د.أحمد شحروري
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

يا أهل غزة علمونا الحُب

د.أحمد شحروري
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

لو كان مشهد الدمار الذي تسلط على غزة قد نزل بغيرها من المدن لعمّ السخط ولتمادى أهلها بالردح لمن يتهمونهم بالتسبب بما حصل، ولشمت العدو بالتشظي بين مكونات مجتمع التقى عليه فساد الداخل وتآمر الخارج، لكن في غزة معادلة أخرى، وبرغم ذلك فإنك تسمع من حين لآخر متشدقين زاعمين الحرص على أرواح الأبرياء كيف ينعون على المقاومة “مقامرتها” بأرواح المدنيين وبيوتهم وممتلكاتهم؟! ألم يحدثوكم عن كون أهل غزة رهائن بيد حماس؟

أما الحقيقة المجردة من المجاملة أو التهويل فهي أن المقاومة في غزة وضعت نصب عينيها تحرير الأرض والإنسان، فما اشتكى سالك في درب الحرية من تكلفة طريقها، والمقاومة لا تسعى للخلاص من التبعية للغريب ثم تحمل المواطن الفلسطيني على التبعية لها، فلقد عاش الغزي وهو يرى المقاومة لا تستأثر بمغنم على الأرض ولا تتركه يجوع وهي متخمة، أبناء المقاومة هم أبناء الشعب فآلاف المقاومين الذين يغيبون عن أهلهم في حراسة الثغور والإقامة في الأنفاق شهورا لا يرون الشمس، فالأب الذي يخدم أبناؤه في صف المقاومة لا يملك إلا أن يحبها لأنها باتت بضعة من نفسه وروحه استودعها نفسه وروحه، والأم التي استأمنت المقاومة على ولدها لا تفتر عن الدعاء للمقاومة لأن نجاتها نجاة لفلذة كبدها، لا فرق إذاً في الحالة الغزية بين رسمي وشعبي لأن الشعبي هو الذي يصنع الرسمي، والرسمي لا يتعالى على الشعبي، لقد صنعوا الحب فيما بينهم فباتوا نسيجا واحدا لا فوقية في تركيبته، سلاحهم ثمنه دماؤهم وليس عهدة من عدوهم ليكلفهم حراسة أمنه به، والصبي فيهم يعرف معنى الولاء لجماعة المؤمنين، والولاء حب واتباع، والبراء من المجرمين بشتى راياتهم لا يتقاطع مع الولاء.

تغلغلت المقاومة في صفوف الشعب حتى استهوت الأمي والمتعلم والمرأة والرجل والفقير والغني، وزعامة المقاومة هي الأخرى ليست حكرا على أسرة أو عائلة، فإذا استعرضت القيادات السياسية والعسكرية على السواء لم تجدها محصورة في عوائل غزة الكبيرة ولا الغنية، ولا تقتصر على ابن غزة المدينة ولا يحرم منها ابن المخيمات، فمقياس الصلاحية للقيادة بشقيها لمن دفع من دمه أكثر ولمن خسر من سني حياته في السجن أكثر ولمن سرى في دمائه فن القيادة والإحاطة بها أكثر، وهذا هو الفيصل.

أدبيات الإسلام التي ربي عليها المقاوم الغزي تفرض عليه أن يعيش لغيره لا لذاته، وأن يتحلى بالإيثار لا بالأنانية والأثرة، وهو حتى في التعامل مع أسرى عدوه يضرب مثلا لا يقوى البشر على مجرد فهمه اليوم، لا أقول لا يطيقون تطبيقه، فأسرى العدو وهم يغادرون عائدين إلى حيث أُسروا تحس كأنهم كانوا في رحلة ولم يكونوا في أسر، أيديهم تلوّح بالتحية للآسرين، وألسنتهم تحكي عظمة نفوسهم، وأقلامهم ترسل بالشكر والامتنان على الرعاية التي وجدوها بينما كان بنو قومهم الجزارون يمطرون غزة بالموت والدمار.

  ليت الذين يتآمرون اليوم على غزة من تحت الطاولة ومن فوقها يحققون في شعوبهم جزءا من جو غزة الإيماني، وجزءا من جوها الوطني، وجزءا من جوها التحرري، وجزءا من جوها الأمني المستعصي على الخيانة والعملاء وفعلهم القذر.

أيها المستبصرون، إذا أردتم أن تعرفوا عظمة المقاومة في إدارة المشهد الداخلي بالحب فانظروا إلى مجتمعات العرب وعلاقتها بحكامها، ف”بضدها تتميز الأشياء”… أرأيت إلى مواطننا كيف يتهرب من الضرائب؟ ولو أحب لما تهرّب، أرأيت إلى أذرع الفساد كيف تستعلن وتمتد؟ ولو صنعنا الحب فإنه”ضرة” الفساد، أرأيت إلى الأب يقتل ابنه لخلافات مالية؟ فاستعلت البغضاء على فطرة الأبوة والبنوة، أرأيت إلى السجون في طول بلاد العرب وعرضها كيف تعج بسجناء الرأي لأنه لا يحلّ في مذهب السجان التفكير الحرّ لمن صُنعوا ليكونوا عبيدا.

يا أهل غزة، أرجوكم علمونا كيف يكون الحب وبأزاهيره تزدهر الأرجاء.

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts