العنفُ الجامعيّ يطفو للسطح مجددًا.. لماذا غابت لغة الحوار؟

العنفُ الجامعيّ يطفو للسطح مجددًا.. لماذا غابت لغة الحوار؟

عمّان – البوصلة

سلطت الخبيرة التربوية بشرى عربيات في تصريحاتها لـ “البوصلة” الضوء على مشكلة العنف الجامعي، والمظاهر المؤسفة التي بتنا نشاهدها مؤخرًا في حرم مدارسنا وجامعاتنا من انتشارٍ للمشاجرات بين فئة من المفترض “أنها متعلمة”، مؤكدة في الوقت ذاته على أنّ سبب تمدد هذه المشكلة يعود لأسبابٍ عديدة على رأسها “فراغ العقل وغياب لغة الحوار” ويتحمّل جزءًا كبيرًا منها “معلمون ومعلمات، وأساتذة جامعات لا يرتقون لتحقيق هدف التربية قبل التعليم” على حد وصفها .

وقالت عربيات: “نلاحظُ في الآونة الأخيرة انتشار العنف في المجتمع، بكافَّة أشكاله، نسمعُ عن جرائم أسرية، وأخرى مجتمعية سواءً كانت في الشوارع، أو حتى داخل الحرم الجامعي، الأمرُ الذي يستدعي الوقوف على أسباب ما يحدث، ذلك لأن الجريمة هي آخر ما يخطر على بال الشخص، لكن للأسف نسمع عن جرائم يبدو أنه مخطط لها مسبقاً، لأنها لا تكون نتيجة ردود فعل، لكن يظهر للعيان أن الشخص المنفِّذ قد خطط ودبَّر، ثم هرب”.

بشرى عربيات: أهم سبب لغياب لغة الحوار هو الفاقد التربوي والسلوكي في معظم مؤسساتنا التربوية

وأضافت بالقول: “ربما هذه الجرائم التي سمعنا عنها حدثت في بيئة بسيطة، لا تمتلك القدر الكافي من المعرفة والتعليم، وهذا ليس عذراً بالتأكيد، لكن أن يودي شاب بحياته أو بحياة فتاة يعرفها، أو يحاول رمي نفسه من فوق جسرٍ ما بسبب عدم إيجاد وظيفة أرى أنها أسباب تشيرُ إلى سطحية وتفاهة في التفكير، فلماذا يحاول إلقاء نفسه في وضح النهار؟ ما هذا سوى استعراض، لأنه يعلم أن هناك من يمكن أن ينقذه، سواءً من نشامى الأمن العام أو من أي مواطن”.

إقرأ ايضاً: خبيرة تربوية تحذر من “عناكب الجهل” وتطالب بمواجهتها بـ “نشر الوعي”

واستدركت عربيات: “ليس هذا فقط ما يدفعني للحديث عن المشكلة ولكن الأسوأ انتشار المشاجرات داخل المدارس والجامعات، هذه المشاجرات التي تحدث بين فئة من الشباب المفروض أنها متعلِّمة ومثقَّفة، ولو تمَّ البحث عن أسباب هذه المشاجرات، لوجدنا أنها أسباب تافهة، لا تليق بأن ينشأ عنها شجار داخل الحرم المدرسي أو الجامعي! إذاً لماذا تحدث؟ لا شك أن هناك أسباباً كثيرة، وربما يكونُ أهمُها فراغ العقل! نعم فراغ العقل الناتج عن عدم القدرة على الحوار، فتتغلَّب لغة الأيدي بالضرب أو ما شابه ذلك!”.

لماذا غابت لغة الحوار بمحاضننا التربوية؟

وتابعت الخبيرة التربوية حديثها بالقول: السؤال هو لماذا غابت لغة الحوار؟ برأيي أن أهم سبب هو الفاقد التربوي والسلوكي في معظم مؤسساتنا التربوية، إذ يتم التركيز فقط على علامة إمتحان، هذه العلامات لا ترتقي بإنسان، ولا تبني أوطان!”.

وأجابت على سؤالها السابق قائلة: ولعلَّ أهم سبب لذلك هو وجود معلمين ومعلمات، وأساتذة جامعات لا يرتقون لتحقيق هدف التربية قبل التعليم! هذه الفئة زادَ عددُها، وصارت تطفو على السطح، فقد غاب دور المعلم المربّي، وغاب المعلم القدوة للطلبة، وصارت مواقع “التواصل الافتراضي”مصدراً أساسياً لاستقاء المعلومة، حتى أن هذه المواقع لم تسلم من العنف، لتصبح في معظم الأحيان مواقعاً للتناحر الاجتماعي، وهذا يظهر من خلال تعليقات سخيفة غير محترمة، وغير مسؤولة! وهذا أيضاً نموذج للعنف.

واستدركت بالقول: تعتبر المدارس والجامعات ليس فقط صروحاً للعلم، بل هي المكان الذي من المفروض أن تكونَ آمنة، فلماذا سُمِّيَت حرماً إذاً؟ ذلك لأنها تحمي الطلبة من مخاطر كثيرة، ومنها مخاطر الجهل ومخاطر الشوارع، وعندما يتسلَّلُ العنف إلى هذه الصُّروح، سواءً كان عنفاً جسدياً أو لفظياً، فعلى الدنيا السلام!

إقرأ أيضأ: أجيالٌ خارج التغطية.. مستشارة تربوية ترصد ظاهرة مقلقة لـ”كوارث مجتمعية”

وعبرت عربيات عن أسفها الشديد من “أن يصدرَ العنف اللفظي عن معلم أو معلمة داخل الغرفة الصفيَّة، أو عن أستاذ جامعي برتبة كبيرة داخل قاعة المحاضرة، وأن يعمل هؤلاء على تحقير أحد الطلبة أمامَ بقية الطلبة، هذا المشهد متكرر داخل المدارس الحكومية والخاصة بلا استثناء، ولكن إنتقاله للجامعات أمرٌ مستهجن فعلاً”.

وأضافت: عندما يسألُ أحدهم: مين هو المريض النفسي؟ ليختلط الضحك والتساؤل في قاعة محاضرات إحدى الكليات العلمية! ومن سوء حظ هذا الأستاذ انتشار الهواتف الخلوية التي عملت على نشر ما حدث بتسارع ملحوظ، الأمر الذي نتج عنه استقالة الأستاذ الجامعي من منصبه، مع أن هذا لا يكفي برأيي، بل كان يجب أن يعتذر للطالب أمام طلبة الجامعة، بحضور وسائل الإعلام! ذلك لأن المناصب تدور، لكنَّ الأفعال تستمر، فمن يمكنه أن ينقذَ أي طالب آخر من الألسنة السَّليطة، ومن النفوس المريضة؟

شهادة سلوك

وأعادت الخبيرة التربوية التأكيد على أطروحاتها السابقة لحل مثل هذه المشكلات بالقول: “كثيراً ما كررت أهمية الحصول على رخصة أو شهادة سلوك، وذلك حسب نوع المهنة،  فمن يعمل في قطاع التعليم المدرسي أو الجامعي، يجب أن يحصل على شهادة سلوك إضافةً للشهادة الأكاديمية، لأنه يتعامل مع بني البشر، مع الإنسان الذي كرَّمه ربُّ العالمين، فإن لم يكن يمتلك القدرة على استيعاب الطلبة بكافة أطيافَهم، من جميع الفروق الفردية، عليه أن ينسحب من مهنة التعليم”.

واستدركت عربيات بالقول: بل على الوزارة المسؤولة سحب رخصة التعليم منه، لأنه ببساطة  لا يستحق أن يكون في سلك التعليم، معبرة في الوقت ذاته عن أملها بـ “بأن نسمع عن رخصة وشهادة السلوك قريباً وفي كلِّ الميادين، لكل مهنة ولكل موقع مسؤولية، بدءاً من الفحص السلوكي قبل الزواج، مروراً بالفحص السلوكي قبل الحصول على رخصة قيادة وانتهاءً بشهادة السلوك لمن يعمل في صروح العلم المختلفة، فقد خسرنا الكثير”.

تنمّر لفظي وجسدي

يذكر أنّ الأسابيع الماضية شهدت أحداثًا مؤسفة طفت خلالها أحداث العنف الجسدي واللفظي في حرم الجامعات وقاعات التدريس إلى السطح مجددًا.

وكان عميد شؤون الطلبة في الجامعة الأردنية الدكتور إسماعيل الزيود أصدر عقوبات تأديبية بحق مجموعة من الطلبة المتسببين في المشاجرات التي وقعت في الجامعة خلال الشهر الماضي، وذلك بناء على توصيات لجان التحقيق التي أنهت أعمالها بعد جلسات مطولة عقدتها مؤخّرًا.

كما قدم أحد أساتذة كلية الطب بإحدى الجامعات الأردنية استقالته من الجامعة بعد انتشار مقطع فيديو له بمواقع التواصل الاجتماعي يقول فيه لطالب أثناء مناداته له داخل إحدى القاعات باحثا عنه ”وين المريض النفسي”.

إقرأ ايضًا: مستشارة تربوية تحذر من “العدوى السلبية” التي تفتك بالمجتمع

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: