ثمن مشروب غازي

ثمن مشروب غازي

نشرة فاعتبروا  (186)

الدكتور عبدالحميد القضاة (رحمه الله)

          الدكتور عبدالرّحمٰن السميط رحمه الله مذ عرفته أيام تخصصه في بريطانيا كان داعيةً بحق، ثم أصبحت الدعوة شغله الشاغل، حيث أسلم على يديه الملايين في أفريقيا يقول:

          استرعاني بكاء وتوسلات سيدة أفريقية لأحد الأطباء، فتأثرت وتحدثت مع الطبيب، فقال لي إن ابنها الرضيع فى حكم الميت، وهى تريدني أن أضمه لأطفالنا، إنه طفل لن يعيش إلّا لأيام.

          فقلت للمترجم كم تحتاج من المال كل يوم؟، فذكرت مبلغا وجدته يساوي ثمن مشروب غازي في بلدي، فقلت لها خذي هذه نفقة لابنك، لترضيتها لأنها كانت حديثة عهد بالإسلام.

          وبعد أكثر من ١٢عاما كنت في المركز فجاءني أحد الموظفين وقال: هناك سيدة إفريقية تصر على لقائك، وبعد أن وافقت دخلت سيدة ومعها طفل جميل الوجه هادئ وقالت:

          هذا ابني عبد الرّحمٰن أتم حفظ القرآن الكريم وكثيرا من أحاديث الرسول، ثم تكلم الطفل بالعربية وقال: لولا الإسلام ورحمته ما كنت لأقف بين يديك، فقد حكت لي أمي قصتك معها، وإنفاقك عليّ طيلة مدة طفولتي، وأنا أجيد اللغة الإفريقية أيضا وأعرفها تماما.

          أحب أن أعمل معكم كداعية للّٰه، مقابل طعامي فقط، وأخذ يتلو آيات من سورة البقرة بصوت شجي، تذكرت قصته، عندها لم تحملني قدماي، فخررت علىٰ الأرض وأنا شبه مشلول لهول المفاجأة وشدةِ الفرحة، وسجدت لله شكرًا وأنا أبكي وأقول: ما أكرمك يا اللّٰه.!

            ثمن مشروب غازي أحيا نفسًا مؤمنة ورزقنا داعية للّٰه نحتاجه، كم من أموال ننفقها بلا طائل،هذا الطفل الحافظ أصبح من أكثر دعاة إفريقيا شهرة بين قبائلها، وأكثرهم قبولا لدى الناس، ما أسهل التقرب إلى اللّٰه “ولو بشق تمرة”، فكم نحن مسرفون بلا هدف!!!

نفوسنا… آخر القلاع

          أعرف أناسًا انتصروا في معارك السجون والوقوف أمام عتاة الإجرام في شتى الميادين، لكنهم انهزموا في معركتهم الأخيرة مع أنفسهم، فإذا ببعضهم عاد ألف خطوة للوراء.

          كانت المعارك بين الطاغية وجموع الشعب، ثم حولها إلى ما بين الشعب ونفسه، ثم تحولت إلى ما بين كل فصيل ونفسه، ثم أصبحت في نهاية المطاف بين كل  واحد منا ونفسه.

          لما وصل موسى إلى البحر أخّر الله أمر الانشقاق؛ حتى أدركهم فرعون وجنوده لتتم آخر مراحل الاختبار، وهي اختبار المؤمن مع نفسه، قبل أن يقضي الله على فرعون وجنوده، فتزلزلت قلوب البعض وظنوا أنهم مخذولون، وقال الواثق بربه: كلا إن معي ربي سيهدين.

          هذه المرحلة الآن التي من قسوتها يرسب المئات في اختبارها يوميًا، حتى إنني من فرط ما أرى من نوعية الراسبين ولم يكونوا كذلك سابقا أقول في اليوم ألف مرة: رب سلم سلم.

          قلت لصاحبي يومًا وقد أصاب بعض غبار اليأس أنفه: هون على نفسك. فالحق مضمون نصره، لكن المرعب أن ينتصر الحق وليس لنا فيه نبتة من بستانه، أو حجر من بنائه!!.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: