خبيرة تربوية: هكذا أصبح الطالب في الأردن “قاموسًا بلا مفردات”

خبيرة تربوية: هكذا أصبح الطالب في الأردن “قاموسًا بلا مفردات”

أكدت أنّ ما يسمّى بـ “تطوير المناهج” اختزل كتب اللغة العربية والتربية الإسلامية وأثر سلبًا على الطلبة

عمّان – البوصلة

عبّرت الخبيرة التربوية بشرى عربيات في تصريحاتها لـ “البوصلة” عن أسفها الشديد لما آلت إليه أحوال الطلبة في الأردن حتى أصبح الواحد منهم عبارة “قاموسٍ بلا مفردات”، بسبب ما تعرضت له العملية التعليمية من إضعافٍ متواصلٍ خاصة في مباحث اللغة العربية والتربية الإسلامية تحت شعارات تزعم “تطوير المناهج”.

وتساءلت عربيات: من رأى يوماً قاموساً فارغاً من الكلمات؟ ومن سمع عن قاموسٍ أو مُعجَمٍ للكلمات دون أن يحتوي في طيَّاتِهِ عن كمية هائلة من الأوراق التي تحتوي على عددٍ كبيرٍ من الكلمات التي يسعى المستخدم لمعرفة معناها، سواءً كان القاموس للترجمة، أو كان مُعجماً خاصَّاً باللغة العربية؟ إذ أن كثيرًا  من الناس لا يعرفُ بعضاً من معاني الكلمات باللغة العربية السَّليمة، لكني أكادُ أجزم أن الجيل الحالي والقادم سيكون عبارة عن قاموسٍ، دونَ مفردات!

وأضافت بالقول: “لا بدَّ من تفسير هذه العبارة، كيف يمكن أن يصلَ الطلبةُ إلى كونهم قواميس، دون مفردات؟ سوف أروي لكم حكاية هؤلاء الطلبة، إنهم طلبة ارتأى أولياء أمورهم إهمال اللغة العربية، والتركيز على تعلُّم لغات أجنبية على حسابِ اللغة العربية، الأمر الذي أفرغَ عقولهم وذاكرتهم من كلماتٍ كثيرة باللغة العربية، وربما وصلَ الحالُ بالبعض عدم إتقان اللغتين العربية والإنجليزية في خِضَمِّ ثورة استخدام لغة يسموها (الشات أو العربيزي) ، حيثُ صاروا مثل الطاووس الذي حاولَ يوماً تقليد النَّعامة في طريقة مشيها، فلم يُفلح، وعندما أراد أن يعود ليمشي كما كان، نسي مشيته”.

الخبيرة التربوية بشرى عربيات: علينا جميعاً الاهتمام باللغة العربية والدِّفاع عنها من التشويه الذي أصابَ أبناءها

وتابعت حديثها: “بالتأكيد لستُ ضد تعلُّم أكثر من لغة، بالعكس أؤيد تعليم لغة أو أكثر، غير العربية، مع ضرورة إتقان اللغة الأمّ، أنظروا إلى شعوبِ العالم، إنهم يتعلمون لغات مختلفة ولكن ليس على حساب لغتهم الأصلية، في الصين، على سبيل المثال، لن تستطيع التحدث معهم بالإنجليزية إلاَّ نادراً، وبصعوبة بالغة بالنسبة لهم وتراهم فخورين بلغتهم أو لغاتهم، إذ أنَّ هناك لغة خاصة لكل قوميَّة منهم، المهم أنهم فخورون بلغتهم، كذلك الأمر في تركيا، وغيرها من بلاد العالم، ولكن نحنُ العرب فقط من “يخجل” من لغته “ويتفاخر” بالتحدث بلغاتٍ أخرى”.

تطوير مناهج أم اختزالها وإضعافها

وقالت عربيات: وجاء ما يُسمَّى بتطويرِ المناهجِ ليختزل كتب اللغة العربية، والتربية الإسلامية لتصبحَ كُتيِّبات لا تحتوي المعلومة الكافية، بشكلٍ يعملُ على تنشئة أجيال تعرفُ لغتها حق المعرفة، وفي المقابل يطلبوا منهم كتابة مقال في امتحان الثانوية العامة! كيف يمكنهم ذلك وهم عبارة عن قاموس عمره سبعة عشرة عاماً، منها اثنتا عشرة سنة تعليم، لكنه قاموسٌ فارغٌ من المفردات.

وشددت على أنّ “هذا الأمر ملحوظٌ منذ سنوات عند طلبة البرامج الأجنبية بمختلف أنواعها، تراهم منطلقين عند كتابة أيّ موضوع باللغة الإنجليزية، لكنهم مساكين عند كتابة خبر أو مقال باللغة العربية، أو حتى عند ترجمة أحد النصوص من الإنجليزية للعربية وبالعكس! لكن في نهاية المطاف هؤلاء اختاروا تلك الأنظمة وانتهى الأمر، أما بالنسبة لطلبة البرنامج الوطني فإنَّ معظمهم قواميس فارغة من مفردات اللغتين”.

إقرأ أيضًا: بعد “دموع التوجيهي”.. خبيرة تربوية: لا نريد أجيالاً مهزومة من الداخل

وأوضحت الخبيرة التربوية بالقول: قد أفهم عملية التطوير للمناهج حين يضاف مادة علمية حديثة، مثل تكنولوجيا المعلومات فالتغيُّر فيها متسارع، لكن ما رأيته من “تطوير” على المباحث العلمية في السنوات الأخيرة كان مجرد ترجمة ونسخ ولصق، لأنَّ العلم لم يتغير، وكمتخصصة في الفيزياء، لا يوجد فيها جديد منذ كنتُ طالبة حتى اليوم، ولم يطرأ عليها اختلاف في قوانين الفيزياء، وذلك واضح في كتب الفيزياء لجميع البرامج وفي كل دول العالم.

وتساءلت: “كيف يمكن تطوير كتب اللغة العربية؟ وكيف يمكن تطوير كتب التربية الإسلامية؟ أعتقد أنه ليس تطويراً بمعنى التطوير، فنحنُ لسنا بحاجةٍ لذلك، لأن الدين الإسلامي لم ولن يتغير حتى قيام السَّاعة، ولأن قواعد اللغة العربية لم ولن تتغير ايضاً، فهي لغة القرآن الكريم”.

واستدركت عربيات: “لكن ما رأيناهُ في السنوات الأخيرة عملية إختزال للكتب والمادة الموجودة فيها، إضافةً إلى زجِّ بعض النصوص الضعيفة في كتب اللغة العربية، واستبدال بعض الأسماء، على سبيل المثال استبدل اسم ” محمد، وفاطمة ب مهند و لميس، وهذا التغيير ليس تطويراً بل هو مواكبةً للمسلسلات المدبلجة، فهل يُعقلُ ذلك؟”.

التعبير هو الغاية

وتابعت عربيات حديثها بالقول: “سمعتُ يوماً هذه المقولة من مفكِّرٍ متخصص باللغة العربية، حين قال في معرض حديثه عمَّا يحدث من تعديل في المناهج ( إذا كانت كتب اللغة العربية وسائل، فالتعبير هو الغاية )، إذاً الهدف الرئيسي من تعليم اللغة العربية من خلال مناهج تليقُ بها، هو القدرة على التعبير، فالكتب مجرد وسائل ليس أكثر، وبالتالي إذا تم اختزال الكتب، واستمرار أسئلة الإختيار من متعدد في امتحان الثانوية العامة، والذي انتقلت عدوى استخدام هذا النمط في المدارس لمراحل مختلفة  فسوف ينتج عن ذلك جيلٌ، بل أجيالٌ لا تعرفُ لغتها، فتراها تكتب باللهجة العاميَّة، ولا تعرف كيف تقرأ أحكام دينها في كتب التربية الإسلامية، وبالتالي تكون قواميساً دون مفردات”.

إقرأ أيضًا: خبيرة تربوية تحذر: أجيالٌ مهدَّدةٌ بفقدان الهوية بعد فقدان اللغة

وقالت: “أريدُ توجيه تحية تقدير واحترام لمعلماتي لمبحث اللغة العربية في المراحل التعليمية المختلفة اللواتي بذلنَ كل الجهود لنعرفَ الفاعل من المفعول به، ولنعرفَ الإسم المجرور من المرفوع، وذلك حين كانت كتب اللغة العربية غنيَّة زاخرةً بالمعرفة حتى لو كانت كتباً كبيرة ومليئة، لكنها وصلت بنا إلى أن نرفعَ رؤوسنا بلغتنا الأمّ، بالرغم من استخدامنا للغاتٍ أجنبية بسبب ظروف العمل، وبما أن الشيء بالشيء يُذكر فقد سمعتُ يوماً أحد مدراء المجلس الثقافي البريطاني في الأردن بعد أن قامت إحدى المشاركات بإلقاء كلمتها باللغة العربية في حفل جائزة المدرسة الدولية قبل سنوات، قال أنه أول مرة تمنَّى لو يعرف اللغة العربية، بعد سماعه للكلمة”.

وختمت عربيات حديثها بالقل: “نعم، إنها اللغة العربية التي لها وقعٌ وأثرٌ جميلٌ على آذان من يسمعها، لذلك يجب علينا جميعاً الاهتمام بها والدِّفاع عنها من التشويه الذي أصابَ أبناءها، الذين أصبح الكثير منهم قواميساً، دون مفردات”.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: