ن
نشرة فاعتبروا (260)
كتبها الدكتور عبدالحميد القضاة – رحمه الله –
يقولُ أهل الاختصاصِ أنّ علمَ الأخلاقِ له منحيان، الأولُ يُدعى محاسنُ الأخلاقِ: وهذا يعتمدُ مبدأ المنفعة، فتُحسنُ لمن أحسنَ إليك، وتُعطي من أعطاكَ، وتصلُ من وصلكَ، فالإحسانُ مقابلَ الإحسانِ، وقد قيلَ إن في محاسنِ الأخلاقِ سعةٌ في الأرزاقِ.
أمّا الثاني فهو مكارمُ الأخلاقِ: وهو نمطٌ أرقى لأنه مرتبطٌ بالواقعِ العميقِ للنفسِ البشريةِ، يزرعِ الفضيلةِ، كأن تصلَ من قطعكَ، وتُعطي من حرمكَ، وتُحسن لمن أساءَ إليكَ، فهذا لا تُدركهُ إلّا النفوسُ العظيمةُ. يقول الرسول: “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاقِ”.
محاسن الأخلاقِ ومكارمَها هما السياجُ المنيعُ الذي يحمي الأمة، لأنهما يحفظان التوازنَ الإيجابي في كل مناحي الحياة، هذه المنظومةُ الأخلاقيةُ من القيم الضابطة لسلوك الأفرادِ والجماعاتِ، هي التي أرسى قواعدها وحيُ السماءِ، فالأخلاقُ الحميدةُ هي أساسُ الحضارة.
سعادةُ البشريةِ لا تدومُ إلاّ بتطبيقها، ولتثبيتها في نفوس المسلمين بذل الرسولُ جهداً إستثنائياً، ودعا البشرية كافةً للتعامل بقانون الخُلق الحسنِ الذي ليس بعده ولا فوقه قانون.
وكلما اجتمعت الأخلاقُ في شخصٍ أكثر، كان للكمالِ أقرب، وكلما طُبق منها في أي مجتمع أكثر، كان لصيقًا للمدينة الفاضلةِ، لأن الأخلاق الحميدة فيها سجيةٌ تلقائية، دون تكلفٍ أو تصنّعٍ، دافعها الأساس تقوى الله ومخافته، واتباع السنة المطهرة، تنامُ فيها بملء جفنيك.
وأخلاقِ صلاح الدين الأيوبي، جعلتهُ يُوقفُ الحربَ الصليبية عندما مرضَ القائدُ ريتشارد، حيث قال: إنه لا يُقاتلُ قوماً لا قائدَ لهم، وعندما طال مرضَه، أرسل له العلاج، فاعترض الكرادلة، فقال الملك: إن المسلمينَ إذا وعدوا صدقوا، وإذا فعلوا أخلصوا، ثم تناولَ العلاجَ فشفي، فأعلن السلامَ مع المسلمينَ، ودفع لهم الجزية بدلًا من محاربة قومٍ هذه أخلاقُهم.
فقمةُ قيم الدنيا الأخلاق، وقممُ الأخلاقِ مكارمُها، وتاجُ المكارم العفة، وقمةُ العفة، عفة اللسان والفرج، وأثر مكارم الأخلاق تنعكسُ خيرًا على صاحبها وذريته.
حديث نبوي
جاءَ أعرابيَّانِ إلى رسولِ اللهِ َ فقال أحدُهما: يا رسولَ اللهِ ! أيُّ الناسِ خيرٌ؟ قال : “طُوبَى لمن طالَ عُمُرُه، وحَسُنَ عملُه”، وقال الآخرُ: أيُّ العملِ خيرٌ؟ قال: “أن تُفارِقَ الدنيا ولِسانُكَ رَطْبٌ من ذِكْرِ اللهِ”، فحُسنُ العملِ مع طُولِ العُمرِ مِن الأُمورِ الَّتي يُغْبَطُ عليها صاحِبُها، وكذلك ذِكْرُ اللهِ له فضْلٌ عظيمٌ، وفيه الحثُّ على التَّزوُّدِ مِن الطَّاعاتِ كلَّما زاد العُمرُ، وأنَّ الزِّيادةَ في عُمرِ المُحسِنِ علامةُ خيرٍ، والزِّيادةَ في عُمرِ المُسيءِ علامةُ شرٍّ.