الحوارات لـ “البوصلة”: “الإسلاموفوبيا” ونظرة الغرب السطحية للمسلمين ستتغيّر لا محالة

الحوارات لـ “البوصلة”: “الإسلاموفوبيا” ونظرة الغرب السطحية للمسلمين ستتغيّر لا محالة

عمّان – رائد صبيح  

أكد أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، أن اليوم العالمي الأول لمكافحة ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، هو دعوة للعمل على القضاء على “سمّ” الكراهية ضد المسلمين.

وكانت الجمعية العامة، قد اعتمدت العام الماضي قرارًا لإعلان 15 آذار من كل عام يومًا دوليًا لمكافحة كراهية الإسلام (الإسلاموفوبيا).

المصطلح ليس حديثًا

بدوره سلط المحلّل السياسي الدكتور منذر الحوارات في تصريحاته لـ “البوصلة” الضوء على مفهوم “الإسلاموفوبيا” ونشأته، مؤكدًا أنّ تطورات الأحداث في العالم ستجبر أمريكا والغرب عمومًا على اتخاذ مواقف مغايرة من شأنها أن تقلّل من العداء والرُهاب من المسلمين والرؤية السطحية للإسلام التي سعى الغرب لترسيخها بوصم المسلمين بشّر أعمال مجموعة محددة تنتهج العنف باسم الإسلام، فيما لا تشكل نقطة في بحر الإسلام والمسلمين.

وقال الحوارات: ربما يبدو مفهوم “الإسلاموفوبيا” بأنّه مفهومٌ حديث، ولكنّي أرى أنّه يتكئ على جذور تاريخية مهمّة استندت إلى الاستشراق الأول، والذي صوّر المسلمين ومناطقهم على أنّها تحوي أناسًا متخلفين وغير متعلمين وبدائيين أقرب للبرابرة على حد مزاعمهم.

ولفت إلى أنّ “هذه الصورة الأقرب للأقطار الإسلامية مخزنة في الذاكرة الأوروبية، وليست حديثة، فالأوروبيون في العادة والغرب بشكلٍ عامٍ يحاولون وضع العالم ضمن شرنقة محددة، وأنّ أصل الحضارة هو الغرب وأن “الآخر” وهم يطلقون هذا الاسم على كل من يرون أنّه يهدد الحضارة الغربية”.

د. منذر الحوارات: المسلم لا يمارس طقوس دينه بشكلٍ ضديٍ ورد فعلٍ بل يقوم بذلك إرضاءً لله

واستدرك بالقول: للأسف بعد حقبة الاستعمار والتي كان يُنظر إليها أوروبيًا أو صورت للمجتمع الأوروبي على أنّها محاولة لتطوير هذه الدول، ولكن بعد الثورات التي حصلت ضد الاستعمار، صُوّر ذلك أوروبيًا على أنّه “رفضٌ للتحضر” وبالتالي زاد من المخزون الذهني لدى الغرب عن الإسلام.

وأضاف بالقول: لكن تجلّت الفترة الأخيرة، وهنا أنا لا أبرر في الحقيقة، بحالة المظلومية التي سادت في دول العالم الإسلامي من السلوك الغربي تجاه الدول الإسلامية ومحاولة فرض القيم والعقائد الغربية على تلك المجتمعات والتي نُظر إليها على أنّها تعدٍ على الخصوصية الإسلامية وأوجد ما يشبه حالة الرفض لهذا السلوك الغربي، بالذات أنّه كان يدعم دولة الاحتلال في فلسطين، وصُوّر ذلك على أنّه محاولة لاختراق العالم الإسلامي والعربي بالذات بدولة هجينة.

“الإسلاموفوبيا” ورفض فكرة الهينمة الغربية

وأوضح الحوارات أنّ “كل ذلك ولّد حالة من الرفض، نتج عنه مقاومة لفكرة الهيمنة الغربية، التي بدورها ساهمت بإنتاج منظمات إرهابية كان لها ما فعلته خلال العقدين الماضيين بالذات، في أحداث 11 سبتمبر، والتي أدت إلى تصوير الشخصية الإسلامية بشكلٍ مجحق، وأسقط تشبيه والخوف من مجموعة محددة تشكل نقطة في بحر الإسلام والمسلمين، وأسقطت على كل المسلمين ووصموا بأنّهم خطر يتهدد الحضارة الغربية وجُمع المسلمون بكل أقطارهم بقومياتهم وهم قوميات متعددة، وأقطار متعددة وفضاءات جغرافية ثقافية حضارية متعددة، ولكنّهم جُمعوا في بوتقة واحدة، هي بوتقة العنف، وبالتالي بدأ يظهر الخوف الجماعي من المسلمين بشكلٍ كليٍ، وأصبح هناك رهاب من المسلمين بأنّهم مصدر خطر يتهدد الحضارة الغربية، ويتهدد العالم”.

إقرأ أيضًا: تفاعل على استشهاد أمين عام الأمم المتحدة بآية قرآنية على أخلاق الإسلام (شاهد)

وتابع، “بسبب الديموغرافيا الواسعة التي يشغلها المسلمون، وعدد السكان الكبير مليار و200 ألف تقريبًا يشغلون أقطارًا عديدة، ويشكلون نسبة كبيرة من السكان، وبالتالي بدأ يُنظر لهذا التجمع من المسلمين على أنّه خطر يتهدد الحضارة الغربية والشخص الأوروبي وبالتالي بدأ يُحارب، وبدأ الإعلام الغربي يتخذ موقفًا واضحًا ينتقد الإسلام والمسمين على أنّهم منغلقون وغير قابلون للتحضر وأصبحوا عقبة في أمام تحول شعوبهم لمفاهيم الحضارة الغربية”.

تغليف الإسلام بقشور جماعات تمارس العنف باسمه

وشدد الحوارات على القول: أنا لا أقف هنا موقف الضد من الحضارة الغربية، ولكن تلك الرؤيا السطحية للإسلام خلقت مفهومًا مقابلاً أنّ الغرب عدوٌ وأنّه يريد أن يلغي ثقافتنا، ولذلك بدأت تظهر الطقوسيات المبالغ فيها، وتظهر من حيث اللباس والشكل وصار يُشدّد على ظاهر الإسلام أكثر من جوهره في بعض الأحيان كدين متسامح ودين منظومي يحوي مجموعة كبيرة من القيم التي تستطيع فيما لو طبقت أن تقيم حالة من العدالة والتسامح بين الناس.

واستدرك: بل غُلف الإسلام بقشرة داعش والنصرة والوليّ الفقيه وقشرة الحوثيين وكل القشور التي تمارس العنف باسم الإسلام، ولكن أغفل في هذا التوصيف الغربي للإسلام كل أولئك الذين ساهموا في الحضارة العربية الإسلامية.

إقرأ أيضًا: تركيا: الإسلاموفوبيا تهديد حقيقي ومتزايد

وأضاف أنه نُظر للإسلام بمجمله وشعبه وأرضه نظرة دونية ونظرة خوف وريبة، وبالتالي هذا قطع جذور التواصل بين الحضارة الإسلامية العريقة والحضارة الغربية العريقة، وتلاقح هاتين الحضارتين بدون “مُسمّمات” الأفكار الشاذّة، وهذا التلاقح كان يمكن أن ينتج مزيجًا رائعًا.

وقال الحوارات: باعتقادي ما يمكن أن يفعله المسلمون أن يمارسوا دينهم كما هو، دون الذهاب بعيدًا، لأنّ الدين لله، وأن يمارسوا طقوسهم بشكلٍ معتدل، ويمارسوا حياتهم بطبيعتها دون أن يتصرفوا بدينهم من أجل لفت نظر الآخر، وهذا مهمّ جدًا.

طقوس الإسلام لله وليست ردّ فعل

ونوه إلى أنّه لا يجب أن يمارس المسلم دينه من أجل موقف ضدي من أحد، بل يجب أن يمارسه ويبتغي به رضا رب العالمين، والثقافة العربية والثقافة الإسلامية واسعة جدًا بمفاهيم الاحتواء للآخر.

وأضاف الحوارات: “كنا نشهد خلال القرون الماضية أن شعوبًا كثيرة كانت في طيّات هذه الثقافة العربية الإسلامية، وكانت متعايشة”.

ولفت إلى أنّه بالنسبة للغرب لا أعتقد أنّنا نستطيع أن نغيّر لأنه في النهاية الإسلام أصبح بين ظهراني الغرب فهناك مسلمون أمريكان وأستراليون وأوروبيون وغير ذلك من الجنسيات، ولم تعد ثمّة جغرافيا سياسية محددة للإسلام، بل أصبح من ضمن ثقافات الشعوب الغربية، وأصبح جزءًا أصيلاً من مؤسساتهم وأصبح لديه مكانته، وليس فقط من قبل المهاجرين ولكن من قبل أبناء تلك البلاد الأصليين وهذا أمرٌ مهم.

وتابع، بالتالي لا يمكن أن يستمروا بنظرتهم الشاذة للإسلام نظرة “الإسلاموفوبيا” لأنهم سينظرون إلى جزءٍ من شعوبهم نظرة دونية وبالتالي يجب أن يتغير هذا المفهوم الأوروبي.

مفاهيم الغرب ستتغير لهذه الأسباب

وقال الحوارات: باعتقادي أنّه سيتغير وإن كان عاجلاً أم آجلاً بسبب وجود ضغط عالمي حقيقي لإخراج أوروبا من سباتها بأنّ العالم الآخر ما يزالون برابرة، وانّهم فقط من يحق لهم أن يقيّموا العالم ويضعوا هذا بربري وهذا متحضر.

وشدد على أنّه اختلف الأمر اليوم، وهناك دول إسلامية متطورة حداثية في الوقت نفسه، وأصبح هناك نقاش واقع داخل البيئة الإسلامية نفسها حول ما هو الإسلام الذي يمكن أن يكون قابلاً للتطبيق في ظروف العصر الراهن.

إقرأ أيضًا: الحوارات لـ “البوصلة”: هكذا فشلت روايتنا أمام الرواية الصهيونية في الإعلام الغربي

وأشار إلى أنّه “أصبحت هنالك قراءة موسعة للنصوص وفكرة التشدد وعبادة النصوص، بدأت تأخذ مكانةً أخرى عن الواقع العلمي الذي بدأ يحاجج في النصوص بطريقة علمية عقلانية بعيدًا عن الرؤية الدوغمائية (تمثل حالة الجمود الفكري والتعصب)”.

وختم الحوارات حديثه لـ “البوصلة” بالقول: بالتالي أصبحت المفاهيم والرؤية الإسلامية تطوّر وتتطوّر، وبالتالي أعتقد أنّ الفكرة الأوروبية فيما يتعلق بـ “الإسلاموفوبيا” ستصبح ضررًا على أوروبا بالذات أنّ الدول الإسلامية أصبحت ساحة اقتصادية كبيرة ولا يمكن لهم أن يستمروا في العداء تجاهها.

لقاء أممي رفيع لمكافحة الإسلاموفوبيا

وكانت الأمم المتحدة عقدت  في مقرها قبل عدة أيام، فعالية رفيعة المستوى لإحياء اليوم الدولي الأول لمكافحة كراهية الإسلام (الإسلاموفوبيا) نظمتها الجمعية العامة والباكستان.

وكانت الجمعية العامة، قد اعتمدت العام الماضي قرارًا لإعلان 15 آذار من كل عام يومًا دوليًا لمكافحة كراهية الإسلام (الإسلاموفوبيا).

ووصف أمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس كراهية الإسلام، بأنها سم، مضيفًا أن مسلمي العالم الذين يبلغ عددهم نحو ملياري نسمة هم تجسيد للإنسانية بكل تنوعها، مشيرا إلى أنهم ينحدرون من كل ركن من أركان المعمورة لكنهم يواجهون في كثير من الأحيان تعصبًا وتحيزًا لا لسبب سوى عقيدتهم.

وقال غوتيريس، إن الكراهية المتنامية التي يواجهها المسلمون ليست حدثًا منعزلًا، بل إنها جزء أصيل من عودة القومية الإثنية للظهور وأيديولوجيات النازيين الجدد الذين يتشدّقون بتفوق العرق الأبيض، والعنف الذي يستهدف الشرائح السكانية ألأضعف.

ومع قرب حلول شهر رمضان المبارك، قال الأمين العام إن رسالة السلام والتعاطف والتراحم التي جاء بها الإسلام، منذ أكثر من 1400 عام، تشكل إلهامًا للناس حول العالم، منوهًا أن كلمة إسلام ذاتها مشتقة من الجذر نفسه لكلمة سلام.

وقال، إنه رأى بنفسه عندما كان مفوضًا ساميًا لشؤون اللاجئين، سخاء الدول الإسلامية التي فتحت أبوابها لمن أجبروا على الفرار من ديارهم، في وقت أغلقت فيه دول أخرى كثيرة حدودها.

Image

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: