محادين يكشف لـ “البوصلة” عوامل انعدام ثقة المواطن بـ “الخطاب الحكومي” وسخريته منه

محادين يكشف لـ “البوصلة” عوامل انعدام ثقة المواطن بـ “الخطاب الحكومي” وسخريته منه

عمّان – رائد صبيح

علق أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين في تصريحاته لـ “البوصلة” على ما يجري في الساحة الأردنية حول ما تقدمه الحكومات ممثلة بمسؤوليها من “خطاباتٍ وتصريحاتٍ” مثيرةٍ للجدل، وما يقابله من ردود المواطن الأردني على تلك الخطابات وجعلها فرصة للتندر والضحك والانتقادات الحادة، بأنّ كل ذلك مرتبطٌ بعوامل عدة تتعلق بـ “الثقة” و”المكاشفة الحقيقية” و”المنجزات” و”الحوار المعمّق” و”أسلوب الخطاب ودقته”، وعوامل أخرى داخلية وخارجية.

وقال محادين: من حيث المبدأ نقول إنّ الخطاب بين أي شخصين سواءً كان بين فردين أو شخصٍ معنويٍ مثل الحكومة مع المواطن، يجب أن يقوم على “الثقة”، وملمح هذه الثقة لا يتجلى فقط في الخطابة واللغة و”الفزلكة” وإنّما ما يؤيد وما يعمّق مثل هذا اللقاء والحوار هو “المنجزات” أو قدرة الحكومات على وضع حلول للتحديات التي يواجهها المواطن.

المكاشفة بداية الطريق

وأوضح أنّ المواطن عندما يدفع الضرائب وعندما ينتمي إلى الوطن ومنجزاته يُتوقع من “اولياء الأمر” على صعيد الحكومات المتعاقبة أن يكون لديهم ما يمكن أن يحلّ قضاياه ويومياته، فما بالك عندما تستفحل الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسب البطالة بصورة لافتة في الأردن على سبيل التأكيد، والقول أيضًا أن ما يعيشه المسؤول من “امتيازات” لا ينعكس على جرأته في وضع الحلول، أو حتى جرأته في المكاشفة.

أ. د. حسين محادين: يبدو أنّه ليس لدى الحكومة حلول اجتراحية مميزة وعملها أبطأ من بطيء

وقال محادين في أحايين كثيرة حين تكون “المكاشفة حقيقية” بين المسؤولين والمواطنين تصبح فرص الالتقاء على حدٍ أدنى من الحوار أقوى، لكن الذي يجري أنّ الحكومة “بليغة في الخطابة” ولكنّ الواقع مريرٌ في تحدياته، وبين هذين الحدين ثمّة سؤال أين مؤسسات الدولة من حيث الأثر والتأثير، ونحن في دولة تلج مئويتها الثانية بكل ثقة واحترام على الصعيد المؤسسي والسياسي، والأدوار المختلفة.

 واستدرك بالقول: لكن خطاب الحياة المرتبط بالجوع والبطالة وفجوات التنمية المرتبط بالقطاع الأهم والذي هو قطاع الشباب الذي يمثل قاعدة الهرم السكاني في المجتمع الاردني، كلها تحديات تواجه الحكومات المتعاقبة، وأحيانًا يتفهم المواطن أنّ “الكورونا” على سبيل المثال ساهمت في إضعاف الاقتصاد العالمي، ومنه الاقتصاد الأردني أثرًا وتأثيرًا.

“لكن الذي لا يُفهم للآن أنّه ليس هناك حوارٌ عميقٌ بين المواطنين ومؤسسات الحكومة المختلفة ممثلة بوزاراتها ووزارئها، لماذا؟”، على حد تعبير محادين.

وقال: يبدو أنّه ليس لدى الحكومة حلول اجتراحية مميزة وأنّ الذي يجري مقارنة مع “كتب التكليف السامي ومضامينها النبيلة” يجري بشكلٍ بطيء؛ بل أبطأ من بطيء.

إقرأ أيضًا: محادين لـ “البوصلة”: “الوجدان الشعبي” ينبه صنّاع القرار لخطورة المساس بالأمن المجتمعي

ولفت الخبير بعلم الاجتماع بالقول: قد يكون الجانب الاقتصادي أمرٌ أساسيٌ لكن المتغيرات الدولية ساهمت في إبطاء هذا الخطاب والفعالية الاقتصادية في الدولة الأردنية، خصوصًا أنّ الأردن متفاعلة مع أزمات ودول العالم وليس آخرها الأزمة الأوكرانية التي وجهت أنظار الحلفاء الغربيين والأصدقاء نحو أوكرانيا بشكلٍ مبالغ جدً فيه، الأمر الذي انعكس على “عنوان المساعدات”، وأشكال الاهتمامات والأولويات في المجتمع الغربي وعلاقته مع الشرق الأوسط، كلها عوامل فاعلة ومؤثرة في السياسة الأردنية.

التحدي الأصعب

وتساءل محادين: الآن ما الممكن أن نفعله أردنيًا، وباعتقادي هذا هو التحدي الأصعب؟، مشددًا في الوقت ذاته على أنّ هناك ضرورة ملحة لإعادة الثقة من خلال العمل والإنجازات بين المواطنين والحكومات.

ولفت إلى أنّ هناك ضرورة عالية ومطلب رئيس أن يتحرك القطاع الخاص للتقليل من حدة البطالة والتحديات التي يواجهها المواطن الأردني كزء من مسؤوليته المجتمعية.

وقال محادين: “لعلي أشير هنا إلى دور الشركات الكبرى في الدولة الأردنية وأثرها على تسريع ونماء عجلة الاقتصاد”.

الحوار السياسي

وأضاف قائلا: أيضًا أوكد أن التوجهات على صعيد الحوار السياسي بحاجة إلى “إغناء” وموضوع التحاور القطاعي النقابي المقاولات الطلبة.. الخ، كلها متطلبات ملحة وملحة جدًا للخروج بمشتركات تدعم البنية السياسية والمؤسسية للدولة الأردنية بعد أن ولجنا للمئوية الثانية.

وأضاف، مرة أخرى أقول أنّ الخطاب الحكومي يجب أن يتسم بنوع من الدقة والواقعية وأن يبتعد عن “الشخصانية”، فنحن نحترم كل الأشخاص على الصعيد الشخصي، ولكن الشخص العام يجب أن يكون دقيقًا في استخدام مفرداته.

وشدد على أنّ الخطاب الحكومي يجب أن يراعي أن الشارع العام لم يعد أسيرًا لتلقي المعلومات والتفاعل معها عبر ما تبثه الحكومات فقط، لكن في ظل هذا الفضاء الواسع، وتدفق المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا والتفاعلات اللحظية في العالم والأحداث التي تصاحبها، كلها جعلت المواطن أكثر وعيًا وأكثر متابعة للأحداث وأصبح المواطن نفسه الذي “نستهدفه كحكومة” مواطنًا كونيًا، أي يعنى بقضايا الأرض والفضاء معًا.

إقرأ أيضًا: محادين لـ “البوصلة”: ليس من الحكمة فرض غرامات على المواطن في هذه الظروف

ونوه بالقول: فلذلك عندما نتحدث عن البيئة والتلوث وعن الاحتباس الحراري، كلها قضايا تكاد تكون في صلب حياة المواطن بدرجة أو بأخرى.

وقال محادين: صحيح أننا من بلدانٍ نامية ولكن أيضًا انعكاسات هذه التغيرات مهمة جدًا، وهذا الأمر الذي جعل الحكومات أضعف مما كانت عليه خصوصًا وأنّها ساهمت بإضعاف وتذويب السيادة الوطنية للدول اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا.

مسؤول قريب من الشارع

وتابع محادين حديثه: هنا نقول أنّ على المسؤول أن يكون قريبًا من الشارع ومستمعًا جيدًا وأن يقنع الناس بما يتحدث، ونحن لا نتحدث عن أشخاص وأسرهم، وهم مقدرون بالمجمل، لكن نتحدث بأنّه هل لدينا من القيادات من يكون قادرًا على اجتراح حلول كلٌ في قطاعه وكلٌ في اختصاصه؟

وأضاف، ما مساحة الحوار بين المواطن كهدفٍ ووسيلة للتنمية بكل عناوينها في مثل هذه القرارات؟

وتساءل محادين: هل الاستمرار في رفع الضرائب والأسعار يمكن أن يساهم في هذه المرحلة بخلق توازن نفسي اقتصادي للمواطن إذا ما تذكرنا أنّ القطاع العام على سبيل المثال من عقود لم يأته ولم يستلم ولا أي زيادة على دخله.

حساسية الوعي

وشدد على أنّ المواطن الأردني بطبعه حساسٌ وعفيفٌ، لكنّه أيضًا قادرٌ على تلمس دقة المعلومات وعلى صدقية هذا المسؤول أو ذاك.

وقال محادين: يتوج هذا الوعي بأنّ المواطن الأردني متابع، فعندما نتحدث عن العدالة الاجتماعية بصورة نسبية علينا أن نعرف أنّ هذا المواطن من حقه أن ينافس ومن حقه أن يحصل على وظيفة وعلى تأمين صحي جيد.

ولفت في الوقت ذاته إلى أنّ المحافظات والألوية أيضًا جزء مستهدف ويكاد يكون بعيدًا عمّا يجري في العاصمة.

كيف نواجه سيكولوجية المواطن المتوترة؟

وحذر محادين من أنّ كل ما سبق عوامل تجعل سيكولوجية المواطن الأردني سيكولوجية متوترة في ظل إقليمٍ متوتر،  علاوة على أنّ المرحلة كلها قائمة على الترقب وقائمة على نوعٍ من الضبابية ما القادم؟ وكيف يمكن أن نعالجه، وهل بوسعنا أن نعبر معًأ حكومات ومواطنين باتجاه مستقبل آمن، وكل أسئلة مرتبطة بالدولة الأردنية صحيح، لكنّها مرتبطة بمآلات الإقليم والعالم بالمجمل.

وقال محادين: سياسيا..يمكن ملاحظة تدني نسب الإقبال على الانضمام للأحزاب رغم انها رافعة تشاركية اهلية ورقابية مهمة لعمليات تنمية الاصلاح السياسي، وهذه بحاجة الى رصد وتحليل بغية الخلوص الى استنتاجات اجرائية من شانها ان تدفع نحو توازنات نفسية ومطلبية الأردنيين كشركاء أساسيين في منظومة النمو والتنمية الوطنية بعناوينها المتعددة..

ونوه إلى أنّه يجب أن يتذكر المسؤولون الرسميون أنهم شخصيات عامة أولا وأولا، وأنّ أحاديثهم وتصريحاتهم دقيقة وتسعى للإجابات العلمية والعملية لتساؤلات المواطن في ظل دولة القانون والمؤسسات.

وختم محادين تصريحاته لـ “البوصلة” بالقول: لا ننسى أن دورالإعلام المميز المسموع والمشاهد تحديدا الذي اذا ما أُحسن توظيفه رسائل ومحتوى مقنع للمواطنيين من قِبل المسؤولين سيساهم وبقوة في تسويق الاجراءات الجدية والعلمية للحكومات نحو حرصها على تلمس حاجات المواطن والعمل الممنهج لإيجاد حلول ميدانية لها في المحصلة.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: