معهد واشنطن: لا يمكن للأردن الانتقال إلى النمو الاقتصادي إلا بمزيد من المساعدات

معهد واشنطن: لا يمكن للأردن الانتقال إلى النمو الاقتصادي إلا بمزيد من المساعدات

البوصلة – رصد

اكد معهد واشنطن أنه لا يمكن للأردن أن ينتقل من مرحلة الأزمة التي يمر بها حالياً إلى فترة من النمو الاقتصادي المستدام إلا إذا تلقى المزيد من المساعدات خلال الفترة المقبلة.

ونشر المعهد تحليلا للباحث بين فيشمان بعنوان “اتفاق أطول زمناً وأقوى تأثيراً للأردن” بالتزامن مع انتهاء العمل بـ “مذكرة التفاهم” للمساعدات المالية الحالية بين الولايات المتحدة والأردن.وقال المعهد ان المفاوضات مستمرة للتوصّل إلى نسخة محدثة منها.

وطالب الباحث من واشنطن التأكيد على الشراكة من خلال الاستمرار في التعهد بتقديم مساعدات تتناسب مع دور المملكة في الحفاظ على الاستقرار في منطقة دائمة الخطورة. وفي الوقت نفسه، على الولايات المتحدة أن تطلب من الأردن إظهار التزامه المستمر بالإصلاحات الأساسية. 

وقال فيتمان الذي شغل منصب المدير لشؤون شمال إفريقيا في “مجلس الأمن القومي” الأمريكي2013، ” صحيح أن تكلفة المساعدة الأمريكية المقدمة إلى الأردن بالدولار مرتفعة نسبياً، إلا أن المزايا تنطوي على شراكة وثيقة في القضايا الأمنية والسياسية.” ، مؤكدا ان الولايات المتحدة تدعم الأردن باعتباره حليفاً قديماً في منطقة صعبة يتشارك فيها حدوده مع منطقة حرب نشطة في سوريا، ومع العراق غير المستقر بشكل دائم، بينما يشكل أيضاً عنصراً رئيسياً في أمن “إسرائيل”، حسب قوله.

وتعهدت “مذكرة التفاهم” السابقة التي جرى توقيعها في عهد الرئيس دونالد ترامب بتخصيص 6.375 مليار دولار على مدى خمس سنوات، أو 1.275 مليار دولار سنوياً، في إشارة ملحوظة لدعم الإدارة الأمريكية للأردن وسط تخفيضاتها للمساعدات الأجنبية التي تقدمها إلى دول أخرى حول العالم. وكانت اتفاقية السنوات المالية 2018-2022 ثالث “مذكرة تفاهم” بين الولايات المتحدة والأردن، علماً أن المذكرتين السابقتين غطتا السنوات المالية 2009-2014 و 2015-2017. وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقيات غير ملزمة قانوناً، إلا أنها أرست ركيزة قوية للدعم الأساسي وسمحت للأردن بالتخطيط لجزء من ميزانيته الذي يعتمد على المساعدات الخارجية. وفي كل عام من السنوات الخمس الماضية، تجاوز إجمالي المساعدات الأمريكية للأردن 1.5 مليار دولار، بما يزيد عن الهدف المحدد في “مذكرة التفاهم” الثالثة بمقدار 200 مليون دولار سنوياً على الأقل.

الأردن ثاني أكبر متلقِ للمساعدات الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط بعد “إسرائيل

ولفت الباحث، إلى ان الأردن يُعتبر ثاني أكبر متلقِ للمساعدات الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط بعد “إسرائيل”، بعد أن تخطى مصر في السنة المالية 2018 والعراق في السنة المالية 2013. وتلقى الكيان الإسرائيلي حوالي 3 مليارات دولار سنوياً كمساعدات عسكرية. وكان الأردن ثالث أكبر دولة تتلقى مساعدات أمريكية في العالم بعد أفغانستان و”إسرائيل” العام الماضي. منوها الى انه سيؤدي التحوّل الأخير في سياسة الولايات المتحدة فيما يتعلق بأفغانستان وبداية الأزمة الأوكرانية إلى تغيير هذا الترتيب في عاميْ 2022 و 2023.

وأشار فيتمان إلى نمو الاحتياجات الاقتصادية للمملكة مع إستقرار متطلبات المشتريات للقوات المسلحة الأردنية، وقال” ازداد إجمالي المساعدات الأمريكية إلى الأردن بأكثر من الضعف، وارتفعت قيمتها من 776 مليون دولار في عام 2012 إلى 1.65 مليار في عام 2021. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت غالبية المساعدات الاقتصادية مخصصة مباشرة لدعم الميزانية الأردنية. وقدمت الولايات المتحدة منحاً للميزانية بلغ مجموعها 745 مليون دولار في عاميْ 2019 و 2020، و 845 دولاراً في عام 2021، وخصصت المبلغ نفسه في مشروع قانون الاعتمادات المالية الذي أُقر في آذار/مارس من العام الحالي. (وخصصت النسخة الأصلية لمجلس الشيوخ الأمريكي من تشريع الاعتمادات، 400 مليون دولار من إجمالي حزمة المساعدات لتحفيز الإصلاحات الاقتصادية المستمرة، ولكن تم حذف هذه النص في مشروع القانون الشامل)”.

أوضح المعهد أن ذكر مبلغ الدعم المباشر للميزانية في الاعتمادات يعتبر دليلاً على الدعم القوي للأردن من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأمريكي. فنادراً ما تقدّم الولايات المتحدة مثل هذا التمويل لأي دولة، ولا تقترب قيمته من مبلغ 845 مليون دولار على الإطلاق. وناهيك عن المساعدات المباشرة المخصصة للميزانية والجيش، يتلقى الأردن تمويلاً أمريكياً آخر لمشاريع التنمية الاقتصادية والحوكمة، وأمن الحدود، والاحتياجات المحدودة النطاق.

أسباب نمو الاحتياجات الإقتصادية للأردن

قدم الباحث جملة اسباب لنحو حاجة الأردن لتقديم المزيد من المساعدات للقطاعات الإقتاصدية وقال، “لطالما اعتمد الأردن على الدعم الخارجي، الذي يشمل المساعدات الاقتصادية، نظراً لافتقاره للموارد الطبيعية الكافية من المياه والطاقة – على الرغم من التزايد السريع لإنتاجه من الطاقة الشمسية. ولم تقتصر انتفاضات “الربيع العربي” عام 2011 على اضطرار عمّان إلى الاستجابة لذلك عبر تخصيص مبالغ أكبر للنفقات الاجتماعية، وهو ما لا تستطيع تحمله فحسب، بل تزامنت تلك الانتفاضات أيضاً مع قطع مصر لإمداداتها من الغاز المدعوم بسبب الهجمات على خط الأنابيب. وأرغم ذلك الأردن على شراء مواد هيدروكربونية أغلى ثمناً وأدى بالتالي إلى زيادة ديون شركة الكهرباء الوطنية”.

وأضاف،” استضافت المملكة أكثر من مليون لاجئ سوري خارج المخيمات الخاضعة لإشراف الأمم المتحدة، وسبّب ذلك صعوبات في تمويل قطاع الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية. وتنافس اللاجئون مع الأردنيين على الوظائف أيضاً. وزادت جميع هذه العوامل من الضغط على الميزانية العامة للبلاد ولم يتم تغطيتها بالتمويل الأمريكي المنفصل المخصص لـ “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”. وفي البداية، استجاب حلفاء الأردن الخليجيون بتقديم الأموال لدعم ميزانية المملكة، إلّا أن التوترات السياسية مع السعودية تسببت بوقف التمويل في النهاية. وقد أدى ذلك إلى تدخل الولايات المتحدة، وهو ما يفسّر جزئياً توسيع نطاق “مذكرات التفاهم” والدعم المباشر للميزانية. ولجأ الأردن أيضاً إلى “صندوق النقد الدولي” للحصول على المساعدة وتلقّى ثلاثة قروض بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من 4 مليارات دولار بموجب ثلاث اتفاقيات على مدى العقد الماضي، بالإضافة إلى 400 مليون دولار أخرى كإغاثة في حالة الطوارئ خلال تفشي وباء فيروس كورونا (“كوفيد-19″) في عام 2020”.

وقد وجه “صندوق النقد الدولي” الإصلاحات الاقتصادية في الأردن، حيث ركز أولاً على خفض ديون “شركة الكهرباء الوطنية” من خلال تقليص الدعم الحكومي المكلف للوقود – وهو إجراء لا يحظى بشعبية كبيرة. وشملت خطوات لاحقة زيادة تحصيل الضرائب وإصلاحها وخفض رواتب موظفي القطاع العام التي لطالما كانت مرتفعة، وساهمت تقليدياً في دعم سكان الضفة الشرقية للنظام الملكي. ويهدف “مرفق الصندوق الموسع” الحالي التابع لـ “صندوق النقد الدولي” إلى المساعدة على خفض البطالة في أوساط الشباب والنساء، وتحسين مناخ الاستثمار لتحفيز نمو القطاع الخاص، وتنفيذ إصلاحات تعرفة الكهرباء المخصصة للشركات، مما سيقلص نفقات القطاع الخاص. وستساهم زيادة الدعم الأمريكي في توسيع نطاق هذه الإصلاحات وتعزيزها.

ومع ذلك، لا يزال الأردن في وضع اقتصادي مليء بالتحديات. فاعتباراً من الربع الثالث من عام 2021، بلغ معدل البطالة الرسمي 23.2 في المائة، وفاقت بطالة الشباب نسبة 50 في المائة وبقي تمثيل النساء في القوى العاملة من بين أدنى المعدلات في العالم. وعلى غرار سائر المنطقة، سجل الأردن نمواً سلبياً في عام 2021 بسبب وباء فيروس كورونا (“كوفيد-19”)، مما أدى إلى تفاقم البطالة الحالية، ولا سيما في القطاعات التي تدر إيرادات مثل السياحة والتحويلات المالية. وسيصل العجز هذا العام، الذي يستمر في التضخم، إلى أكثر من 110 في المائة من “الناتج المحلي الإجمالي” نتيجة قيمة الاقتراض الكبيرة محلياً ودولياً على مدى العقد الماضي.

وتشمل ميزانية الأردن لعام 2022 البالغة 15 مليار دولار، 2.18 مليار للاستثمارات الرأسمالية التي تهدف إلى توسيع النمو، منها 477 مليون دولار مخصصة لمشاريع جديدة. ومع ذلك، من غير المرجح أن يساهم برنامج الاستثمار في توفير فرص عمل كثيرة، لأن هذه الاستثمارات والبرامج مقسمة عبر مجموعة متنوعة من القطاعات والعديد منها يركز على توسيع الخدمات. ووضعت عمّان بعض الخطط لزيادة فرص العمل، على غرار “برنامج التوظيف الوطني” المدعوم من “البنك الدولي”، والذي يرمي إلى استحداث 60 ألف وظيفة في القطاع الخاص وتوفير تدريب على العمل لمدة ستة أشهر، مع قيام أرباب العمل بتغطية الأشهر الستة المتبقية. كذلك، تعمل الحكومة حالياً على سن تشريع جديد لتوحيد قوانين الاستثمار، بهدف تحسين مناخ الأعمال.

“مذكرة تفاهم” رابعة

وتاليا توصيات الباحث في معهد واشنطن للولايات المتحدة خل توقيعها مذكرة التفاهم الجديدة:

“يجدر بالذكر إن التساؤلات المحيطة بـ “مذكرة التفاهم” الرابعة لا تتعلق بحجم المساعدة وأمدها فحسب، ولكن أيضاً بما إذا كان ينبغي أن تكون المساعدة مشروطة بإصلاحات اقتصادية أو سياسية بالنظر إلى حجم المساعدة الأمريكية. (في عام 2021، قدمت الولايات المتحدة 84 في المائة من جميع منح الميزانية للأردن).

وتتضمن الميزانية المقترحة من قِبل إدارة بايدن للسنة المالية 2023 تخصيص 1.45 مليار دولار للأردن، وهو رقم يعكس رؤيتها لأساس “مذكرة التفاهم”. ومع ذلك، منح الكونغرس للمملكة الهاشمية مساعدات بقيمة 1.65 مليار دولار في كل من العامين الماضيين. ونظراً إلى الدعم المقدّم من الكونغرس واحتياجات الأردن، يجب أن تهدف “مذكرة التفاهم” إلى تزويد المملكة بمبلغ 1.75 مليار دولار لكل عام من السنوات الأربع المقبلة. بالإضافة إلى ذلك، وفي بانتظار مراجعة الاحتياجات والتقدّم المحرز في الإصلاحات، يمكن زيادة هذا المبلغ إلى  2 مليار دولار سنوياً على مدى السنوات الثلاث التالية، على أن يبلغ الحدّ الأقصى للمبالغ الممنوحة 13 مليار دولار على مدى سبع سنوات، مما يؤدي أساساً إلى إنشاء صندوق حوافز بقيمة 750 مليون دولار خلال السنوات المالية 2027-2029. ونظرياً، من شأن هذا المستوى من الدعم أن يساعد الأردن على الانتقال من نمط إدارة الأزمة، على حد تعبير وزير المالية محمد العسعس، إلى مرحلة من النمو المستدام والكفاءة الحكومية المتنامية، على أن يتمثل الهدف في تقليص حاجة البلاد إلى المساعدات الخارجية الأمريكية في العقد التالي.

على الولايات المتحدة الضغط على شركائها لتقديم التزامات أكبر للأردن، على غراراتفاقية التطبيع “الطاقة الشمسية مقابل المياه” الموقع مؤخراً مع الاحتلال بدعم من الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب مشاريع أخرى مرتبطة بـ “اتفاقيات إبراهيم” التي يمكن أن تنطوي على استثمارات في المملكة. وبالمثل، على واشنطن أن تواصل تشجيع “إسرائيل” على تعزيز الفرص الاقتصادية في الأردن، كاتفاق التجارة الموسّع بين عمّان ورام الله .

في المقابل، على المسؤولين الأمريكيين تشجيع الأردن بشكل كبير على تنفيذ “برنامج الأولويات الاقتصادية”، والذي يُلزم المملكة بتحسين بيئة أعمالها وتعزيز برامج وعمليات تمويل ضرورية لاستحداث فرص العمل. ويُعتبر تطبيق الإصلاحات الضرورية في قطاعيْ الكهرباء والمياه اللذين تديرهما الدولة أساسياً أيضاً.

ومع طي الأردن صفحة الوباء، وعودته إلى تسجيل نمو اقتصادي إيجابي، وتنفيذه الإصلاحات القائمة في إطار برنامج “صندوق النقد الدولي” المخصص للمملكة، يمكن للولايات المتحدة النظر في تقليص حجم المساعدة التي تدعم بها ميزانية الأردن، لا سيما في وقت تدخل فيه “مذكرة تفاهم” جديدة طويلة الأمد سنواتها الأخيرة. وتشكل منح الميزانية الممنوحة من الولايات المتحدة حالياً ما يقرب من 10 في المائة من إجمالي الإيرادات الأردنية.  

وعلى الصعيد السياسي، على واشنطن أن تواصل الضغط على عمّان لتخفيف القيود التي تفرضها على حرية التعبير والصحافة. ومن بين دواعي القلق الأخرى، لا تؤدي هذه القيود إلى مناخ استثماري سليم. وكانت “اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية” في الأردن، برئاسة رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي، قد أوصت باتخاذ عدة إجراءات طويلة الأمد للإصلاحات البرلمانية وتطوير الأحزاب السياسية. ومع ذلك، على الولايات المتحدة النظر في هذه التوصيات بشكل منفصل، نظراً لأن القضايا المرتبطة بها لها جداول زمنية خاصة بها ويجب أن تواكب التغييرات السياسية الأوسع نطاقاً، مسترشدة بالهدف المعلن للعاهل الأردني الملك عبدالله، المتمثل في تحويل الأردن إلى دولة ديمقراطية دستورية في غضون عقد من الزمن. ومن شأن معونة اقتصادية مستدامة وموثوقة أن تساعد البلاد على تحقيق هذا الهدف السياسي”. 

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: