الجماعية لا أساس لها”. لن تؤيد واشنطن، ولا بايدن ولا بلينكن، اتهام إسرائيل بجريمة الإبادة الجماعية لأنهم شركاء فيها، معنوياً ومادياً. قارن ذلك بموقف إدارة بايدن من قرار المحكمة الجنائية الدولية، في مارس / آذار، 2023، اتهام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، وإصدار مذكّرة اعتقال دولية بحقه. على الرغم من أن الولايات المتحدة ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، وكثيراً ما رفضت الاعتراف بولاياتها القضائية وأحكامها، إلا أنها فجأة اتفقت معها، وأعلن بايدن أن “من الواضح أن بوتين ارتكب جرائم حرب”. أما الناطق باسم الخارجية الأميركية، فأعلن حينها أنه: “لا شك في أن روسيا ترتكب جرائم حرب وفظائع بأوكرانيا، وأوضحنا أنه يجب محاسبة المسؤولين… توصل إلى هذا القرار مدّعي المحكمة الجنائية الدولية بشكلٍ مستقلٍ بناء على الحقائق المعروضة عليه”.

كنت أشرت في مقال لي سابق، (29 /12/2023)، إلى تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، جاء فيه إن “وتيرة الموت” في العدوان الذي تشنّه إسرائيل على قطاع غزّة ليس له سوابق في هذا القرن. “مثلاً، يفيد التقرير بأن عدد من سقط من النساء والأطفال شهداء في قطاع غزّة خلال أسابيع قليلة يفوق مثيله في أوكرانيا خلال عامين تقريباً، وهو أكبر ممن قتلتهم الولايات المتحدة وحلفاؤها في العراق خلال عام من غزو ذلك البلد عام 2003. دع عنك أن روسيا دمّرت خلال عامين، تقريباً، 167 ألف منزل في أوكرانيا، في حين أدّى القصف الإسرائيلي على مختلف مناطق القطاع إلى تدمير 177 ألف وحدة سكنية بين 7 و29 أكتوبر/ تشرين الأول. أما الواقع اليوم، بعد ثلاثة أشهر تقريباً من العدوان، فهو أفظع بكثير، إذ تكاد البنية التحتية في القطاع المنكوب تكون قد دُمّرت عن بكرة أبيها”. رغم كل هذه الحقائق الدامغة، وغيرها كثير، تنافح إدارة بايدن، بوقاحة منقطعة النظير، عن أن إسرائيل بريئة من جريمة الإبادة! وأنَّى لها أن تقرِّ بذلك، وهي تعلم أنها هي من تدعمها وتشاركها في تلك الجريمة، فبصاروخ أميركي، أجاز بلينكن تزويد إسرائيل به، انطلق من طائرة أميركية، يقودها طيار إسرائيلي، قتل حمزة الدحدوح و”أطفال فلسطينيون، فتيان وفتيات صغار، تم انتشالهم من تحت أنقاض المباني”، الذين زعم بلينكن التأثّر لحالهم، واحتفل بعضُنا بذلك، متناسين حقيقة بلينكن الأفّاق، هو وسيّده وإدارتهما.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts