قَدِمَ رَجُلٌ معه إبل إلى مَكّةَ، فَابْتَاعَهَا مِنْهُ أَبُو جَهْل، ولم يُعطه ثمنها، فَأَقْبَلَ الرجل حَتّى وَقَفَ عَلَى نَادٍ لقُرَيْشٍ، وَرَسُولُ اللّهِ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ جَالِسٌ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَنْ رَجُلٌ يُؤَدّينِي عَلَى أَبِي جهل، فإنه َقَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقّي؟، فَقَالَوا بهزء: أَتَرَى ذَلِك الرّجُلَ الْجَالِسَ -عن ِالرَسُولِ لِمَا يَعْلَمُونَ ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي جَهْلٍ مِنْ الْعَدَاوَةِ- اذْهَبْ إلَيْهِ فَإِنّهُ يُؤَدّيك عَلَيْهِ.
فَأَقْبَلَ الرجل حَتّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ فَقَالَ: إنّ أَبَا جهل قَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقّ لِي، وَأَنَا رَجُلٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ سَأَلْت هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ عَنْ رَجُلٍ يَأْخُذُ لِي حَقّي مِنْهُ، فَأَشَارُوا إلَيْك، قَالَ انْطَلِقْ وَقَامَ مَعَهُ الرَسُولُ، فَلَمّا رَأَوْهُ قَامَ مَعَهُ قَالُوا لِرَجُلِ اتْبَعْهُ فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُ، فَضَرَبَ الرسول بَابَهُ، فَقَالَ مَنْ؟ قَالَ مُحَمّدٌ اخْرُجْ إلَيّ، فَخَرَجَ وقَدْ اُنْتُقِعَ لَوْنُهُ فَقَالَ: أَعْطِ هَذَا الرّجُلَ حَقّهُ، قَالَ نَعَمْ لَا تَبْرَحْ حَتّى أُعْطِيَهُ، ثم خَرَجَ إلَيْهِ بِحَقّهِ، ثُمّ انْصَرَفَ الرَسُولُ وَقَالَ للرجل الْحَقْ بِشَأْنِك، فَأَقْبَلَ الرجل حَتّى وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَقَالَ جَزَاهُ اللّهُ خَيْرًا، وَاَللّهِ أَخَذَ لِي حَقّي .
وَجَاءَ الرّجُلُ الّذِي تبعهم فَقَالُوا: وَيْحَك مَاذَا رَأَيْت؟، قَالَ عَجَبًا مِنْ الْعَجَبِ، وَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَخَرَجَ إلَيْهِ وَمَا مَعَهُ رُوحُهُ، فَقَالَ لَهُ أعْطِ هَذَا حَقّهُ فَقَالَ نَعَمْ، فَأَعْطَاهُ حقه، ثُمّ لَمْ يَلْبَثْ أَبُو جَهْلٍ أَنْ جَاءَ فَقَالُوا: وَاَللّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَنَعْت قَطّ، قَالَ وَيْحَكُمْ وَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيّ بَابِي، وَسَمِعْت صَوْتَهُ مُلِئَت رُعْبًا، ثُمّ خَرَجْتُ إلَيْهِ، وَإِنّ فَوْقَ رَأْسِهِ فَحْلًا مِنْ الْإِبِلِ مَا رَأَيْت مِثْلَ هَامَتِهِ وَلَا قَصَرَتِهِ وَلَا أَنْيَابِهِ قَطّ، وَاَللّهِ لَوْ أَبَيْتُ لَأَكَلَنِي .
الشرعُ قبلَ العقلِ
عليٌ رضي الله عنه يقول: “لو كان الدِّينُ بالرأيِ، لكان أسفَلُ الخُفِّ أَولى بالمَسحِ مِن أعلاه”، وقال ابن تيمية: العقل يقول:”سَـآوِىٓ إِلَىٰ جَبَلٍۢ يَعْصِمُنِى مِنَ ٱلْمَآءِ”، والوحي يقول: “لَا عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ”، والنتيجة: “وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ”، فكل من قدّم عقله على نصوص الكتاب والسنة الصحيحة، غرِق في ظلمات بحار الأهواء والبدع، ومن تعود معارضة الشرع بالعقل لا يستقر في قلبه إيمان.
جوابُ الحكيمِ
قيل لحكيمٍ: أيُّ الأمورِ خيرٌ؟، قال: دينٌ يشفع، ومالٌ ينفع، وأخٌ يسأل ولا يقطع، وصحبةٌ صالحةٌ في ظلِ العرشِ تجمع… اللهم ثبتنا على ديننا، وانفعنا بمالنا، وأدم وصلنا، ولا تحرمنا من الصحبةِ الصالحةِ.
(البوصلة)