د.أحمد داود شحروري
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

في العشر الأواخر دروس من الطوفان (٢)

د.أحمد داود شحروري
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

** الإرادة والعزيمة عنوان الإنجاز:

الناظر في الشأن الفلسطيني يرى صورتين أوضح من الشمس لنموذجين مختلفين في الموقف من الاحتلال والتعامل مع إجرامه، نموذج رضي بالأمر الواقع بل اعترف به وتكيف معه إلى حد التماهي ليصبح أداة من أدواته في ردع “المشاكسين” وتقليم أظافر الفاعلين على الأرض، ونموذج آخر هو هذا الفاعل على الأرض الذي يراد تقليم أظافره.

لقد حاولت قوى عديدة إقليمية ودولية أن تحارب نموذج المقاومة الفلسطينية لصالح الهيمنة الصهيونية على الأرض، وكان لهذه القوى ظهير على أرض غزة يدور في فلكها، وعندما فطنت المقاومة إلى المؤامرة الكبرى وعملت على الحسم العسكري لإصلاح ما فسد تداعت دبابير الظلام وأطبقت عليها حصارا اقتصاديا وسياسيا خانقين في محاولة لإجبارها على الاستسلام للأمر الواقع لأنها ستكون وحيدة في ميدان العمل الوطني ولن تشفع لها طهارتها في مقابل دنس المناوئين من تجار القضية.

قبلت المقاومة التحدي وتكيفت مع الحصار، وصار لغزة عالَمان علوي وسفلي، العلوي فيه حياة المواطن العادي ونشاطه الحياتي، والسفلي هو عالم المقاومة تدريبا وتخطيطا وتصنيعا، واستمر الحال على ما هو عليه سبع عشرة سنة، عدوّ غزة يكيد ويضغط باتجاه تركيع المقاومة، والمقاومة تسجل ثباتا أسطوريا على طريق الاستقلال وبناء الذات والإشراف على تصريف شؤون الناس فيما يتاح من مقومات الحياة الشحيحة.

ليس أفراد المقاومة ملائكة بقوى خارقة، بل بشر يعتريهم الضعف الذي يعتري الناس، والفرق الوحيد بينهم وبين العامة أنهم يملكون من العزيمة نفَسا طويلا، ولهم إرادة تستعلي على التسليم بالعجز عن الفعل مهما كان سبب هذا العجز الذي عادة ما يظهر على غيرهم.

لو مرت ظروف الحصار على دولة عربية تقليدية لرفعت الراية البيضاء تسترحم عدوها أن يرأف به، ولاتخذت تلك الظروف ذريعة للائتمار بأمر من يرفع عنها ما تشتكيه من ضيق، ولأصبحت ذراعا لينا في يد من يوجهها لتحقيق مصالحه مهما كان ثمن ذلك باهظا ومحرجا، لكن هذا لم يتحقق في نموذج غزة التي شهدت حروبا خمسة تحرق الأرض لتقضي على الإنجاز المقاوِم، ولكنها خرجت من حروبها منتصرة وكان عدوها يطلب إيقاف إطلاق النار عبر وسطائه لأنه لا يتحمل بقاء سكان مستوطناته في الملاجئ فترة ممتدة. ولأنه أراد لحربه الأخيرة أن تكون الفاصلة إثر انبعاث طوفان الأقصى استدعى خمسة دول عظمى لتكون معه في المعركة تسليحا وجنودا مرتزقة ونفَسا يعينه على الصمود الذي لم ينجح فيه منذ السابع من أكتوبر حتى الآن ولا استطاع أن يوقف حمام الدم من حول عساكره وقد فتح صنابيره بنفسه.

ألم يسأل المنصفون أنفسهم سؤال المليون ؟ هذه الدولة الأقوى في الشرق الأوسط التي زرعت لتكون شرطي أمريكا في المنطقة، يخفق العرب في صدها عن غيها خمسا وسبعين سنة ويذوقون على يدها ألوان الهوان، كيف استطاعت المقاومة أن تكسر كبرياءها في أربع ساعات ؟ والجواب يكمن في الإرادة الصلبة والعزيمة التي لا يقف أمامها صعب، أما العرب فقد اشتروا الأسلحة وضاقت بها مخازنهم دون توجيهها وجهتها اللازمة الملحّة، وأما المقاومة فصنعت من الحصار فرصة للعودة إلى الذات لترتيب الأوراق وتصنيف الأولوليات التي على رأسها دحر هذا العدو اللئيم، وبالعزيمة والإرادة كان لها ما أرادت، فمن كل معضلة أنتجت فرصة لتكون أمضى عزيمة وأدق رميا، ومن سنن الله أن من يقاوم شهوته بإرادة صلبة يظفر، كالصائم الذي ملك عزيمة على ألا يأكل ولا يشرب برغم إلحاح الجوع والعطش فكان له ثواب لا يقدره إلا ربه، وهكذا هو المقاوم شهوة الحياة الدنيا وسعتها انتصارا لدينه وأرضه وعرضه فإن له سعة الدنيا وسعادة الآخرة في نتيجة لا يجادل فيها إلا مفلس.

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts