د.أحمد داود شحروري
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

فينا ما يحجبنا عن النصر

د.أحمد داود شحروري
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

في مواجهة خطر العدو الداهم يحسن بالعقلاء أن يأخذوا حذرهم من كل معوّق عن كسر شوكة العدو وعن وحدة الصف لتحقيق هذا الغرض، وليس أخطر علينا من ذنوبنا في ساحة النزال، وبلاد المسلمين اليوم كلها ساحة نزال، فالعدو يغزونا بقواه الناعمة منذ عقود في معركة له الغلبة فيها لغفلتنا عن طبيعة هذه المعركة ومكرِه فيها.

بضاعة العدو يتم تسويقها عن طريق تجارنا، وثقافة العدو تسكن أجساد أبنائنا في سراويلهم وقمصانهم وقصة شعرهم ولقمة خبزهم ورشفة مرطباتهم، فقد تمكنت هذه كلها وغيرها كثير من قلوب الجيل وصارت جزءا من شخصياتهم، العدو يبني مركزه التجاري والمالي على ظهورنا، وتستحكم قوته في واقعنا حتى أصبح كأنه ضرورية من ضروريات حياتنا لا نملك عنها تحوّلا ولا تبديلا.

حركة المقاطعة التي نجحت إلى حدّ كبير في تغيير سلوكنا الاستهلاكي شيء يثلج الصدر وترتاح له النفس، لكن ما يؤلم ويبعث على الحسرة ألا تجد بديلا غير مطبّع لعدد من المواد التي ما عادت من الكماليات في حياتنا، فكثير من المعوقات تقف في طريق صناعاتنا الوطنية ولا تساعدها على منافسة الصناعات الوافدة، وهذا الارتجال المقلق في منح تراخيص أو حجب تراخيص، والبيئة الطاردة للاستثمار داخل حدودنا، وغير ذلك من المعوقات تخضعنا في المحصلة راغمين لاستهلاك منتجات عدونا المباشر وغير المباشر على حد سواء.

إننا باسترخائنا الاقتصادي وعقليتنا الاستهلاكية وفساد الإدارة والمال في كثير من مؤسساتنا ومشروعاتنا التنموية نفتح الطريق واسعا لدخول عدونا إلى بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا، وأماكن حساسة كثيرة في تمكّن عدونا من الوصول إليها مقتل إستراتيجي يؤذينا على المدى المتوسط والبعيد ويجعل استدراك الخطر صعبا لأن أدواته متراكمة ومستحكمة. 

وإن ما يحجبنا عن النصر هذا الفصام النكد بين النظام الرسمي العربي الشعوب مما يشظي طاقاتنا ويفت من عضدنا التي يفترض ألا تكل عن ضرب أهداف العدو في مقتل حتى لا يتمكن من مسح أثرنا في التاريخ والجغرافيا.

الأنظمة الرسمية العاقلة هي التي تستثمر في ولاء الموالين ومعارضة المعارضين، وتجعل بينهما موازنة سياسية ذكية لصالح مشروعها الأخلاقي القائم على تجميع الطاقات والإفادة من الاختلافات في بناء مجتمع فيه مكان لكل مواطن تحترم طاقاته ويقدّر رأيه ولو كان خاطئا، فإن إشعاره بقيمته في نظر الدولة يؤتي ثمارا إيجابية يبلغ أثرها من الأهمية ما يكسب الفرد ثقته بالدولة والنظام على طريق تعميق ثقته بنفسه ثقافيا وسياسيا.

المناكفة السياسية وفن كسب الأعداء هما سوس خطير ينخر في كياننا الأمني، ومواطننا ليس عدوا إلا لما يجهل، والمطلوب من كياناتنا السياسة أن تسلك سبيل الشفافية فتحدّث المواطن بالحقيقة دون تهويل أو تهوين، وأن تعطي مناكفها المعارض لسياساتها هامشا من حرية الرأي لا أن تتعسف في استخدام حقها في ضبط الخلاف ليتحول إلى منع الخلاف ثم قمعه، بذرائع تبعث على فقء عين الدولة، من فبيل محاربة المندسين وضرب المهددين للسلم الأهلي ورفع علم غير علم الدولة، في حين يرفع علم فلسطين مثلا في كل عواصم الغرب في مظاهرات شبه مليونية تهتف لنصرة الفلسطينيين دون أن تجرّم أنظمتهم السياسية أحدا أو حتى تعرّض به لرفعه علما غير علم الدولة الرسمي، فزاوية نظرهم أن رفع ذلك العلم هو شكل من أشكال النصرة لا وسيلة من وسائل استبدال الهوية أبدا. 

إن المطلوب اليوم تعقّل كبير ونظر حكيم لبلوغ النصر الحاسم على الصهاينة الذين باتوا يشكلون خطرا على الأنظمة السياسية العربية لا يقل عن خطرهم في استهداف القوى الوطنية الفاعلة على الأرض، لأن الصهاينة قرروا في ساعة ضياع أن يتنكروا لكل عربي ومسلم بغض النظر عن الخلفيات التاريخية أو الموازين السياسية التي كانت منصوبة إلى أجل قريب، فليس من الحصافة في شيء أن يجمد النظام السياسي العربي عند لحظة تجاوزها الصهاينة وقرروا عدم العودة إليها إلى الأبد، فإن ذلك مؤذن بوصول البلّ إلى ذقون الغافلين، ليحلق هذه المرة الذقون ذاتها لا ما يكسوها من شعر شابَ ولم يبلغ درجة الاتعاظ.

إن القانون الذي ينسب نصّه إلى فاروق الأمة عمر رضي الله عنه (إذا استويتم مع عدوكم في المعصية كانت الغلبة للأقوى) هو القانون السائد اليوم، مع ملاحظة أننا بتنا نسابق عدونا في المعصية ولا نساويه فيها، وأننا لم نبلغ من القوة ما بلغ عدونا، بتقصيرنا لا باجتهاده وحسب، فلذلك ما زال يهزمنا مدنيا وعسكريا خارج معادلة غزة،  أما غزة فقد كانت مختلفة منذ بدأ رجال المقاومة مشروعهم في إعداد ما يستطيعون حتى بلغوا فتحهم المبين يوم السابع من أكتوبر الماضي، ولن تكون عاقبته إلا وفق سنن الله التي لا تتخلف، “ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز” صدق الله العظيم.

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts