توبة الحداد

توبة الحداد

البوصلة – يتحدث الدكتور عبدالحميد القضاة رحمه الله في هذه الحلقة عن قصة نقلها الحسن البصري رحمه الله فقال : مررت في سوق الحدادين ببغداد، فوقع بصري على حداد يمد يده في الكورة ، ويمسك الحديد الأحمر الذائب بدون ان يشعر بحرارته، ويضعه على السندان ويطرقه بالمطرقة ، ويُخرجه بأي شكل يشاء ، وعند مشاهدتي لهذا الأمر العجيب ، وجدت في نفسي رغبة لسؤاله ، فتقدمت إليه وسلمت عليه فرد عليًّ السلام ، فسألته : ايها السيّد ، الاّ تؤذيك نار الكورة ، حر الحديد المذاب ؟،قال : لا، قلت : وكيف ؟، قال : مرت علينا هنا ايام من القحط والجوع ،أما انا فكنت قد خزنت كلّ شيء ،وجائتني ذات يوم امراة وجيهة الطلعة حسنة الصورة وقالت : يا رجل إن لي ايتاماً صغاراً يتضورون جوعاً ، وهم بحاجة إلى قليل من الطعام.


واطلب منك أن تهبني شيئاً من الحنطة في سبيل الله، لإنقاذ حياة هؤلاء الصبية، وبما أنني فُتنت بجمالها من خلال نظرة واحدة، قلت لها : إذا كنت تريدين الحنطة فيجب ان اقضي منك حاجتي ، غضبت المرأة لهذا الكلام وأعرضت عني وذهبت، وفي اليوم التالي عادت اليًّ باكية، وكررت ما طلبته في اليوم الاول ، فأعدت عليها ما كنت قد طلبته منها، فعادت ادراجها صفر اليدين ، وجاءتني في اليوم الثالث وهي غاية في الأسى وقالت : إن أطفالي على وشك الموت، فارجوا أن تنقذهم من الجوع والموت ، فكررت عليها طلبي، ويبدو أن الجوع انهكها ، فلم تعد لها قدرة على المقاومة، وعلى كلّ فإنّها حين اقتربت مني كانت تقول : ارحمني ايها الرجل أنا وأطفالي ، فنحن جياع وبحاجة إلى قليل من الطعام، فقلت لها : أيتها المرأة لا تضيّعي وقتي سدىً، تعالي اقضي منك حاجتي واعطيك الحنطة.


وعندها أكثرت من البكاء وقالت: إنني لم ارتكب قط هذا العمل الحرام، ولكني مضطرة الآن لتلبية طلبك لأنني وأطفالي ما ذقنا الطعام منذ ثلاثة ايام، ولكن لي عليك شرط ، فقلت : ماهو شرطك، قالت: ان تأخذني إلى مكان لا يرانا فيه احد، يقول الحداد: فوافقت على طلبها واخليت لها الدار،وما أن دنوت لاقضي حاجتي منها رأيتها تضطرب، وقالت : لم كذبت عليًّ ولم تفي لي بالشرط؟، قلت : وأي شرط هذا ؟، قالت : ألم تعاهدني على أن تأخذني إلى مكان لا يرانا فيه أحد ؟، قلت : نعم ، أليس هذا المكان خالٍ ؟،قالت : وكيف هو خالٍ وفيه خمسة يشهدوننا وهم : الله الذي يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور، والملكان الموكّلان بك ، والملكان الموكّلان بي، هؤلاء كلّهم حاضرون ويشاهدون عملنا، ومع هذا أراك واهم أن لا يرانا هنا، خف ربّك يا رجل ، واصرف شهوتك عنّي ، يصرف عنك حرّ النّار.


تنّبهت من كلامها هذا، وفكرت مع نفسي وقلت : إن هذه المرأة مع ما بها من جوع وضيق تخاف ربّها إلى هذه الدرجة، وانا لا اخشاه مع كلّ هذه النعم التي منًّ بها عليًّ ؟،تبت إلى ربي من ساعتي تلك، وتركت المرأة واعطيتها ما ارادت واذنت لها بالانصراف ، ولما رأت هذا الموقف منّي، رفعت طرفها إلى السماء وقالت : اللهم كما صرف هذا الرجل شهوته عني ، اصرف عنه حر النار في الدنيا والآخرة ، ومنذ تلك اللحظة التي دعت لي المرأة فيها بهذا الدعاء صرت لا اشعر بحر النار إطلاقا…اللهم باعدنا واياكم عن الحرام كما باعدت بين الارض والسماء،واصرف حر النار عنا في الدنيا والآخرة.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: